مجلة الرسالة/العدد 353/من هنا وهناك
مجلة الرسالة/العدد 353/من هنا وهناك
لماذا تحارب ألمانيا
(عن حديث (لمستر هوربليشيا))
أمام ألمانيا النازية الآن ثلاثة أبواب: فإما أن تحاول قهرنا في البر والبحر والهواء، أو تقف أمامنا موقف المسالمة والهدوء أملاً في انصرافنا عن مهاجمتها وكبح جماحها قبل حلول الوقت الملائم، أو خداعنا بعرض بعض شروط السلام
وقد دلت التجارب الحربية الحديثة على أن مهاجمة المواقع الحربية الكاملة التحصين الوافية العدد أمر من المستحيلات. فبولندا لم يكن لها خط كخط ماجينو لتدفع عن نفسها شر البلاء الذي منيت به. ولكن الجبهة الغربية تتمتع يحصون قوية متينة تزداد كل يوم ثباتاً ورسوخاً، وكل محاولة يقوم بها العدو لمهاجمة تلك الحصون تكلفه غالياً. ولم ير قوادنا أن يستبقوا الوقت ليخاطروا بأبناء الأمة الذين يتكون منهم جيشها، بغير ضرورة ملجئة
وقد أخلفت هذه الحرب كثيراً من الظنون التي كانت تخطر بالبال، فقد كان الكثيرون توقعون المواقع العنيفة في البر والبحر والهواء , وكنا نظن أن الخطر السريع قريب من جبهة الوطن، فواصلنا الليل بالنهار في سبيل الاستعداد والتأهب للعمل وإن كنا قد رأينا الأسابيع تمر تلو الأسابيع دون أن نواجهه شيئاً من الأخطار التي نستعد لها
وعلى الرغم من الهدوء الظاهر فقد أمكننا أن نكسف عن نيات خصومنا. فمنذ رفعت ألمانيا عقيرتها بالمطالبة بإطلاق يدها في الشرق، أخذنا نتبين مطالبها العديدة التي كانت بولندا أحدها فألمانيا ترى ن دول بحر البلطيق يجب أن تكون تحت سيادتها. ولكنا رأيناها ترد عن هذه الغاية بمطامع روسيا في تلك المنطقة. وترى أن رومانيا يجب أن تحتلها ألمانيا النازية عن طريق بولندا ولكن روسيا قد وضعت سداً منيعاً بينها وبين ورمانيا من هذه الناحية. أما خط برلين - بغداد فقد وقفت تركيا عقبة في سبيله.
وتركيا أمة قوية شريفة وكذلك العراق وهي حليفة راسخة متينة
فإذا اتجهنا إلى الناحية الغربة، نجد أن الحملة البريطانية قد وصلت فرنسا سالمة آمنة بحراسة الأسطول التجاري، وستزود برجال الماليشيا والمتطوعين من كل سن تليق بالخدمة الحربية، وسوف يكون عمادنا القويم ما تخرجه مصانعنا من الأسلة والمؤ لقد أصبحت الممتلكات الحرة على استعداد للقيام بنصيبها إلى جانبنا في هذه الحرب. وقد تبوأت الكتائب الهندية مراكزها في كثير من المواقع وأبدت الهند وغيرها من أنحاء الإمبراطورية استعدادها لزيادة نصيبها في هذه الحرب. فإذا تقدمت الأيام وجد الجد فسوف ترى ألمانيا هذه الجموع الزاخرة محتشدة أمامها. ومما لا شك فيه أن الزمن سيكون إلى جانب فرنسا وبريطانيا والإمبراطورية
فإذا أراد الخصم لياذاً من هذه النكبة التي كان هو أول من أرث نارها، فهذا هو الموقف الذي يجب أن نقابله بحذر. إذ أن كل سلم يعتمد على الكلمة المرضوضة لا تقوم له قائمة على الإطلاق. ولا ضمان للسلم إلا بقيام نظام جديد بعيد عن ظلم النازيين
إن لهذه الحرب أهدافاً أسمى وأعظم من مصادمة الجيوش ومكافحة الطائرات ومغالبة الغواصات، ذلك هو الصراع بين قوة الخير وقوة الشر. فأي القوتين ستكون لها السيادة على العالم؟ أي القوتين يكون لها الغلب على عنصر الإنسان
نحن لا نحارب لإعادة الحكومة التشكوسلافية، أو رد الحكم إلى بولاندا كما قد يظن الكثيرون، فنحن لا نحارب من أجل الجبهة الجغرافية، ولكنا نحارب لإنقاذ الجبهة الإنسانية
الحرب فلسفة الألمان
(عن كتاب (الروح البروسية في ألمانيا))
ثلاثة عوامل كان لها أبغ الأثر في توجيه الفكر البروسي في القرنين الأخيرين: حب الحرب في ذات نفسها، وسوء الظن بالسياسة السليمة والصدوف عن فكرة الاتحاد الدولي بكافة أنواعه والتأثر بنظرية (كلوزويتز) القائلة بأن الحرب وسيلة من وسائل السياسة والسياسة وسيلة من وسائل الحرب؛ وثالثاً عقيدتهم بأن الحكومة - وعلى الأخص الحكومة البروسية - يجب ألا تهتم بشأن غير شئونها الخاصة، ويرجع حب الألمان للحرب إلى فجر التاريخ الألماني. فقد ذكر عن خطيب إغريقي عظيم أن الإمبراطور الروماني (جوليان) احتج ذات مرة على قبيلة (توتونية) لأعمال السلب التي تقع منها، وعاداتها الشبيهة بالعادات الحربية. فجاءه منها هذا الجواب، (إننا نجد في حياة الحروب سعادة لا تعدلها سعادة) وما زالت هذه الأمثلة تتكرر في تاريخ بروسيا منذ عهد فردريك الأكبر الذي جعل الحرب (صناعة بروسيا القومية) إلى العهود الحديثة، حتى نصل إلى هتلر، فنظرية الحرب السريعة المبهجة - وقول (مولتاك) -:
(وجدت الحرب لتنفيذ إرادة الله في العالم. ولولا الحرب لغرق الكل في بحور المادية العميقة) كلها آراء بروسية عريقة. وقد كان (تريتشك) يقول إن عظمة التاريخ تبدو في التنازع الدائم بين الأمم)
وقد كتب (فردريك) في أخريات أيامه إلى (فولتير) يقول إنه في كل عشر سنوات من حياته يرى حرباً جديدة، وسيدوم ذلك على ما يظهر بغير انقطاع. والضابط الحربي له مركز ممتاز في الدولة يرفعه على من عداه من المدنيين، ما عدا كبالر رجال الحكومة ويقول (فردريك): (إنني استقبل كل ضابط صغير في بلاطي قبل أي لورد من المنتظرين)
وقد جرت العادة في بروسي منذ زمن بعيد على أن يتقدم للدخول في سلك الجندية جميع أبناء الأرستقراطية. وتختلف نسبة عدد ضباط الجيش من أبناء الطبقة العليا والطبقة الوسطى باختلاف العهود. على أن الضابط الألماني يرتقي إلى درجة (الجنتلمان) بمجرد التحاقه بالجيش وانتسابه إليه، وإن كان من أصل وضيع، فتصير له حقوق الأرستقراطية من حملة السيف. وقد بلغ مجموع ما ألف من الكتب في ألمانيا عن الحرب في اثني عشر شهراً عام 1913 سبعمائة كتاب. وإذا كان المسيح يقول: من يحمل السيف يقتل بالسيف، فإن شباب ألمانيا اليوم يقولون: من يمت بالسيف يمت ميتة شريفة. ويقولون: إن الحرب ضرورة لتطهر حياة الأمم
الغواصة الطائرة
(عن (لاجورنال دي روبيه)
تعمل مصانع اليابان منذ عام في بناء نوع من الغواصات، سيكون له أثر كبير في الحروب، نظراً لما يمتاز به من السرعة. هذا النوع هو غواصة الجيب. فهذه الغواصة وإن كانت لا تزيد في طولها على ست أو سبع ياردات، فقد نجحت نجاحاً عظيماً في قذف الطربيد، وسرعة السير، وقوة المحاورة، لما تمتاز به عن الغواصات الكبيرة من الخفة وحسن النظام ولدى اليابان الآن عشر غواصات من هذا النوع الصغير، وهذه الغواصات العشر تستطيع أن تقضي قضاء تاماً على فرقة كاملة من أسطول كبير. ونستطيع أن نؤكد أن هذا السلاح الجديد الذي صنعته اليابان لا يتيسر للألمان بحال من الأحوال. وذلك أن عشرين في المائة من القطع الضرورية لصناعة هذه الغواصة تصنع من معدن الألمونيوم، وليس لدى ألمانيا مصدر لهذا المعدن. وقد دعي منذ بضعة أسابيع خمسة عشر من الرجال الأخصائيين وثلاثة من المراسلين لمشاهدة بعض التجارب في مرفأ صناعة السفن بياسو، فشاهدوا هذه الغواصة الصغيرة ترتفع إلى سطح الماء فتسير مسافة قصيرة، ثم ترتفع إلى السماء حيث تحلق في الجو كالطائرة المائية
وقام بإدارة هذه الغواصة المهندس الذي اخترعها وأسمه (تسنوما) فدفع بها إلى اليم فرأينا جسماً على صورة السمكة، يغطس ويختفي تحت المياه في سرعة وخفة عجيبتين. وبعد عشر دقائق ظهرت على سطح الماء، ومن ثم برزت أجنحتها واحدة فواحدة، ويبلغ طول هذه الأجنحة من 18 إلى 20 ياردة ولم تلبث أن ارتفعت إلى أجواء السماء
هذه السمكة الطائرة كما يقول دكتور (جود) مساعد (تسنوما) مخترع هذه الآلة - تستطيع أن تقطع تحت الماء من 15 إلى 20 ميلاً ولا يمسها خطر. فإذا كانت غير محملة بشيء تستطيع أن تقطع 600 ميل، فإذا كانت حمولتها خفيفة قطعت 300 ميل، ومن السهل عليها أن تجعل أربعة طوربيدات لاستخدامها تحت الماء أو في عرض السماء , ولهذه السمكة الطائرة ثلاث آلات محركة قوة كل منها 60 حصاناً وقد صنعت أجنحتها من نوع خاص من الحرير. ولا زالت هذه الغواصة في دور التجربة، ولكن مما لا شك فيه أنه سيكون لها شأن كبير في عالم الحروب فتكون في الموقعة الحربية كالبعوضة تقتل الأسد
ولما كانت صناعة هذه الآلة تحتاج إلى مقادير عظيمة من الألمونيوم فسوف لا تستطيع ألمانيا أن تستخدمها على الإطلاق في حين أن لدى بريطانيا وفرنسا ما يكفيها لاستخدام هذا السلاح