مجلة الرسالة/العدد 326/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 326/الكتب
التربية النظامية
لصاحب العزة القائمقام علي حلمي بك
مدير شرطة مديرية البحيرة
بقلم الأستاذ عبد المنعم خلاف
تفضل سعادة المؤلف بإهداء هذا الكتاب القيم إليّ؛ وهو الكتاب الأول من نوعه باللغة العربية فيما أعلم، عولجت فيه أوضاع الحياة الشخصية والاجتماعية بوضوح وتفصيل وضبط وبيان رصين على الأسلوب المتكافئ
وقبل أن أتحدث عن الكتاب يسرني أن أتحدث قليلاً عن مؤلفه: فهو مثال للرجل العسكري الكامل الذي يعلن بشخصيته وخلقه عن الفضائل العسكرية التي تقوم لنا قائمة ما لم يعد إلينا الاعتزاز بها والعمل على إحيائها في نفوس الشباب بالقدوة والتعليم. فإنها فضائل تملأ الحس والنفس لأنها في الجسم والفكر والروح
وقد تقلب سعادته في كثير من المناصب في الجيش والشرطة منذ سنة 1911 إلى الآن، وكان معنيا دائماً بدرس شئون الحياة النظامية التي تستلزمها مهنته في القرى والمدن والبيت والشارع. وقد رحل إلى كثير من ممالك الشرق والغرب، فسافر إلى فرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغوسلافيا وتركيا واليونان والحجاز وسوريا ولبنان وفلسطين.
قال في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه: (وقد عنيت في أثناء هذه الرحلات بالبحث عن كل ما يتصل بالتربية النظامية وأنظمة البوليس والإدارة والنظم القضائية والاجتماعية وكل ما يتصل بالأمن وشئونه وكذا السجون والإصلاحيات ومصير المفرج عنهم والبلديات والمجالس المحلية
(وفي الدول التي زرتها بحثت أيضاً في الوسائل التي تتبعها حكوماتها وطوائفها لغرس روح النظام في أبنائها وإذكاء الروح الحربية والقومية فيهم، وما تقوم به الهيآت لترقية الحياة الاجتماعية وخاصة عامة الشع (كذلك حضرت المؤتمر الرياضي العسكري السنوي بمدينة (نورنبرج) بصفتي الشخصية بدعوة من المدير العام للبوليس الألماني مدة أسبوع في صيف 1937. . . وقد شاهدت ودرست معهم أنظمة المعسكرات والتشكيلات الرياضية والعسكرية لملايين الشباب والشابات. . .)
وكان يوالي الجمهور عقب عودته من كل رحلة بمحاضرات يلقيها في الأندية والمعاهد وقاعات الجمعيات المختلفة وفي محطة الإذاعة اللاسلكية. فهو من المؤمنين بنقل الجماهير من حياة الفوضى إلى حياة النظام عن طريق التمهيد بالدعوة والإرشاد والإذاعة قبل النقل بالقوانين. وهو الآن مستشار عتيد في الجيش (المرابط) الجديد، وقائم خبير من القائمين على تنظيمه. ونرجو الله أن ينفع به دائماً
أما الكتاب فلم يترك ناحية من النواحي التي فيها فوضى أو نقص أو قصور في حياتنا المصرية إلا عالجها واقترح لها وأرشد إلى خير الطرق لتنظيمها أو تكميلها مسترشداً بما في الممالك الغربية. فهو كتاب في (فن) الحياة و (إخراجها) في البيت والشارع والمدرسة والملعب والقرية والمدينة على خير أساليبها وأنماطها
تحدث عن النظام ونهضات الأمم، وتنظيم الاستعداد في السلم والحرب، ووسائل مكافحة الغارت الجوية وحماية الآهلين منها، والقرية المصرية والإصلاح الاجتماعي، وسلامة الدولة، والبوليس والجمهور، ومقاومة الجرائم، وبعض النظم الأوربية الملائمة لعاداتنا وتقاليدنا، والتربية البدنية، والتدريب العسكري، ومفاخر الجيش المصري، والروح القومية. ذلك عرض لأمهات مسائل الكتاب يضاف إليها مسائل عدة يطول بنا الحديث إذا ذكرنا عنواناتها
وهو يقع في 355 صفحة محلى بكثير من الصور الفوتوغرافية. ولو أن مثل هذا الكتاب وزع على طلاب المدارس الثانوية والمعاهد الدينية للمطالعة لكان أفضل بكثير من الكتب التي تتحدث في موضوعات لا تتصل بصميم التربية والسلوك في الحياة، وإنما تتحدث بمقالات كلها (ترف) أدبي أو علمي يحشو الأذهان بالحروف والأرقام وألوان التعبير الجميل والرشاقة البيانية. أما هيكل الحياة الفردية والاجتماعية وأساسها فذلك أمر لا ينظر إليه إلا عرضاً لقد آن لوزارة المعارف أن تبني النفس المصرية من جديد وأن تجعل همها الأول التربية والإشراف على الناشئين في البيت والشارع والمائدة وطريقة الحديث والمرور والملعب والمجتمعات والملاهي والأفراح والمآتم، وأن تجعل وكدها في أن يخرج الطالب من المرحلة الثانوية وهو راشد التصرف مهذب السلوك قبل أن يكون عالماً علم الأولين والآخرين
نريد أن تبيد وزارة المعارف بكل طالب من طلابها خمائر الفوضى والخرافات الشائعة في بيوتهم، ولن تتمكن من ذلك إلا إذا استولت على أفئدتهم وملأنها بحب الانتصار لحياة النظام والتنسيق وأفهمتهم أنه من الواجب عليهم أن يجندوا أنفسهم دائماً لحرب الفوضى في بيوتهم ومجتمعاتهم وألا يخضعوا أمام جهل آبائهم وأمهاتهم. والكتب الموضوعة في هذا أولاً والتدريب الطويل ثانياً هما الوسيلة إلى ذلك
(الإسكندرية)
عبد المنعم خلاف