مجلة الرسالة/العدد 363/الحرب في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 363/الحرب في أسبوع
للأستاذ فوزي الشتوي
إزاحة الستار
وأخيراً أزاح موسوليني الستار عن موقف إيطاليا، وأعلن اشتراكها في الحرب، دون أن يذكر سبباً معقولاً يبرر به إسالة الدماء عندما يسجل عليه التاريخ فعلته. فقد كانت شكواه من الحصر البحري الذي حد من النشاط الإيطالي
ويعرف العالم أجمع إلى أي مدى عاونه الحلفاء على تحقيق أغراضه، حتى أصبح موقفه وهو خارج الحرب أشد خطورة على المدنية منه وهو داخلها، إذ كانت مساعداته المادية لألمانيا النازية تتجاوز الحد المعقول
وبالرغم من أن الحلفاء عرضوا عليه التسوية، وأن المفاوضات سارت شوطاً بعيداً لإزالة عقبة الحصر البحري. فإن الأطماع الدكتاتورية ثارت دفعة واحدة، فإذا المفاوضات توقف فجأة دون سبب معقول
أما الأسباب الحقيقة لدخول إيطاليا الحرب فيسهل لمسها في رد الكونت شيانو وزير خارجية إيطاليا إلى سفير فرنسا، إذ قال معناه إن إيطاليا تعلن الحرب تنفيذاً لاتفاق موسوليني وهتلر. إذن فلم يكن الحصر البحري سبب شكوى إيطاليا! ولم يكن الضغط الاقتصادي سبب تمردها على أساليب الحضارة وخروجها على أسس المدنية، بل الأطماع الشخصية الدكتاتورية هي التي جعلت هذين الفردين يلقيان بالعالم في أتون الحرب
إيطاليا لم تتغير
وإيطاليا سنة 1940 هي إيطاليا سنة 1914 لم تتغير أخلاق أهلها أو طرق معاملتهم بتغير نظم الحكم، ولم يتغير حكمهم على الحوادث بتقدمهم في مرافق المدنية. فلم يتحكم في حالتها إلا الطمع والرغبة في الاستعباد. ففي سنة 1914 كانت إيطاليا حليفة لألمانيا والنمسا، وفي سنة 1940 نراها حليفة ألمانيا التي ابتلعت النمسا. وفي سنة 1914 دخلت إيطاليا الحرب بعد تردد طال عشرة أشهر حصلت في أثنائها على معاهدة لندن فخانت من أجلها حليفتيها السابقتين وأعلنت عليهما الحرب. وفي سنة 1940 تكرر إيطاليا نفس الموقف ولكن بصورة أخرى، فتدخل الحرب بعد تردد أستمر تسعة أشهر، وتدخلها في ظروف غريبة لا لتحقق للعالم سلاماً، ولا لتضمن للناس طمأنينة، بل لتزيد في دمار العالم مستغلة الظروف الحرجة لتحاول القضاء على دولة طالما مدت لها يد المعونة، وكانت سبباً في جمع شملها وتحقيق وحدتها واستقلالها
وقد قلنا في مقالنا السابق إن إيطاليا لن تدخل الحرب إلا مكرهة، لضعفها العسكري والاقتصادي. وهانحن نستعرض أمام القارئ مقارنة بين قواتها وقوات الحلفاء في البحر الأبيض الذي يحتم أن يكون عماد القتال فيه على القوات البحرية والجوية أما القوات البرية فليس لها مجال للعمل إلا من جهة فرنسا وليبيا وفي كلا الميدانين ما يقطع بأن قوة إيطاليا البرية ستصادف عقبات كبيرة تحول دون تحقيق أغراضها
عالم عربي
فجبال الألب في فرنسا سد منيع يصعب اختراقه ويسهل الدفاع عنه. وتقع ليبيا بين مصر من الشرق وتونس من الغرب، وليس فيها قوات إيطالية كبيرة، ولذا يسهل الاستيلاء عليها إذا هوجمت من الناحيتين، ولا سيما أن عربها يحفظون لإيطاليا ذكريات أليمة عندما أعملت فيهم قنابل مدافعها ورصاص بنادقها ولها في ذلك قصص منكرة من أعمال الوحشية والهمجية، وما زالت عدة قبائل عند الحدود ساعة الانتقام. وهناك فضلاً عن ذلك صلة الرحم بين سكان ليبيا ومصر وصلة الدين وصلة اللغة، وهي صلات يحرص العربي عليها مهما كلفته من تضحيات. فما إن تبدأ المناوشات حتى تصحو هذه العوامل، فيشعر المسلم بعوامل الدين تناديه، ويحس ابن العم بصلات الدم تمنعه من إهدار دم ابن عمه، فلا تلبث ليبيا أن تخرج من الإمبراطورية الإيطالية لتنضم إلى العالم الإسلامي
هذا في ميدان البحر الأبيض، أما في ميدان شرق أفريقيا فلإيطاليا هناك ثلاث مستعمرات هي الأريتريا والحبشة والصومال الإيطالي، وتحيط بها الممتلكات البريطانية من جميع الجهات، تلك الممتلكات التي استقر فيها نظام الحكم ودانت بالولاء للإمبراطورية البريطانية، بعكس الحالة في الحبشة مثلاً، فهي قريبة العهد بالغزو، ومازال أهلها يقاتلون الإيطاليين في أكثر من بقعة واحدة، ويشنون الغارات على حامياتها كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وهاهو إمبراطور الحبشة يظهر في الميدان ليستغل الفرصة السانحة، وسيمده الحلفاء ولا شك بالعتاد الحربي الكفيل بخلاص بلاده من نير الحكم الإيطالي
الإمبراطورية الإيطالية
وبرغم اتساع رقعة الممتلكات الإيطالية فعدد سكانها قليلون، وهم على درجة كبيرة من التأخر. ويبين الجدول الآتي مساحة كل مستعمرة وعدد سكانها مضافاً إليها إيطاليا نفسها:
أسم البلد
المساحة بالميل المربع
عدد السكان
إيطاليا
119 , 744
43 , 640 , 000
ألبانيا
10 , 600
1 , 000 , 000
ليبيا
406 , 000
1 , 000 , 000
أريتريا
45 , 000
500 , 000
الحبشة
35 , 000
7 , 600 , 000
الصومال
139 , 430
650 , 000 المجموع
745 , 774
54 , 390 , 000
هذه هي الإمبراطورية الإيطالية التي لا تلبث الحرب أن تفصلها عن إيطاليا، لا سيما أن أسطول الحلفاء مرابط عند قناة السويس ليمنع وصول القوات الإيطالية بأفريقيا الشرقية الإيطالية وهذا العزل سيؤدي بلا شك إلى خضوع تلك البلاد للحلفاء بعد أن تفنى القوات الإيطالية المرابطة هناك أو تقع في الأسر
ولم تكن هذه العوامل خافية على موسوليني ومستشاريه، ولكنها تدل دلالة واضحة على سوء نيته قبل دول البحر الأبيض فسياسة المحور القضاء على فرنسا وإنجلترا ثم يتحول إلى الدول الصغيرة، فلا تقوى واحدة منها على مقاومة الاستعمار الإيطالي أو الألماني، وعندئذ تتحكم الهمجية في العالم أجمع، ويخضع العالم لانتقام الدكتاتوريين. ولكن هيهات أن يتحقق هذا الأمل، فقوات الحلفاء في فرنسا ما زالت بكامل عددها ومعداتها، ولن يؤثر فيها تقدم الزحف الألماني وتوغله في البلاد
وسواء بقيت باريس بيد الحلفاء أم سقطت في يد الألمان، فسيأتي اليوم الذي تتلقى فيه جيوش ألمانيا الضربة القاطعة، فالعبرة في الحروب ليست في الاستيلاء على المواقع والمدن، ولكن العبرة بالقضاء على الجيوش. وإذا اتخذنا من التاريخ مثلاً، فأمامنا نابليون وحروبه، فقد استولى على أوربا كلها تقريباً. وظلت انتصاراته سنوات طويلة تدوي في آذان العالم. فلما نضبت موارده وحانت الساعة الفاصلة هزم في واترلو هزيمة لم يقم له بعدها من قائمة. وكانت ختام ذلك النزاع الطويل
سواحل مكشوفة
ومن عوامل ضعف إيطاليا انكشاف سواحلها وخلوها من العقبات الطبيعية التي تمنع الاعتداء، فليست البلاد عريضة يتعذر على الطائرات اجتيازها، وليست صخرية أو صحراوية يتعذر على الجيوش عبورها، بل هي سهول ضيقة، تجد فيها القوات مؤونتها بسهولة فضلاً عن قربها من مواقع الحلفاء العسكرية، فلا تبعد روما عن مينائي طولون أو أجاكسيو سوى 200 ميل تقطعها الطائرات الحديثة في 40 دقيقة، ولهذا عجل موسوليني بنقل قيادته منها
وتيسر لإيطاليا في الحرب الماضية أن تجند 5. 500. 000 جندي. وتستطيع الآن أن تجند ثمانية ملايين جندي بفضل النظام الفاشستي. ومجال هذه الجيوش محدود كما رأينا، كما أن الجندي الإيطالي لا يمكن أن يقاس بالجندي الألماني أو الفرنسي أو الإنجليزي، خصوصاً أن معداته أقل بكثير من معدات أقرانه. فإذا أمدته ألمانيا بالعتاد والقيادة كما جاء في التلغرافات برزت عقبه أخرى وهي ضيق موارد الدولتين الدكتاتوريتين، ولا سيما أن ألمانيا وضعت في الموقعة الحالية جميع مواردها أملاً في نصر سريع
القوات الجوية
وتقدر قوات إيطاليا الجوية بخمسة آلاف طائرة أعدت على أساس هجومي وهي أقل متانة من الطائرات الفرنسية أو الإنجليزية، وتستورد 23 ? من معادن طائراتها من الخارج؛ ولم تتقدم صناعة الطائرات هناك في المدة الأخيرة، بل يقول الأخصائيون إن تقدمها بطيء لحاجتها إلى الفنيين والمعادن. وفرض الحصار عليها معناه زيادة هذه الصعوبات. فأنها تفقد ربع إنتاجها بفقد المعادن المستوردة من البلاد الأخرى. ومراكز الطيران الإيطالية موزعة في الحبشة وليبيا وألبانيا، وأنبأتنا التلغرافات أخيراً بتدمير قوات الطيران البريطانية لعدد كبير منها مما يضعف من شأنها، ويقابلها عند الحلفاء 22 ألف طائرة في ازدياد
وفي البحر
ويمتاز الأسطول البحري الإيطالي بسرعة سفنه، وهو أسطول حديث تصل سرعة بعض وحداته إلى 45 عقدة في الساعة أي أكثر من 50 ميلاً، ويقابله في الجانب الآخر زيادة عدد الوحدات البحرية للحلفاء والجدول الآتي يبين وحدات القوتين:
نوع السفن
الحلفاء
إيطاليا
سفن قتال كبيرة
25 6
مدرعات ثقيلة
22
7
حاملات طائرات
11
-
مدرعات خفيفة
69
14
مدمرات
230
82
قوارب طوربيد
12
70
غواصات
137
112
المجموع
506
291
وتعمل قيادة الحلفاء البحرية على الاشتباك مع هذا الأسطول في معركة بحرية، ولذا أسرعت ببث الألغام في مدخل بحر الأدرياتيك حتى لا تدع له المجال الالتجاء إليه، فيضطر إلى قتالها، فإذا تيسر إغراق هذا الأسطول أو الخلاص من بعض وحداته كما حدث مع الأسطول الألماني، تم للحلفاء جانب كبير من النصر؛ فبرغم صيحات هتلر وأتباعه بتفوق السلاح الجوي على السلاح البحري؛ فإن موسولسني لم يأخذ برأيه. والدليل على ذلك أنه أنزل إلى البحر في الشهر الماضي سفينتي قتال كبيرتين
وقد مني الأسطول التجاري الإيطالي في اليومين الأولين للحرب بخسائر فادحة فقضي على 40 سفينة منه، بعضها بالانتحار وبعضها الآخر بالأسر. وهذا تصرف غريب من إيطاليا، فبرغم أنها أرادت الحرب وأنها تجد الفرصة لإنقاذ هذه السفن، تركتها في أماكن خطيرة. والأغرب من هذا أن بعض السفن كان في مالطة، وهي تبعد عن صقلية بمسافة بسيطة، ومع هذا تتركها لتؤسر؛ ومن هذه التصرفات يبدو مدى حزم القيادة الإيطالية، ومدى إحكام تصرفاتها الذي ينبئ بان كوارث شديدة ستحل بقواتها
فوزي الشتوي
بكالوريوس في الصحافة