انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 33/العالم المسرحي والسينمائي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 33/العالم المسرحي والسينمائي

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 02 - 1934



(فلم عيون ساحرة)

لناقد (الرسالة) الفني

عرض في الاسبوع الماضي فلم (عيون ساحرة) للسيدة آسيا في دار سينما فؤاد، وبرغم الدعاية الواسعة النطاق التي استمرت أشهراً طويلة قبل عرض الفلم، والضجة التي قامت أخيراً بسبب تعنت قلم المراقبة من أصحاب الفلم، وعدم اجازة بعض مراقفه والسماح بعرضها، على رغم كل هذا لم يلق الفلم من اقبال الجمهور ما ينبئ عن نجاح كبير، وهو ما يؤسف له حقاً أشد الأسف، فان صناعة الافلام المصرية في أشد الحاجة الى التشجيع والمؤازرة ليشتد ساعدها وتمضي في طريقها بخطى ثابتة نحو الرقيي والكمال.

يمتاز هذا الفلم من سابقيه بانه نحا في فكرته وفي اخراجه منحى جديداً لم نألفه بعد في أفلامنا المصرية التي كانت في الأغلب تدور فكرتها حول مواضيع مصرية بعضها عادي لا غناء فيه، وبعضها فيه من المحاولة والجهد ما يدل على رغبة صادقة وفي التجديد والابتكار، وان قعدت الوسائل المحدودة والجهود الشخصية التي لا تقوم على أساس صادق في العلم أو التجربة بأصحاب هذه الافلام عن تحقيق ما يطمعون فيه من التقدم والتجديد.

فكرة الفلم معقدة بعض التعقيد، أو قل أنها كانت من العمق بحيث أصبح من العسير على الجمهور ان يلمسها أو يفهمها للوهلة الاولى، والى هذاعزو انصراف الجمهور عن الاقبال عى مشاهدة هذا الفلم. والواقع ان الفلم لا تنقصه عوامل الاغراء التي تدفع الجمهور عن حضوره فمن مناظر جميلة خلابة، وجو يكنفه غير قليل من الرهبة والغموض، وحيل سينمائية لم يألفها جمهورنا في الافلام المصرية، الى غير ذلك من دواعي الاقبال. ومع هذه كله فالواقع ان الفلم لم يصادف نجاحاً كبيراً. وأرجح ان السبب الاول في هذا هو عدم تفهم الجمهور لفكرة الفلم وعدم تتبعه لها في مشاهده المختلفة.

على ان اصحاب الفلم، على ما أظن، قدروا ان نفس هذه العوامل مع الغموض الذي يسود الفلم والفكرة الغريبة التي يعرضها، هي التي ستدفع الجمهور الى التزاحم على مشاهدته؛ فكانوا في تقديرهم مخطئين. وأمثال هذه كثيير مألوف في عالم السينما في اروبا وامريكا على السواء، وكم من افلام أنفق عليها آلاف الجنيهات واشترك فيها أقطاب ممثلين ومخرجين، وقدر لها النجاح، ثم لم تصادف اقبالا من الجماهير فتكبد أصحابها خسائر جسيمة. ولكن ما كان اغنانا نحن في مصر، وما زلنا في خطانا الاولى في هذا الميدان المترامي الاطراف الوعر المسالك، عن ان نجازف منثل هذه المجازفات الخطرة ولما تنضب بعد بين أيدينا المواضيع التي يصح ان نستمد منها مادة لأفلامنا المصرية.

على أن المخرج لم يفلح في خلق الجو الغامض المخيف الذي يسود مثل هذه الافلام، ولذلك كانت مشاهد الفلم - وليست لها تلك الروعة التي تناسب الفكرة - تقابل من الجمهور بكثير من عدم الاكتراث والمبالاة. على أن المحاولة في ذاتها محاولة جريئة مبتكرة - من ناحية الفلم المصري على الاقل - وقد أراد المخرج أن يسير فيها على نمط بعض الافلام الغربية التي من هذا النوع كفلم (فرنكشتين) ولكن لم تسعفه تجاربه وخبرته من الناحية المعنوية، ولا ما تحت يديه من عدد وآلات من الناحية المادية. على أننا نرجو الا تثبط هذه التجربة - وما كانت لها من نتائج تدعو حقا الى اشد الاسف - عزائم السيدة آسيا وتثنيها عن متابعة جهودها، ولعل فلمها القادم يكون أحسن حظاً وأكثر نجاحاً ورواجاً.

ذكرنا أن بالفلم مشاهد رائعة الجمال من تلك الحدائق الغناء والقصور الانيقة والرياش الفاخر مما يعطي لمشاهدي الفلم في الخارج فكرة طيبة عن هذه البلاد، وعن مفاتنها ومغانيها، وينفع في الدعاية لمصر نفعاً لا شك فيه. وقد تقف مميزات الفلم عند هذه الحد فأننا اذا شئنا أن نتحدث عن بعض نواحيه الفنية وجدنا فيها نقصاً كبيراً لعله واضح ملموس حتى لا يخطئه أقل الناس خبرة بمثل هذه الشئون. فالصوت لم يكن حسن الالتقاط ولا دقيقة، والجمل مقطعة تقطيعاً غريباً حتى لتمر الثواني بين الكلمة والكلمة في الجملة الواحدة، وربما اقتضى الموقف ان يلفظها الممثل في تدفق وحرارة، فهذا التقطيع يفسد وقعها ويضيع علىالمشاهد الأثر الذي كان يجب أن تخلفه في نفسه. وصوت الآلات الموسيقية كان أشبه برنين الاواني النحاسية منه بوقع المثاني والمثالث كما يقولون احياناً. . . وكانت (خشخشة) الصوت وما فيه من عيوب واضحة تذكرني بتك الآلة المعلونة (الراديو) التي تزعجني في المنزل اي ازعاج، وقد عدت اليوم شديد الاعجاب بها والرضاء عنها.

كذلك كانت الاضاءة، إلا في بعض المشاهدة الخارجية التي تغني فيها أشعة الشمس الساطعة عن الآلات التي قد لا تستخدم على الوجه الأكمل.

وللمرة الأولى - على ما أذكر - تغني السيدة آسيا، ولست ممن ينصح لها بالغناء، على الأقل حتى تجد الآلات اللاقطة التي لا تشوه الصوت وتجعله بحيث يصادف وقعاً حسناً في الأذن، وارتياحاً في نفس المتفرج. وعلى كل حال فما أظن ان أفلام السيدة آسيا - مهما أكثرت فيها من المشاهد الغنائية - ستعد في يوم من الأيام من الأفلام الموسيقية، فالخير لها أن تقتصد في هذا أو تعدل عنه بالمرة.

بذل ممثلو الفلم جهداً كبيراً في أداء أدوارهم على أحسن وجه ممكن، على أن الحظ خانهم في كثير من المشاهد، ولم يصادفوا التوفيق الذي كانوا أهلا له، ونلاحظ على أحمد افندي جلال أنه كان كثير التقيد في حركاته، كثير الاضطراب فيها، حتى في المشاهد العادية التي تخرج عن دائرة السحر ووقوعه تحت تأثير دليله. ولو ترك نفسه على سجيتها، وكان في دوره أكثر بساطة وأقل تكلفا لكان خيراً مما رأيناه.

بقى أن نقول ان الحوار في الفلم لم يكتب بشييء من العناية، والنقص فيه واضح جداً. كما أن تقطيع الفلم لم يخل من الارتباك والاضطراب، وما نجد غناء فيي تفصيل كل هذا.

وفي النهاية أظن من االخير ومن التشجيع للسيدة آسيا على مداومة الجهد والعمل، أن نشكر لها ما بذلت وما حاولت، وان نرجو لها في الأفلام القادمة ما تصبو اليه من النجاح والتوفيق. فان أخطأها الحظ اليوم، فما نظنه يخطئها في المرات المقبلة.