انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 328/بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 328/بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 10 - 1939



للأستاذ أبي خلدون ساطع الحصري بك

قرأت وسمعت - إلى الآن - آراء وملاحظات كثيرة حول المفاضلة بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية، وأخذت أتلقى - منذ مدة - أسئلة متنوعة عول هذه القضية منها:

لماذا تهتم بالوحدة العربية وتهمل الوحدة الإسلامية؟

ألا ترى أن هدف الوحدة الإسلامية أسمى من هدف الوحدة العربية؟

وأن القوة التي تحصل من اتحاد المسلمين تكون أعظم من التي تحصل من اتحاد العرب؟

ألا تسلم بأن الشعور الديني في الشرق أقوى بكثير من الشعور القومي؟ فلماذا تريدنا أن نهمل استغلال ذلك الشعور القوي، ونصرف قوانا في سبيل تقوية هذا الشعور الضعيف؟

هل تعتقد أن اختلاف اللغات يحول دون اتحاد المسلمين؟

ألا تلاحظ أن (مبادئ الشيوعية والاشتراكية والماسونية وغيرها تجمع بين أناس اختلفت لغاتهم وأجناسهم وبلادهم وأقاليمهم ولم يمنعهم هذا الاختلاف كله من أن يتفاهموا أو يتقاربوا ويجتمعوا على خطة واحدة ومبدأ واحد؟) ألا تعرف أن كل مسلم في سورية أو مصر أو العراق يعتقد أن المسلم الهندي أو الياباني أو الأوربي أخ له كأخيه المسلم الذي يعيش معه جنباً إلى جنب؟ ففيم استحالة تحقيق الوحدة الإسلامية؟

يقول البعض: (إن الوحدة الإسلامية أقوى من كل وحدة سواها، وإن تحقيقها أسهل من تحقيق أية وحدة أخرى) فما رأيك في هذا القول؟

ويدعي البعض (أن فكرة الوحدة العربية دسيسة إنكليزية يقصد من ورائها الحيلولة دون توسع فكرة الوحدة الإسلامية، وذلك لفصل الهند عن سائر أقطار العالم الإسلامي لتسهيل إدامة السيطرة عليها) فماذا تقول في هذا الادعاء؟

لقد سمعت وقرأت - ولا أزال أسمع وأقرأ - أسئلة كثيرة من هذا القبيل خلال محادثات شفهية، وفي رسائل خصوصية، أو في كتب مفتوحة

فرأيت أن أخصص هذا المقال لمعالجة المسائل المبحوث عنها معالجة وافية، لأشرح رأيي فيها بصراحة كافية

1 - أعتقد أن القضايا الأساسية التي يجب درسها وحلها عند التفكير في (المفاض الوحدة الإسلامية والوحدة العربية) تتلخص فيما يلي:

هل (الوحدة الإسلامية) من الآمال المعقولة التي يمكن تحقيقها أم هي من الأحلام الطوباوية التي لا إمكان لتحقيقها؟

وعلى فرض الشق الأول: هل تحقيقها أسهل أم أصعب من تحقيق الوحدة العربية؟

وهل يوجد شيء من المنافاة بين هاتين الوحدتين

وهل من سبيل إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، دون تحقيق الوحدة العربية؟

عندما نقدم على إعمال الذهن وإنعام النظر في مثل هذه المسائل يجب علينا - قبل كل شيء - أن نحدد ما نعنيه من الوحدة الإسلامية والوحدة العربية بوضوح تام، ونعين مدى شمول كل واحد من هذين التعبيرين بصراحة كاملة

من الأمور التي لا تحتاج إلى شرح أن الوحدة العربية ترمي إلى إيجاد وحدة سياسية من الأقطار العربية المختلفة التي يتكلم أهلوها باللغة العربية. وأما الوحدة الإسلامية فترمي - بطبيعة الحال - إلى إيجاد وحدة سياسية من البلاد الإسلامية المختلفة التي يدين أهلوها بالديانة الإسلامية بالرغم من لغاتهم وأجناسهم. . .

ومن المعلوم أن العالم الإسلامي يشمل الأقطار العربية وتركية وإيران، والأفغان وتركستان، مع قسم من الهند وجزر الهند الشرقية وبلاد القفقاس، وأفريقيا الشمالية مع قسم في أفريقية الوسطى. . بقطع النظر عن بعض الكتل المتفرقة في أوربا وآسيا في ألبانيا ويوغسلافيا وبولندة والصين واليابان

ولا حاجة لبيان أن الأقطار العربية تشغل القسم المركزي من هذا العالم الفسيح

إن كل من يضع هذه الحقائق الراهنة نصب عينيه، ويتصور خريطة العالم الإسلامي، ويلاحظ موقع العالم العربي منها، يضطر إلى التسليم بأن الوحدة العربية أسهل بكثير من الوحدة الإسلامية وبأن هذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق على فرض إمكان تحققها إلا بالوحدة العربية

إذ لا يمكن لأي عقل كان أن يتصور حصول اتحاد بين القاهرة وبغداد وأنقرة وطهران وكابل وحيدر أباد ونجارا وكشغر وفارس وتمبكتو. . . دون أن يحصل اتحاد بين القاهرة وبغداد ودمشق ومكة وتونس. لا يمكن لأي عاقل كان أن يقول بإمكان اتحاد الترك والعرب والفرس والملايو والزنوج دون اتحاد العرب أنفسهم

لو كان العالم العربي أوسع وأشمل من العالم الإسلامي - بعكس ما هو واقع الآن - لأمكننا أن نتصور وحدة إسلامية دون وحدة عربية، ولجاز أن يقال إن تحقيق الوحدة الإسلامية أسهل من تحقيق الوحدة العربية. غير أنه لما كان الأمر بعكس ذلك تماماً فإنه لا مجال لمثل هذه الأقوال والتصورات في المنطق بوجه من الوجوه

إن هذه الحقيقة يجب أن لا تغرب عن بالنا عندما نفكر ونتكلم في أمر الوحدة الإسلامية والوحدة العربية

إن فكرة الوحدة الإسلامية أوسع وأشمل من مفهوم الوحدة العربية، ففي الإمكان أن نقول بالوحدة العربية دون أن نقول بالوحدة الإسلامية؛ وليس من الممكن أن نقول بالوحدة الإسلامية دون أن نقول بالوحدة العربية

ولهذا السبب يحق لنا أن ندعي أن كل من يعارض الوحدة العربية يكون عارض الوحدة الإسلامية أيضاً، وأما من عارض الوحدة العربية باسم الوحدة الإسلامية، أو بحجة الوحدة الإسلامية، فيكون قد خالف أبسط مقتضيات العقل والمنطق مخالفة صريحة

2 - بعد تثبيت هذه الحقيقة - التي لا يجوز منطقياً الاختلاف فيها - يجدر بنا أن نلتفت إلى حقيقة ثانية لا تقل أهمية عنها

يجب علينا أن لا ننسى أن المقصود من كلمة الوحدة في هذا المقام هو الوحدة السياسية، كما يجب علينا أن نلاحظ على الدوام أن مفهوم (الوحدة الإسلامية) يختلف عن مفهوم (الأخوة الإسلامية) اختلافاً كبيراً

فإن الاتحاد شيء والتعاطف شيء آخر، والاتحاد السياسي شيء والاتفاق على مبدأ من المبادئ أو على مجموعة من المبادئ شيء آخر

فالدعوة إلى الوحدة الإسلامية تختلف بهذا الاعتبار عن الدعوة إلى إصلاح أحوال الإسلام كما تختلف عن الدعوة إلى زيادة التفاهم والتقارب والتضامن بين المسلمين

ولذلك نستطيع أن نقول: إن من يتكلم عن مبدأ الأخوة الإسلامية، ومن يبحث عن فوائد التفاهم بين المسلمين، لا يكون قد برهن على إمكان تحقيق الوحدة الإسلامية

وبعكس ذلك، من لا يسلم بإمكان تحقيق الوحدة الإسلامية لا يكون قد أنكر مبدأ الأخوة الإسلامية، ولا عارض مساعي النهوض والتفاهم بين المسلمين

فكل ما يقال عن مبدأ الأخوة الإسلامية لا يكون دليلاً كافياً على إمكان تحقيق الوحدة الإسلامية

وأما الاستشهاد على إمكان الوحدة الإسلامية بالماسونية أو الاشتراكية أو الشيوعية فليس موافقاً للعقل والمنطق بوجه من الوجوه، لأن الماسون لم يؤلفوا وحدة سياسية، والأحزاب الاشتراكية في الممالك الأوربية المختلفة لم تتحد لتكوين دولة واحدة؛ حتى الشيوعية نفسها لم تكون دولة جديدة، بل قامت مقام الدولة الروسية القيصرية

فيجب علينا أن نميز بين مسألة الأخوة الإسلامية ومسألة الوحدة الإسلامية تمييزاً صريحاً، وأن نفكر في إمكان أو عدم إمكان تحقيق الوحدة الإسلامية - بمعناها السياسي - تفكيراً مباشراً

3 - إذا ألقينا نظرة عامة على التاريخ، واستعرضنا تأثيرات الأديان في تكوين الوحدات السياسية، نجد أن الأديان العالمية لم تتمكن من توحيد الشعوب التي تتكلم بلغات مختلفة إلا في القرون الوسطى، وذلك في ساعات محدودة ولمدة قصيرة من الزمن

فإن الوحدة السياسية التي حاولت تكوينها الكنيسة المسيحية لم تستطع أن تجمع العالم الأرثوذكسي بالعالم الكاثوليكي في وقت من الأوقات. . كما أن الوحدة السياسية التي سعت لتكوينها البابوية في العالم الكاثوليكي نفسه لم تعمر مدة طويلة

وكذلك كان الأمر في العالم الإسلامي، فإن الوحدة السياسية التي وجدت في صدر الإسلام لم تقو على تقلبات الأيام مدة طويلة، والخلافة (العباسية) نفسها لم تستطع أن تجمع كل المسلمين تحت رايتها السياسية، حتى عند بلوغها أوج قوتها وقمة عظمتها؛ كما أن البلاد التي كانت تخضع لسلطان هذه الخلافة نفسها لم تحافظ على وحدتها السياسية بصورة فعلية مدة طويلة، ولم يمض وقت طويل على تأسيس الخلافة المذكورة حتى أصبحت سلطتها على الأقطار معنوية أكثر منها مادية، فلم تقو على الحياة دون انفراط عقد الأقطار المذكورة، وتحولها إلى وحدات سياسية عديدة مستقل بعضها عن بعض بصورة فعلية

ومما يجدر بالانتباه في هذا الصدد أن انتشار الدين الإسلامي في بعض الأقطار تم بعد أن فقدت الخلافة الإسلامية وحدتها الفعلية وقوتها الحقيقية، حتى أن هذا الانتشار جرى في بعض الأقطار بصورة مستقلة عن تأثير السلطات السياسية، وذلك على أيدي دعاة من التجار والشيوخ والدراويش، فالعالم الإسلامي بحدوده الواسعة الحالية، لم يكون وحدة سياسية، في وقت من الأوقات

فالوحدة السياسية التي لم تحقق في القرون الماضية - في عهود بساطة الحياة الاجتماعية وسذاجة العلائق السياسية، وفي أدوار سيطرة التقاليد الدينية على كل ناحية من نواحي الأعمال والأفكار ليس من الممكن أن تحقق في هذا القرن بعد أن تعقدت الحياة الاجتماعية وأعضلت المشاكل السياسية وخرجت العلوم والصناعات عن سيطرة التقاليد والمعتقدات

4 - إنني أعرف أن ما قررته هنا لا يروق الكثيرين من علماء الإسلام. أعرف أن الدلائل التاريخية التي ذكرتها آنفاً لا تستطيع أن تؤثر على معتقد الكثيرين من رجال الدين. وذلك لأنهم قد تعودوا التكلم في هذه المسائل دون تذكر الحقائق التاريخية وملاحظة الخرائط الجغرافية، كما أنهم لم يألفوا التمييز بين مدلول (الأخوة الدينية) ومدلول (الرابطة السياسية) بل إنهم نشأوا على المزج بين مبدأ الأخوة الإسلامية بمعناها الأخلاقي، وبين فكرة الوحدة الإسلامية بمعناها السياسي

أنا لا أرى حاجة للسعي وراء إقناع هؤلاء بخطأ اعتقادهم في هذا الأمر، غير أني أرى من الضروري أن أطلب إليهم ألا ينسوا مقتضيات العقل والمنطق في هذا السبيل. لهم أن يحافظوا على اعتقادهم في إمكان تحقيق الوحدة الإسلامية، ولو في مستقبل بعيد، غير أنهم عليهم كذلك أن يسلموا في الوقت نفسه بضرورة السعي إلى الوحدة العربية على الأقل، كمرحلة من مراحل تحقيق الوحدة الإسلامية التي يعتقدون بها. عليهم - في كل حال - ألا يعارضوا المساعي التي تبذل في سبيل تحقيق الوحدة العربية، بحجة خدمة الوحدة الإسلامية التي يدعون إليها

فإني أكرر هنا ما كتبته آنفاً (أن من يعارض الوحدة العربية بحجة الوحدة الإسلامية يكون قد خالف أبسط مقتضيات العقل والمنطق مخالفة صريحة) وأقول بلا تردد إن مخالفة المنطق إلى هذا الحد، لا يمكن أن تتأتى إلا من الخداع أو الانخداع:

خداع بعض الشعوبيين الذين لا يرتاحون إلى نهوض الأمة العربية فيسعون إلى تهييج الشعور الديني ضد فكرة الوحدة العربية وانخداع بعض السذج الذين يميلون إلى تصديق كل ما يقال لهم مقروناً باسم الدين دون أن ينتبهوا إلى ما قد يكون وراء هذه الأقوال من المقاصد الخفية

فأرى من واجبي أن أوجه أنظار جميع المسلمين العرب إلى هذا الأمر الهام، واطلب إليهم ألا ينخدعوا بتدليس الشعوبيين في هذا الباب

5 - لعل أغرب وأخدع الآراء التي أبديت حول قضية الوحدة العربية والوحدة الإسلامية هو الرأي القائل بأن فكرة الوحدة العربية من المصنوعات الإنكليزية التي خلقت لمحاربة (الوحدة الإسلامية) وذلك لفصل الهند عن سائر الأقطار الإسلامية، تسهيلاً لدوام السيطرة عليها

أنا لا أستطيع أن أتصور رأياً اكثر بعداً من حقائق التاريخ والسياسة وأشد مخالفة لأحكام العقل والمنطق من هذا الادعاء الغريب

فإن التفاصيل التي ذكرتها آنفاً عن علاقة الوحدة الإسلامية بالوحدة العربية تكفي لإظهار خطر هذه المدعيات من حيث الأساس

مع هذا أرى أن أضيف إلى تلك التفاصيل بعض الملاحظات لزيادة البرهنة والإيضاح

إن كل من ينعم النظر في مكاتبات الملك حسين للإنكليز، وكل من يلاحظ اتجاهات السياسة البريطانية في عدن والعقبة وفي فلسطين وفي جزيرة العرب، يفهم بداهة أن القول بأن الإنكليز يشجعون فكرة الوحدة العربية تشجيعاً حقيقياً يكون افتئاتاً على الواقع صريحاً

لا ينكر أن الإنكليز سايروا الحركة العربية وصانعوها أكثر من سائر الدول، وما ذلك إلا لأنهم أكثر مرونة في السياسة وأسرع فهماً لنفسيات الأمم وحقائق الاجتماع. . .

إنهم عرفوا القوة الكامنة في الفكرة العربية قبل غيرهم، فرأوا أن يسايروها بعض المسايرة ويصانعوها بعض المصانعة - عوضاً عن محاربتها مباشرة - ليدفعوا ضررها عنهم ويجعلوها أكثر ملاءمة لمصالحهم.

وأما قضية (حكم الهند) فيجب أولاً ألا يغرب عن البال أنها ليست مسألة إسلامية بحتة - فأن المسلمين في الهند لا يؤلفون أكثرية السكان، كما أن في الخلاف القائم بين المسلمين والهندوس مجالاً واسعاً لتسهيل سيطرة الإنكليز على تلك البلاد. ومما لا شك فيه أن حكم الإنكليز لا يتم في الهند نفسها، بل يتطلب السيطرة على طرق المواصلات الجوية والبحرية التي تربطها ببريطانيا أيضاً؛ ومن المعلوم أن قنال السويس وبحيرة الحبانية وثكنات مصر ومطارات العراق، من جملة وسائل هذه السيطرة، فهل يعقل أن يخشى الإنكليز - بالرغم من مرونتهم السياسية - من قيام دولة إسلامية كبيرة تستطيع أن تستولي على الهند، أكثر مما يخشون من قيام دولة عربية قوية تستطيع أن تسد طرق المواصلات المذكورة؟

يجب أن نعرف جيداً أن السياسة الإنكليزية سياسة عملية تتكيف مع الظروف وتنتهز الفرص على الدوام. ويجب ألا ننسى أن بريطانيا العظمى هي التي أنقذت الدولة العثمانية صاحبة الخلافة الإسلامية من استيلاء الروس عدة مرات. وهي التي كانت أوقفت الجيوش المصرية في قلب الأناضول، لتخليص مقر الخلافة الإسلامية من استيلاء تلك الجيوش الظافرة. وهي التي حالت دون اتحاد مصر مع سورية في عهد محمد علي الكبير

فكل من يتهم فكرة الوحدة العربية بكونها دسيسة إنكليزية يكون قد قام بخدعة ما وراءها خدعة، ووقع في انخداع ما بعده انخداع

يجب أن نعلم حق العلم أن فكرة الوحدة العربية فكرة طبيعية لم يوجدها موجد. إنها نتيجة طبيعية لوجود الأمة العربية نفسها. هي قوة اجتماعية تستمد نشاطها من حياة اللغة العربية وتاريخ الأمة العربية واتصال البلاد العربية. فلا يستطيع أحد أن يدعي - بصورة منطقية - أن الإنكليز هم الذين خلقوا فكرة الوحدة العربية إلا إذا استطاع أن يبرهن على أن الإنكليز هم الذين خلقوا اللغة العربية، أو أوجدوا تاريخ الأمة العربية، وكونوا جغرافية البلاد العربية

إن فكرة الوحدة العربية من التيارات الطبيعية التي تنبع من أغوار الطبيعة الاجتماعية لا من الآراء الاصطناعية التي يستطيع أن يبتدعها الأفراد أو تستطيع أن تخلقها الدول. . .

إنها ظلت كامنة - شأن الكثير من القوى الطبيعية والاجتماعية - منذ عدة قرون لأسباب وعوامل تاريخية كثيرة لا مجال لشرحها هنا؛ غير أن كل شيء يدل على أن دور كمونها قد انتهى، وأن تيارها أخذ يظهر للعيان وصار يتدفق شيئاً فشيئاً. ولاشك في أن تيار هذه الفكرة سيزداد تدفقاً من جميع النفوس العربية بسرعة متزايدة تزايداً هائلاً. وسوف لا يلبث أن يغمر جميع البلاد العربية ويعيدها إلى مجدها السالف ونضرتها الأولى، بل إلى ما هو أخصب وأقوى وأسمى منها

هذا يجب أن يكون إيمان كل مستنير من الناطقين بالضاد.

(برمانا)

أبو خلدون