انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 323/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 323/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 09 - 1939



جواب عن أسئلة الأستاذ الطنطاوي

جاءنا من علامة حضرموت ومفتيها الأستاذ عبد الرحمن عبد الله هذا الجواب عن سؤال الأستاذ (الطنطاوي) المنشور في العدد 316 وقد أملاه على أحد تلاميذه قال:

يتعاظل الكلام من ازدحامه في الجواب عن هذا السؤال الخليق باللسان النضناض، والإفراد بالتأليف الفضفاض، حتى تبرد القلوب وتطمئن النفوس باتساع صدر الإسلام وضمانه للفوائد وقبول مبادئه للمصالح العامة إلى الأبد، وحتى تتأكد بأن الفقه الشافعي مبني على الأسس الثابتة من الكتاب والسنة. وخذ من عفو الخاطر ولسان البديهة ما يكون لهفة معجلة وتعلة للسائل إلى سنوح الفرصة للإفاضة فيما يشفي أوامه بالأدلة الناصعة والبراهين القاطعة.

أما أولاً فلأن في الاستعانة بالتوكيل في الرؤية والتسلم ما تندفع به المشاق في المتعارف بين التجار

وأما ثانياً فلأن مقابل الأظهر في المنهاج صحة بيع الغائب وإن لم يره البائع ولا المشتري، وبه يقول الأئمة الثلاثة. وقد جاء في فتاوى ابن حجر وأبي مخرمة أنه متى أمر السلطان باتباع مذهب معتبر في قضية وجب اتباعه، فما على الحكومة إلا أن تصدر أمرها بالعمل بذلك وينحل الإشكال

وأما ثالثاً فلأن الإمام النووي اختار انعقاد العقود بالمعاطاة، وتسامح في القول بها الإمام الغزالي وهو ممن لا يجهل مكانه من التصلب والورع في الدين. وقال في التحفة: وعلى الأصح لا مطالبة بالمعاطاة في الآخرة للرضا

وأما رابعاً فلأنه يسن للمقترض أن يزيد في الدفع على ما اقترضه لما صح من قوله : إن خياركم أحسنكم قضاءً. وإذا انضم إلى ذلك الأمر من السلطان بدفع الزيادة تحتم دفعها وصار واجباً كما بينت ذلك في كتابي (صوب الركام) ففي إمكان البنك المصري وأمثاله مع هذه المنادح الواسعة أن يتبسط في معاملاته ويفتنّ في مكاسبه بنجوة عما حرمه الله وأذن عليه بحربه من الربا

وأما خامساً فلأن القول بالمصالح المرسلة يمهد السبيل لكل مصلحه، ويفتح الباب لك منفعة.

وأول من فتحه على مصراعيه الخليفة الثاني رضوان الله عليه. أوليس هو القائل: متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرمهما. وجاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر واحدة، ثم قال عمر أن الناس قد استعجلوا ما كانوا فيه على إناءه، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم.

وقد أجمع الفقهاء الأربعة على نفوذ الثلاث باللفظ الواحد، وإنما أمضاه عمر لما ظهر له في إمضائه من المصلحة كما قاله النووي وتبعه السبكي. فهو إذن قريب من القول بالمصالح الذي عليه الأكثر من المالكية، وبه يقول كثير من الشافعية، منهم علامة اليمن ابن زياد. وتوسع فيه الحبر البدل شيخ مشايخنا الإمام عبد الرحمن ابن سليمان الأهدل، حتى لقد نقل عن العلامة الحشيبري الحكم بالعادة في القضية التي تخشى فيها الفتنة من الحكم بالنصوص الفقهية. فليهدأ بال السائل وليفرخ روعه، وليعلم أن من أرسخ القواعد لدى فقهاء الشافعية وأصولهم أنه إذا ضاق الأمر اتسع. وأن الفقه ليس إلا الخير العام الموافق لتيسير الإسلام، الضامن لمصالح الأمم على مرور الأيام. وإنما قد يؤتى من جمود بعض منتحليه فيظن به ما هو منه براء، وبينه وبينه سبل وعرة وأرض عراء. هذا ما سنح، والعذر ممهد للضعف والزيادة والنقص، لأنه كما قلنا بلا إعمال روية ولا إتعاب خاطر ولا مراجعة صحيفة، ومن ورائه تفصيل، أنا به عند الحاجة كفيل، إن شاء الله تعالى.

(حضرموت)

عبد الرحمن عبد اللاه

مفتي حضر موت

إلى الدكتور زكي مبارك

هل تسمح لي يا دكتور أن أسألك عن معنى جملة جاءت في مقالك الأخير؟

إنك تقول: (. . . فكل ما تقرءونه في الكتب التاريخية والدينية من وصف عرب الجاهلية بالغفلة والحمق والطيش والخيال وسوء الفهم وبشاعة التصور وخمود العقل وبلادة الإحساس، كل أولئك الصفات الذميمة وضعت لغرض خاص هو تحقير الوثنية الجاهلية، لتقوم على أنقاضها العقيدة الصحيحة، عقيدة التوحيد)

(وكان من حق رجال الدين أن يضعوا في تشويه الوثنية الجاهلية ما يشاءون لأنهم كانوا يرونها زيغاً في زيغ. . .)

وقد عرض لي عند قراءتها إشكالات:

1 - إن التاريخ هو العلم الذي ينبئنا بأخبار من مضى، وكتبه هي مادة هذا العلم؛ فإذا كان في كتب التاريخ وصف للعرب بهذا الذي تقول أو بعضه أو ما يشبهه، فإنه يبقى صحيحاً معتبراً حتى يجيء من ينقضه بالأدلة العلمية المستندة إلى النص الصحيح. أما حكمك عليه بالوضع بلا دليل فلا يصنع في رده شيئاً، فهل لك عليه من دليل؟

2 - وردك لما روته الكتب الدينية، أو يفهم من كلامك أنها روته، وحكمك عليه بالوضع أشد، لأن هذه الكتب الدينية، من دواوين الحديث أو مجموعات التفسير أو تصانيف الأئمة، حجة للمسلمين في دينهم، ومصدر يأخذون منه شريعتهم، فإذا صح لكل أديب تكذيب شيء منها بلا دليل صارت كلها عرضة للتكذيب، وبطل الدين. وإذا كانت مسألة اليوم هينة لا تمس جوهر الدين فإنها تجر حتماً إلى ما ليس بالهين وتكون سنة في الناس سيئة - أعيذ الدكتور زكي مبارك أن يكون صاحبها الذي سيحمل وزرها ووزر من عمل بها

3 - ما الدليل على أن الرواة اختلقوا الأخبار لتحقير الوثنية أو أنهم منعوا من رواية أنبائها؟

4 - ليس في الإسلام طبقة خاصة تعرف برجال الدين، وإنما فيها العلماء من محدثين ومفسرين وفقهاء وأصوليين، وطبقاتهم طبقات الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المجتهدين ومقلديهم، فأي أولئك الذين حكم عليهم الدكتور بصنع هذه الأخبار التي تشوه الوثنية ووضعها؟ وهل من الكذابين بين الصحابة والتابعون الذين نقل عنهم الشيء الكثير في ذم شرك الجاهلية وقبيح أحوالها؟

5 - وما معنى قول الدكتور بأن ما جاء في الكتب التاريخية والدينية من الأخبار الموضوعة (بزعمه) إنما أريد منها تحقير الوثنية لتقوم على أنقاضها عقيدة التوحيد، مع أن المعروف الثابت أن الوثنية هدمت منذ هدم الله أصنامها، ومحيت أنقاضها، وقامت عقيدة التوحيد قبل انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى ورست دعائمها؟

هذا وليثق الدكتور أن هذه أسئلة مستفهم، يجب أن يعرف جوابه عليها.

علي الطنطاوي

حول نعيم الجنة

قرأت في العدد (316) من الرسالة رد أستاذنا الدكتور زكي مبارك، فأجيب بالآتي: ذكر الدكتور ما يفيد أن هناك من يرى أن الجنة رمز ومجاز، ولكن لما كانت اللذات الأخروية هي لذات لا تدرك إلا بالعقل المحض، فقد قال مثل العلامة الأصفهاني: إنه لما أراد الله أن يقرب معرفة تلك اللذات من أفهام الكافة شبهها ومثلها لهم بأنواع ما تدركها حواسهم، فقال تعالى: (مثل الجنة التي وعد المتقون، فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) ليبين للكافة طيبها بما عرفوه من طيب المطاعم، وقال: (مثل الجنة التي وعد المتقون) ولم يقل الجنة لينبه الخاصة على أن ذلك تصوير وتمثيل، وأن الإنسان إن اجتهد ما اجتهد أن يطلع على تلك السعادة فلا سبيل له إليها إلا على أحد وجهين: أحدهما أن يفارق هذا الهيكل ويخلف وراءه هذا المنزل فيطلع على ذلك. والثاني أن يزيل قبل مفارقة الهيكل الأمراض النفسانية فيطلع من وراء ستر رفيق على ما أعد له

ولكنا لا نستطيع الأخذ بنظرية التصوير هذه، لسبق وجود جنة بها أشياء مادية، وخرج منها أبوانا آدم وحواء لأكلهما من الشجرة المحرمة، ولا نريد أن ندخل في الخلاف الذي ذكره ابن قيم الجوزي في الجنة التي سبق لآدم السكنى فيها هل كانت جنة الخلد أم جنة أخرى؟ لأنه على أي حال يجب استبعاد النظرية التصويرية لمعارضتها لكثير من النصوص. إذن لم يبق إلا قول الدكتور زكي مبارك: (إن الإنسان مكون من جسد وروح، وهو كذلك في الحياة الأخروية). ولا أدري لماذا تشبث أستاذنا الدكتور بذكر هذا الشيء البديهي، ولكني أطمئن دكتورنا على أن الثواب والعقاب سيكونان للروح مع البدن. أذكر خلاصة ما ذكره الخوارزمي من أدلة على هذا من أن الأفعال والتدابير والآراء كلها تصدر من الجسد الحي، وأن الطاعة والمعصية حصلتا منهما جميعاً، وأن الثواب بالطاعة والعقاب بالمعصية إنما صدر من الجسد بواسطة الروح فيجب أن يكون العقاب والثواب لهما وأن كلاً منهما محتاج لصاحبه، لولا الروح لكان القالب خشباً مسندة، ولولا القالب لما كان روح. فكل راض فاعل وعامل من وجه فيكون الخطاب والثواب والعقاب لهما جميعاً، حتى قال ابن عباس رضي الله عنه: لم تزل الخصومة قائمة إلى يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فيقول الجسد: أي رب خلقتني كالجثة ولم تجعل لي يداً أبطش بها ولا رجلاً أمشي بها ولا عيناً أبصر بها حتى دخل هذا علي كالشهاب، فيه نطق لساني وسمعت أذني وأبصرت عيني وبطشت يدي، فأحل عليه العذاب ونجني من النار. فتقول الروح: يا رب خلقتني كالريح ولم تجعل لي يداً ورجلاً وعيناً وسمعاً فلم أتحرك إلا بحركته ولم أسكن إلا بسكونه، فما ذنبي وما جرمي يا رب؟ أحل عليه العذاب ونجني. قال: فيضرب الله تعالى لهما مثلاً كالأعمى والمقعد يصطحبان، أما الأعمى فلا يبصر، والمقعد لا يقدر على المشي، فبلغا إلى بستان فجلسا وتشاورا وطلبا حيلة، فقال الأعمى: أنا لا أبصر فمر أنت وأت بالعنب، وقال المقعد: بل مر أنت فإني لا أقدر على المشي، ثم تناظرا وتناصفا وقالا: هذا أمر لا يتم بأمر دون الآخر، يا أعمى قم أنت فارفعني حتى أتسلق الحائط وأقطف العنب. فلما توافقا قطعا العنب وأكلاه. وقال المقعد: لولا أنت يا أعمى لما أكلت. وقال الأعمى: لولا أنت يا مقعد لما أكلت. ونحن لم ننكر تمتع الروح والجسد فقد قلنا في كلمتنا الأولى في العدد 315: (إن الإسلام دين روحانيات ومعنويات، وأن ليس معنى هذا أنه لا يعنى بالحسيات والماديات، بل هو يعنى بها وبتنظيمها التنظيم الذي يتصل بأن يرقى بالإنسان إلى الروحانيات. . . وأنه إن أراد ببعضها اللذة الحسية، فإنه لا يريدها حقيرة متواضعة، كما هي في دنيانا، بل يريدها عزيزة تتصل أكبر مما تتصل بالروحانيات والمعنويات)، فالذي يحتمل الجدال ليس ذكر أن النعيم سيلحق الجسم والروح أم لا لأنا أجمعنا على ذلك، بل هل أغلب اللذات سيكون حسياً أم روحياً؟ أو بمعنى آخر هل تغليب اللذة سيصف لذات الجنة بأنها روحية أم بأنها حسية؟

على أنه يطربني أن أرى أستاذنا الدكتور زكي مبارك ينزع نزعة روحية من غير أن يشعر، إذ يقول في كلمته في العدد 316: (سيكون في المؤمنين من يكون نعيمهم برضوان الله أطيب بنعيمهم بما في الجنة من ثمرات وطيبات) وإن كنت لا أفهم كيف يرى عدم تعميم أن الرضى بالنعيم أطيب مما في الجنة من ثمرات مهما كانت درجة المرضي عنه. ولعل المخرج من هذا قول الدكتور في العدد 318 في الرد على الأستاذ الغمراوي: (إن العبادة الصحيحة هي رؤية الله في نعمه المشكورة) فإني أرى أنه بهذين قد زحزح نفسه كثيراً عن رأي حسية لذات الجنة، لولا ذكره ما ذكر من دعاء ناقشه فيه الأستاذ الغعمراوي مناقشة عنيفة في كلمتين، فكتب أستاذنا الدكتور زكي كلمة يحمد الله تعالى فيها على نعمة الإسلام

على أن وجود الأشياء الحسية في الجنة لا يعني أن التمتع سيكون حسياً، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب ملاحظة تغيير ما في طبيعة الإنسان في الدنيا عنها في الآخرة لوجود قوى نفسية نازعة للبهيمية وعدم إمكان تصور هذا في الآخرة، على فهم أن أصحاب الجنة لم يصلوا إليها إلا لأنهم فهموا خصائص الروح وتمتعوا كثيراً كل حسب درجته بلذتها، فلا يعقل أن يكون حبهم للذة الروحية في العالم الثاني أقل من حبهم لها في عالمهم الدنيوي. ثم إن للجو حكمة، فجو الجنة جو روحي لا يمكن أن يعمد إنسان إلى الخروج عنه؛ على أن الحسيات لها بعض العناية بها، وللذاتها بعض الرغبة فيها، على أن تكون ثانوية وتابعة، وعلى أن تنحو نحو الفكرة الروحية. وإذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تعالى - كما في الحديث القدسي -: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، ألم تنجنا من النار! فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) ويكفي أستاذنا الدكتور زكي مبارك من علامات روحية اللذات في الجنة أن أصحاب الجنة سيكونون ولا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشية، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

محمود علي قراعة

المغرب الأقصى وفكرة الخلافة

قرأت متأخراً في العدد الممتاز من مجلة (الهلال) الأغر مقالاً للأستاذ عبد القادر حمزة باشا عن الخلافة الإسلامية وعدم إمكان قيامها في الوقت الحاضر، جاء فيه ما يلي: (وإذا قيل إنه من الميسور أن تقوم الخلافة بين الأمم الإسلامية المستقلة، وأن مصر أولى هذه الأمم بتلك الإمامة لأنها قلب العالم الإسلامي؛ إذا قيل هذا، فيجب ألا ينسى أن هناك من يعارض في الخلافة، ولا يعترف بها كتركيا والمغرب الأقصى وغيرهما، وما من فائدة في قيام نظام لا يعترف به الجميع)

أريد أن أسأل حضرة الكاتب عمن أخبره بأن المغرب يعترض على فكرة الخلافة.

فإذا كان هذا الفهم وصله عن طريق الصحف الاستعمارية، أو عن تصريحات الرجال الرسميين، وهو لن يصله إلا عن هذين الطريقين، فأريد أن أقول لسعادته: إن القول في مثل هذا الأمر ليس هو من حق هؤلاء ولا من أولئك. القول الفيصل في هذا إنما هو لإرادة الشعب المغربي؛ والشعب المغربي لن يعارض مطلقاً في كل فكرة يستمد منها الإسلام والعرب القوة والمجد، كفكرة الخلافة الإسلامية، أو الوحدة العربية.

وإذا كانت وضعية المغرب لا تسمح له في الوقت الحاضر أن يساهم في مثل هذه الأعمال الكبيرة، فهو يرجو أن تتحقق لأنه يعلم أن مثل هذه المشروعات العظمى ستعود عليه وعلى باقي الأقطار العربية التي تحت الاستعمار بأكبر المنافع، وسترفع عن كاهله كثيراً من القيود والسدود

على أن موضوع كلام الكاتب إنما كان في الأمم المستقلة، والغرب ليس كذلك، فهل نسي سعادته أن المغرب تحت حماية فرنسا؟ وما وجه قران المغرب بتركيا؟ إن المغرب يختلف تمام الاختلاف من حيث الأوضاع والنظم عن تركيا. والمغرب يمسك على دينه بأيد من حديد، ويريد اقتضاء قواعد الإسلام حذواً بحذو، كما سنها الرسول، وكما نزل بها القرآن

وأعود فأقول: إن الحركة القومية بالمغرب التي يترأسها الزعيم الأكبر محمد بن الحسن الوزاني - أطلق الله سراحه - كانت صرحت في جريدتها (الدفاع) أن من الأسس التي ترتكز عليها (القومية المغربية) (الامتثال لواجب الرابطة العربية، والجامعة الإسلامية)، وهي ما كانت لتقول مثل هذه الكلمة لو لم تكن شاعرة بما يختلج في ضمائر الشعب المغربي من حب الوحدة الإسلامية، والتضحية بكل غال في سبيلها

وهل كتب علينا الشقاء إلا يوم كتب على الخلافة الإسلامية بالعدم!

(فاس) (أبو الوفاء)

حول معنى بيت

ذكر الأستاذ أحمد عبد الرحمن عيسى في العدد (322) من مجلة (الرسالة) الغراء أن هذا البيت المنسوب إلى معاوية في قصة سعد وسعاد:

قد كنت تشبه صوفياً له كتب ... من الفرائض أو آيات قرآن

لا يحتمل ما فهمته فيه من حمل كلمة - كتب - على ظاهرها، وإنما هي جمع كتاب بمعنى مكتوب، والمكتوب هو المفروض، فيكون المعنى له مفروضات من الفرائض، وإذا كان هذا هو معنى البيت فإنه لا يكون فيه دلالة على أن قصة سعد وسعاد موضوعة

وإني أرى أن هذا المعنى الذي ذكره الأستاذ يزيد في ضعف هذا البيت وسخافته ويجعله متهافت اللفظ والمعنى، وتهافته اللفظي ظاهر لا خفاء فيه؛ وأما تهافته المعنوي فلأن الصوفي لا يمتاز عن غيره بمفروضات مكتوبة يقوم بها، لأن المكتوبات واجبة على سائر الناس، وإنما يمتاز الصوفي بالخلوة ومداومة العبادة وغير ذلك مما اخترعه المتصوفة. وقد فهم الأستاذ أحمد عيسى الفرائض في البيت على ظاهرها فخفي عليه المعنى الذي فهمته فيه، مع أن الفرائض هي الأوراد ونحوها مما يفرضه الصوفي على نفسه، وهو إطلاق سائغ لا شيء فيه، ومعنى البيت عليه: له كتب من كتب الأوراد ونحوها

وأرى أيضاً أن البيت يدل على أن القصة موضوعة ولو حمل على المعنى الذي ذكره الأستاذ أحمد عيسى، لأن نظام التصوف الذي يشير إليه لم يكن حدث في ذلك العصر، وقد بنيت وضع القصة على هذا، كما بنيته على أنه لم يكن في ذلك العصر كتب تصوف، وكل منهما كاف في الدلالة على وضعها، وكذلك سخافة البيت وتفاهته، وما كان للأستاذ أحمد عيسى أن يهتم بعد هذا به.

عبد المتعال الصعيدي