مجلة الرسالة/العدد 358/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 358/البريد الأدبي
وحي الرسالة
تفضل كاتب العربية الأستاذ الجليل عباس محمود العقاد فلخص في هذا الكتاب البليغ رأيه القيم في كتاب (وحي الرسالة). وإنا لننشره شاكرين للناقد الكبير جميل رأيه في الكتاب وصاحبه:
أخي الكاتب البليغ الزيات
وحي رسالتك أصدق ما قرأت في الكتابة العربية الحديثة من مصداق لرأي القائلين: إن الرجل هو الأسلوب
فأنت أسلوبك وأسلوبك أنت: إتقان واستحياء وسلاسة، صُوِّرت في عالم الخلق فكانت إنساناً، وُصورتْ في عالم الفكر فكانت وحي الرسالة
إتقان صيغة في غير ظهور ولا ادعاء، يوشك من يتبينه أن يلمسه ليعرف موضع الجودة فيه، كما يلمس المسّوم النسيج المتين الذي وعى المتانة سراً من أسرار منواله وخلا من الزخرف والبريق، لأن إتقان تلك الصيغة كإتقان هذا النسيج، في حقيقتها وليس على مرآها، وعلى صفحة محياها دون سواها
واستحياء يخفى مزاياه ولا يفوته شئ بأن يخفيها، لأنها أثبت من أن يحجبها الإخفاء
وسلاسة تطوع العصي وتملك الزمام في الوعر والسهل على السواء. فإن ما تصف من ألم نفساني يلهب مراق الحشا ويَبْده الضعف الإنساني بأقصى ما يطيق وفوق ما يطيق، لكالذي تصف من ألم يباشر الفكر قبل أن يباشر اللحم والدم، ويحسب من قضايا الرأي كما يحسب من قضايا الفؤاد إتقان واستحياء في المعنى لا في اللفظ وحده، وفي موضوع الكتابة لا في بنيانها وتركيبها وكفى، وعلى السيماء وفي الطوية سواء
وتلك هي الأساليب التي تضاف إلى لغة العرب فيقال معنى إنساني في كلام عربي، ولا يرتد المعنى إلى بني الإنسان حيث كانوا ثم لا يبقى منه للعربية ما تحرص عليه
وحي رسالتك في كتاب أحمد
والسلام عليك وعلى من اتبع هداه
عباس محمود العق مصر الحلوة
تحت هذا العنوان الجميل جمع الكاتب الفرنسي الكبير جان لوجول رئيس تحرير البورص إجبسيان طائفة من الفصول الفرنسية الرائعة القصيرة كان قد نشرها متفرقة في مدى عشر سنين. وهي صور صادقة للحياة المصرية في شتى مظاهرها ومناظرها وأحداثها وعاداتها، رسمها قلم فنانٌ صَنَاع وجد إلهامه في حب مصر وأهل مصر، وقصد بعرضها في هذه الألوان الجميلة أن يوثق بها التعارف والتآلف بين الصديقتين القديمتين فرنسا ومصر في هذا العهد الذي قضى فيه إلغاء الامتيازات وما سيعقبه من إلغاء المحاكم المختلطة أن يعيش المصري والأجنبي عيشة أهل الوطن الواحد لا تفرق بينهما فوارق السياسة والاجتماع.
وقارئ هذا الكتاب القيم يستطيع أن يقول على الجملة إن مسيو لوجول من الكتاب الأجانب القلائل الذين فهموا مصر وعرفوا كيف يُفهمونها من يجهلونها بأسلوب يشرق فيه الحب والصدق والإخلاص
مصر المزدهرة '
وذلك عنوان آخر جعلته الكاتبة الفرنسية الشاعرة (فلنتين دي سان بوان) حفيدة (لامرتين) لمجموعة من المقالات الممتعة قصدت بها تصوير مصر الجديدة في عهدها الفاروقي المبارك تصويراً دقيقاً يجلوها في أوضاعها المختلفة من اجتماعية واقتصادية وفكرية ودينية وأدبية وفنية. وقد آثرت أن تكل هذا التصوير لمن كان لهم يد في التجديد والإحياء من المصريين وبعض الأجانب، فاستكتبت أكثر من أربعين رجلاً من سراة الكاتبين والمفكرين ونشرت آراءهم وصورهم في هذا الكتاب الأنيق بعد أن زينت صدره بطاقة من الشعر الفرنسي الرفيع قدمتها إلى صاحبي الجلالة الملك والملكة. وهذا الكتاب كسابقه دعاية وتعريف لمصر الناهضة. وهما فوق ذلك نموذج نريد من الفن العالي في التحرير والتصوير والطبع، ودليل جديد على اعتراف الأدب الفرنسي بالجميل لوادي النيل.
حول الأزهر
أعيذ الرسالة وصاحبها أن يكونا كأصحاب صحف أخرى عرفت بأنها تنشر الخطأ في الدين ولا تنشر الصواب وتنشر الطعن ولا تنشر الرد وأعيذها مرة أخرى وقد تعرضت لنشر بحوث دينية أو علمية أن يفوتها فيما تنشر مغمز من قول أو فلتة من لسان ولا تعلق عليه كما هو شأن الصحف الراقية بعلمها الجمّ ومعرفتها القيمة، فهي غنية بمعرفتها عن اتخاذ أخصائيين لها في هذه الشئون
جاء في كلمة الأستاذ المدني حول الأزهر أن مدح أحد الشيوخ لقوله إن الشيطان إنما هو قوة الشر المنبثة في العالم وأخذ يدبج لهذا الشيخ الثناء، ويكيل له الإعجاب، وينتقد الذين انتقدوه في القول وحمل عليهم وقال كان من حق الأزهريين جميعاً أن يقابلوا هذا الرأي العجيب الذي يوافق الدين والعلم الحديث بالإعجاب إلى آخر ما قال من لون من القول كان الأولى بمن يكتب النزوع عن مثله في التحدث عن الفريقين
ومن الأسف أن الأستاذ المدني وصاحبه إن كان لا زال مصمماً على ما قال مخطئان كل الخطأ في الدين وفي العلم الحديث معاً. وما العلم الحديث ومسائل لا تعرف إلا عن الوحي؟
ذلك لأن الجن والشياطين والملائكة والجنة والنار حقائق إسلامية لا تعرف إلا من طريق الوحي، وليست مجالاً للرأي ولا للعلم الحديث في شئ، ولا هي ضارة بالعلم الحديث في شئ أيضاً، فهمها العرب الذين نزل القرآن الكريم بلسانهم مؤمنهم وكافرهم كما عناها القرآن وأرادها. وهذه أوليات مسلمة في الإسلام في قسم الغيب الذي يجب الإيمان به كما جاء وليس للبحث العلمي إليه من سبيل، ومنها الإيمان بالبعث والحشر والنشر وصورة ما تكون عليه تلك الشئون، ولا يطلب في ثبوت ذلك إلا صحة الدليل النقلي من كتاب أو سنة صحيحة. فالتحكك بخلق جدل وخلافات دينية في موضوعات دينية ليست موضع جدل، هو فضول من القول وشغل للقراء بغير ما يليق بالكاتب الأمين أن يشغلهم به
وأولى بمن يتكلم باسم الدين في الناس أني شغلهم بالنواحي العملية منه ويبعدهم عن الجدليات، لأن الدين نفسه ينهى عن الجدل والمنازعات كما ينهي عن المنكرات. وفي النواحي العملية الإسلامية ما يشغل ألف كاتب وكاتب أعماراً طويلة، لأن هداية الناس وجملهم على العمل بالدين في شئونهم اليومية والاجتماعية، وتحليهم بأخلاقه واحترامهم لمبادئه وآدابه، وخصوصاً بعد أن رأوا إله الحضارة الحديثة والمدنية الجافة قد سقط، وأنه آن الأوان لسلطان الإسلام الحق ومبادئه العادلة أن يسود وأن يقود العالم مرة أخرى مديدة إلى حياة السعادة والهناءة والأمن على النفوس، وأن ينقذهم من دبلوماسيات هذا العصر ويكبح جماح العلم الحديث فلا يستعمل إلا في خير الإنسانية، فلا بد للعلم الحديث من دين يكبح جماحه، ولا بد للدول من أن تعترف بالإله الحق الذي سخر لهم الطبيعة وأنزل لهم الشريعة وأنذرهم من آلاف السنين في كتبه المقدسة بما صدقه التاريخ وبما هو حاصل اليوم وواقع على رؤوسهم
فعلى رجال الدين الإسلامي أن يثبتوا في مراكزهم ولا يتزحزحوا عنه بالتأويل والتحوير إرضاء لعدوهم فالعاقبة لهم إن كانوا مؤمنين حقاً بدينهم. . . والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
محمد عبد السلام القباني
المدرس بكلية الشريعة
تعقيب على مآخذ
1 - ذكر الأستاذ القطان كلاماً حول لفظي تعبان وظمآن فقال إن تعبان تمنع من الصرف، لأن مؤنثه تعبانة ولا يمنع من الصرف إلا ما كان مؤنثه على وزن فعلى وكان زائد الألف والنون. نعم إن القاعدة مسلمة، ولكن هل وردت كلمة تعبان في كتب اللغة أم هي كلمة عامية والعربي غيرها. أجمع أساس البلاغة وتاج اللغة والقاموس وشرحه وأقرب الموارد واللسان والصحاح على أنه يقال: هو تعب ومتعب ولم يقولوا تعبان. إلا أن المنجد ذكر هو تعب وتعبان، ولا ندري من أي مصدر استقاها. من هذا يتبين لنا أن تعبان ساقطة من أساسها على الأصح لأنها لو كانت موجودة في اللغة لذكرها الأشموني مع الأربعة عشر لفظاً التي مؤنثها فعلانة وإذن نأخذها على الدكتور زكي مبارك غلطة لغوية. أما ظمآن فقد ورد في القاموس ظمآن وظمآنة، وفي أقرب الموارد هي ظمأى وظمآنة. أما في اللسان وتاج اللغة والصحاح فهي ظمأى، وما دامت قد وردت ظمآنة في بعض أمهات الكتب يصح قول الدكتور محمد عوض لم يزل ظمآناً.
2 - الأبيات الحائرة: يذكر الأديب علي محمد حسن أن كتب النحو والشواهد أجمعت على أن الأبيات الحائرة لمالك بن الريب، ولا أدري أين هذه الكتب التي أجمعت على أنها له؛ فإن كتب النحو والشواهد أجمعت على أنها للفرزدق. ففي حاشية الصبان على الأشموني نقلاً عن التصريح، وفي فرائد القلائد في مختصر الشواهد لمحمود العيني أنها للفرزدق. وقد ارتضى ذلك الأستاذ أحمد زكي صفوت في كتابه الكامل في النحو، والأستاذ الشيخ محمد محي الدين في شرحه على ابن عقيل. أما في شرحه على الأشموني فقد ذكر ما ذكره العيني ثم أورد رواية ياقوت في معجم البلدان. والذي يرجح أنها للفرزدق عدة أمور (1) إن ما ذكره أبن قتيبة في الشعر والشعراء، والمبرد في الكامل من أنها لمالك بن الريب خطأ محض، إذ أن مالكاً مات في زمن معاوية ولم يدرك الحجاج (2) شبه الإجماع من كتب النحو والشواهد على أنها للفرزدق (3) إن رواية أبي تمام أقوى من رواية ياقوت التي تنسبها للبرج بن خنزير، إذ أن أبا تمام توفي سنة 231هـ، فهو أقرب إلى الفرزدق المتوفى سنة 114هـ من ياقوت المتوفى سنة 626هـ. ولم نجد كتاباً آخر ينسبها للبرج غير ياقوت (4) إن البيتين الآتيين من القصيدة نفسها:
فلولا بنو مروان كان ابن يوسف ... كما كان عبداً من عبيد إياد
زمان هو العبد المقر بذله ... يراوح صبيان القرى ويغادي
بالفرزدق ألصق لما له من اعتزاز وتيه وذكر للآباء والأجداد، ولكثرة مناوشاته مع الولاة بل مع الخليفة أحياناً.
3 - الآخر والثاني: يأخذ الأستاذ م. م. إبراهيم على الأستاذ أحمد أمين قوله: قال أحدنا: جزءاً من العقد الفريد، وآخر: جزءاً من الأغاني وثالث الخ. . . ثم يقول: والمعروف في اللغة أنه لا يسوغ أن تقول آخر إلا إذا كان هو الأخير فلا تقفي بعد ذلك بأعداد أخرى الخ. . وأظن الأستاذ قد خلط بين آخر بكسر الخاء ضد أول وآخَر بفتحها بمعنى غير أو واحد. كما أحسب أنه لم يعرف أنها ربيع الآخر وجمادي الآخرة بكسر الخاء فيهما، ولو كانت بالفتح لقالوا: جمادي الآخرى مؤنث الآخر بالفتح لأن الآخرة مؤنث الآخر بالكسر. فاللغة إذن لا تمنع أن يقال جاء رجل وغيره وثالث ورابع.
عبد الستار أحمد فراج