انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 337/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 337/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 12 - 1939



حرب الحصار

(عن مجلة (تروث) لندن)

الحرب الحديثة حرب مصادرات وتضييق، فالجانب الذي يتغلب على الآخر في مصادرة بضائعة هو الذي يكسب الحرب.

إن الحصار البحري فضلاً عن أنه سلاح ناجح قد قل بواسطته عدد القتلى في الحرب، فإذا أخفق في مهمته لم تكن الخسارة بالشيء الذي لا يحتمله المحاربون، وقد جعلت البحرية البريطانية من همها أن يقل عدد السفن التجارية التي تغرق في عرض البحار.

إن الحصار البحري الناجح - مع ماله من القوة - لا يحتاج في تنفيذه إلى شيء من العنف، فقد تقضي السفن الحربية مدة الحرب جميعها دون أن تسمع كلمة (ارفع البندقية وكن مستعداً) وقد بلغنا عن طريق الأسر ومصادرة السفن ضعف ما بلغه عدونا بإغراق السفن بواسطة (الغواصات)؛ فإن الأسر والمصادرة (كالانتخاب ذي الصوتين)، ولكن أصحاب العقول المخربة، والنفوس المتعطشة للدماء، يظنون أن الحرب لا تكسب بغير القتل والتدمير؛ والحروب البريطانية على النقيض من ذلك، فهي تصل بنا إلى الغاية بالمصادرة لا بالقتل، وبالاحتفاظ ببضائع العدو التي تقع في أيدي رجالنا لا بتدميرها. فالجندي المخرب حين يرسل إلى البحار لا يفكر إلا في إغراق السفن، ولكن رجل البحار يصادر بضائع العدو ليستخدمها لنفسه، وبذلك يكسب الحرب.

إن سكان البلاد الشمالية وجيوشها ومصانعها لا تستطيع جميعاً أن تحصل على شيء من خيرات البلاد الاستوائية بغير إرادتنا.

وقد تذهب مجهودات الأمة المحاربة أدراج الرياح إذا هي حرمت من بعض المواد الأساسية: كالقطن والنترات والفوسفات والمطاط وزيت النخيل وغيره من المواد الدهنية والشحوم والبن والكاكاو وأطعمة البلاد الاستوائية جميعاً. بل إن شيئاً من صادرات تلك البلاد لا يمكن أن يصل إلى أوربا بغير إرادتنا. فجميع المضايق التي تمر بها تلك الصادرات تحت إشرافنا، ويكفي إرسال قوة من الطرادات والسفن الصغيرة تحت حراسة الأسطول لحصر التجارة بين مضيق جبل طارق البالغ اتساعه ثمانية أميال، ومضيق دوفر البالغ اتساعه ثمانية عشر ميلاً، ومائتي الميل الواقعة بين سكوتلاند والنرويج، وبذلك نستطيع أن نحاصر أوربا إذا اختارت أوربا أن تكون عدواً لنا، ومن هذه المضايق نستطيع أن نسمح بمرور ما نشاء لحلفائنا وأصدقائنا المحايدين سواء أكان وراداً إليهم من المناطق الاستوائية أو الأمريكيتين أو أفريقيا أو الدنيا القديمة. . .

ونستطيع أن نصادر ما يحمل منها إلى أعدائنا ونستغله لأنفسنا.

وقد اختفت من البحار فعلاً جميع السفن التي كانت تحمل البضائع لألمانيا، ولم يحاول أحد الآن أن يفر من حصارنا ويجازف بإرسال شيء إلى ألمانيا، لأن الجميع لا يشكون في أننا سنصادر بضاعتهم في الحال.

فالحصار البحري - وهو سلاحنا في الحرب - هو أقوى الأسلحة وأكثرها اقتصاداً في المال والأرواح. . .

يوم من أيام الحرب في برلين

(عن (لاربابليك دي لبه))

سكان ألمانيا اليوم يعيشون عيشة رتيبة، ويحيون حياة لا تختلف عن حياة الجنود: فالرجل الألماني يستيقظ من الساعة السادسة والنصف صباحاً - لا لسبب - إلا أن يكون أمام موزع الألبان قبل الساعة السابعة. . . فيتاح له أن يصرف البطاقة التي يستطيع بها أن ينال المقرر له من هذا الطعام!

وفي غالب الأحيان لا يصل إلى أيدي الباعة أكثر من ثلثي اللبن المطلوب. فيندفع الأهالي إلى شرائه، ويتزاحم المشترون بالمناكب. . . فإذا كانت الساعة السابعة والربع جاء موعد توزيع المقرر من الخبز: وهو خمس أوقيات ونصف أوقية؛ وعليك أن تطلبها ثلاث مرات في اليوم الواحد، حتى لا تحرم تصيبك من هذه المادة الأساسية في الطعام.

ولا يحتاج المشتري لحمل نقود معه لشراء هذه الأشياء، فيكفي أن تكون معه البطاقة ليصرف إليه المطلوب، وتجمع هذه البطاقات في نهاية الأسبوع وتخصم قيمتها من مجموع الأجور، ولا يتبقى بعد هذه المشتريات في غالب الأحيان غير النذر القليل من باقي الأجور. ونستطيع أن نقول: إن في مقدور الرنح أن يسخر الشعب على هذه الصورة وقتاً ما، كما يسخر الأرقاء، ولا يبذل (ماركا) واحداً في الأسواق.

وكما أن جميع سكان ألمانيا المتحضرين يستيقظون كالأبطال في ساعة مبكرة من النهار، وينتظرون في صبر وجلد توزيع الأقوات، فإنهم لفي حاجة شديدة إلى الانتظار لتوزيع البترول والفحم اللذين يوزعان بمقادير دقيقة.

فالألمان والحالة هذه لا يستطيعون أن يقوموا بتحضير طعام الإفطار قبل الساعة الثامنة، وفي هذا الوقت يستمعون إلى الإذاعة إذ أن التيار الكهربائي ينقطع بعد هذا الميعاد.

وقد وضع الفوهرر هذا النظام ليكون متفقاً مع النظام الذي وضعه للعمل. فقد لا تجد بعد الساعة الثامنة نازياً واحداً خارج العمل: إما داخل المصنع أو في الإدارة حيث يجب أن يكون خاضعاً لمثل هذه التعاليم، ويتسلم مثل هذه البطاقات شأن ثمانين مليوناً من الوطنيين. وفي الساعة العاشرة تماما يجب أن يقف على قدميه سواء أكان في المصنع أو المصلحة ليستمع إلى حديث الدعاية الرسمي ثم يعود فيعكف على عمله صامتاً حتى منتصف النهار، إذ يتناول بطاقته ويتبوأ مكاناً في المطعم، وعليه أن يقضي نصف ساعة في هذه الوجهة، ثم يعود إلى عمله.

ويظل في هذا العمل إلى الساعة الثامنة مساء. فإذا ما عاد إلى منزله، فعليه أن يسارع إلى استحضار الغذاء المقرر له، وعليه ألا يهمل حمل بطاقته. فإذا جاءت الساعة التاسعة وجب عليه ن يصغي مجبراً إلى الإذاعة ثانية، وقد لا يستطيع الخروج إلى نزهة خلوية، أو الذهاب إلى دور السينما لتتبع الأفلام الحديثة إذا فقد البترول وانقطعت السيارات لعامة. أما السهرات المنزلية المعروفة، فقد صدرت الأوامر بمنعها بتاتاً.

وهكذا ينقضي اليوم في ذلك البلد المسكين!