انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 312/من هنا ومن هناك

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 312/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 06 - 1939



نابليون العرب - عن مجلة (في الباريسية

ابن السعود، وهو يحكم منطقة تعادل المناطق المجاورة له جميعها، ويملك جيشاً كبيراً مجهزاً بالأسلحة الحديثة، ويستمتع بشهرة عظيمة بين الممالك الإسلامية بمقدرته على حماية الأماكن المقدسة، سيكون له تأثير كبير ونفوذ دائم على الشرق الأدنى

لذلك يلجأ إليه كل من تحدثه نفسه بالشئون السياسية في تلك البلاد

وهو رجل قوي رزين لا يطلع أحداً على أسراره، حتى أخص أصدقائه ومعاونيه أمثال عبد الله الفادي وحافظ وهبة

وابن السعود مسلم محافظ يحكم بقواعد القرآن وتعاليمه. وهو لا يشرب الخمر ولا يدخن، ويؤدي فروضه الدينية خمس مرات في اليوم. ويزيد طوله قدماً على المستوى المألوف في الرجال. جميل الطلعة ذو لحية وأنف طويل، وفم عريض يدل على القوة والمرح

وقد مرض مرضاً طويلاً أصاب إحدى عينيه، حتى لا يكاد يبصر بها. أما فيما عدا هذا فهو قوي صحيح لم يؤثر فيه الكفاح بحال من الأحوال

وهو رجل ثابت كالطود يطيل التفكير فيما يعرض عليه، ويتكتم أموره عن كل إنسان حتى ليتساءل الناس ماذا عسى أن تكون نياته في مشكلة فلسطين

ومن المعروف عنه قوله: (إنني مسلم أولاً وعربي ثانياً) وحياة ابن السعود جهاد مستمر في توجيه قوى العرب نحو المصلحة العامة. وهو يعمل بجد لإزالة العراقيل التي يضعها الشيوخ في سبيل تنفيذ مبدأ ضم الدول الصغيرة في الشرق الأدنى

ويبلغ الملك ابن السعود الآن الثامنة والخمسين من عمره، وينحدر من سلالة سعود العظيم الذي أحرز ملك العرب في أواخر القرن الثامن عشر. وقد تبع والده في منفاه بالكويت حين أمر بنفيه ابن رشيد حاكم الكويت

وما كاد يبلغ ابن السعود العشرين حتى ترأس فريقاً من البدو وهاجم الرياض واحتل حصونها. وبضربة واحدة استطاع أن يضع نصف نجد تحت إمرته. . . وقد كان هذا في أوائل القرن العشرين!

وما زال ابن السعود ينال انتصاراً يتلوه انتصار في ميادين الحرب والسياسة حتى تغلب على منافسيه وأنداده وأصبح أمير العرب

وقد نجح في تطهير بلاد العرب من اللصوص والقتلة، وأصلح الحالة المالية وألف في بلاده أقوى جيش عرف في الشرق الأدنى

ولابن سعود كل الخصائص التي تجعله يقود أمة عظيمة؛ فهو على ما هو عليه من المهابة يجمع بين قوة القائد العربي والرجل السياسي. ومع أنه رجل محافظ متدين لا يأبى أن يفكر في الواقع ويساير المدنية بقدر الإمكان

وقد استحدث في بلاده العربات الضخمة والسيارات الحربية التي تطوي الأرض من نجد إلى الحجاز. وأنشأ محطة للإذاعة بالرياض ووضع خطوط التليفون التي تصله بجميع أنحاء العالم. واستنبط الآبار الارتوازية تتفرع منها الجداول والغدران لري الأرض. ويقال إن ابن السعود أمر بقتل أحد ضباطه لارتكابه جرماً يخالف الدين، وإنه عرض حياته للخطر لإنقاذ طفل صغير.

هل تستطيع إيطاليا أن تهاجم تونس - عن الديلي تلغراف

تسعة أعشار سكان تونس من العرب المسلمين لا ينظرون إلى إيطاليا بعد تلك الكارثة التي أوقعتها بألبانيا بعين الراحة والاطمئنان

وقد استطاعت فرنسا أن تهيمن عليها، وتخمد كل حركة من شأنها أن تغل من يدها، أو تقلل من نفوذها. وقد كان فتح إيطاليا لألبانيا من أقوى المحرضات للعرب وعددهم 2250000 نفس على كراهية الحكم الإيطالي. وقد بدأت الدعايات تبث في تونس ضد الحكم الإيطالي، والألسنة تلهج بشرح مبادئ حامي الإسلام!

وقد تحمل هذه الدعايات كثيراً من المبالغة في شرح وحشية الإيطاليين. فقصة رمي الناس من الطائرات قد تكون من اختراع الخيال؛ إلا أن مثل هذه السير تنتشر في تونس ولها أثر غير قليل في تسوئ سمعة الإيطاليين

وتؤلف الآن في تونس بعض الفرق من الجنود غير النظاميين، بقيادة بعض الضباط الفرنسيين، وهمها أن تهاجم طرابلس في وقت من الأوقات

أما باقي السكان وقدرهم مليونان فهم يميلون إلى الفرنسيين ويفضلونهم كثيراً على الإيطاليين الذين يسكنون تلك البلاد. فالإيطاليون يزاحمون السكان في شئون الحياة والمعيشة وينافسونهم في الأعمال الصغيرة مما لا يقبله الفرنسيون

ومن الإحصاءات الفرنسية لسنة 1936 المعدلة في 1939

أن عدد السكان الفرنسيين في تونس يبلغ 108000 فرنسي وعدد الإيطاليين 98000 إيطالي وقد تجنس بالجنسية الفرنسية من السكان الإيطاليين 16000 نفس

وقد اتخذت فرنسا تدابير قوية ضد الأعمال السرية التي تقوم بها إيطاليا، فوضعت الحراسة الحربية على الطرق والكباري والمرافق العمومية، وقد قامت بعدة تجارب لصد أية محاولة من قبيل إيطاليا في صقلية وفي ألبانيا أخيراً، وقد زرع خليج تونس بالرجال والمعدات الحربية على طول الطريق ووضعت مضادات الطيارات في جميع الأنحاء

وبدأت فرنسا تحصي عدد العمال الإيطاليين في تونس وتراقبهم. وقد استبدل بالإيطاليين الذين كانوا يشغلون مراكز كبيرة غيرهم من الفرنسيين. إذ أن الإدارة الفرنسية تعتقد أن عشرين ألفاً من الإيطاليين أي 20 % منهم فاشست عاملون. أما الباقي فينتسبون إلى صقلية ويعيشون في تونس منذ أربعة أو خمسة أجيال ولم يحدث منهم ما يكدر السلام؛ وهؤلاء سيبقون مدة الحرب على ما هم عليه

وما زالت فرنسا تزيد في استعدادها، وقد أنشأت خطاً حديدياً يمر من الجزائر إلى تونس وهي على استعداد وتأهب لمقابلة الحرب في أي وقت

فمهاجمة تونس على هذه الحالة تعد نوعاً من المجازفة والجنون

بحث في مشكلة المستعمرات

(عن (ذي جورنال أوف رويال سوسايتي أوف أورتس))

مسألة المستعمرات من المسائل التي تتعارض فيها رغبات الأمم الديمقراطية: إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة، مع رغبات الدول الثلاث المتحدة: ألمانيا وإيطاليا واليابان. وحجة هؤلاء هي أن دول الديمقراطية تملك من المستعمرات ما يكفيها ويفيض عن حاجتها، بينما هي لا تملك ما يسد عوزها

فالمشكلة في هذا الموضوع هي المشكلة الأبدية بين الذين يملكون والذين لا يملكون، مشكلة الراضين المكتفين والمحتاجين المتبرمين فماذا يجب أن تفعل الدول ذوات المستعمرات العظيمة الشاسعة؟ لقد مضى الوقت الذي كان يتمتع فيه أصحاب الثراء ولا يجدون من ينازعهم هذه المتعة ويحقدها عليهم

إن ضريبة الثراء موجودة منذ أقدم العصور. ولعل مما يزيدها ويضاعف أثرها نظرة إلى المال الذي يكتسبه أصحابه بالجد والعمل المضني، والمال الذي يئول إلى أربابه دون أن يبذلوا في سبيله أي جهد، فإما أن يكون قد آل عليهم عن طريق الاغتصاب والظلم أو عن طريق الميراث

ولقد أخذ الناس يفكرون في أصحاب الثروات الكبيرة، ويفرضون رقابتهم عليهم حتى يتحققوا من أن هذه الثروات لا تنفق في سبيل الملذات والأهواء الشخصية، دون أن يكون للمواطنين نصيب من الانتفاع بها. وقد تقدم هذا المذهب فأصبح يشمل الدول كما يشمل الأفراد. وليس لهذا المذهب من سلطة غير قوة الرأي العام التي تفرض إرادتها على الأفراد.

ونحن الآن نرى حركة جديدة بين الأمم، لإلزام كل أمة مراعاة ذلك: وهذه الحركة ترمي إلى مطالبة الأمم التي تملك المستعمرات بأن تكون وفية أمينة لأبناء تلك المستعمرات من ناحية، وأن تراعي المصلحة العامة في استغلالها

يقال أن الاستعمار طريقة لتخفيف ازدحام السكان، والواقع خلاف ذلك؛ فعدد الأوربيين في أواسط أفريقيا يدل على أن الدول الأوربية لا تستفيد من هذه الناحية. فمن الواجب ملاحظة الجو في تلك المستعمرات، وإعداد رأس المال لإصلاح تلك البلاد، وملاحظة حقوق الأهلين.

مما لاشك فيه أن لكل أمة تقاليدها وأحوالها الاقتصادية؛ ومعنى هذا بالبداهة أن الأمم التي لا تستطيع أن تعيش على غير الصناعة، يجب أن تستولي على أرض تستخرج منها المواد التي تتطلبها.

إن الطبيعة قد حرمت الأمم كافة من أن يكون لديها الأرض التي تغلها جميع المواد التي تحتاجها. فالولايات المتحدة تعتمد على المصادر الخارجية لاستكمال ما تحتاجه من المواد؛ وكذلك بريطانيا وألمانيا واليابان. ولا توجد أمة واحدة تملك الأرض التي تغلها كل ما تريد إلا إذا كانت تملك العالم أجمع فيجب والحالة هكذا أن يكون الموقف متعادلاً بين الذين يملكون والذين لا يملكون. ولا يكون ذلك بالتنازل عن المستعمرات، ولكن بمراعاة مصالح الدول المحرومة منها وإيجاد الطرق الودية التي تكفل لها الراحة والسلام