انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 301/حديث السكوت

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 301/حديث السكوت

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 04 - 1939



للشاعرة أيلا هوبلر ولككس

ترجمة الآنسة الفاضلة (الزهرة)

إن بحر السكوت الهائل المخيف يفصل بيننا

وأعرف أنك حيّ ترزق. . . وأنك تحبني. . .

ومع ذلك - فشدّ ما أتمنى أن تقبلَ إليّ من عبر المحيط -

سفينة بيضاء. . . تتحفني بكلمة منك!

إن الهدوء التام يرعبني بسكونه الصامت الرهيب

لا تعكّره في صدري خلجات الشك، وشبهات الارتياب، أو تهزه في عقلي خشية المداجاة

وتمويهات الإفك

فيا ليت موجة صغيرة من موجات اللسان، تلثم شطيّ الحزين الأبكم. . وتهز أعطافي. .

مثيرة رواكد هذا السكوت. . . غير المتناهي!

إنني ضائقة بهذا الإحساس العظيم بالحب، الذي عجمتُه دون قول، وأشر به قلبانا! وإنا

لنتبادل منه الشيء الكثير

بيد أني قد استروحتُ منه شذا حبّك الذي نفحني خلسة.

وكما يتسرب البخور الزكيّ النفّاذ من المجمرة، ويعقد سحبه في الفضاء، هو ذا حبّك قد

تكاثف حولي وشملني بفوحته المسكيّة، ولفّني في شملته العطرية

إن لغة الكلام غثّة تافهة، والألفاظ المحبّرة المسطورة جوفاء لا وجدان لها ولا معنى فيها.

. .

لذلك أطلب أن تحمل الصبا إلى مثواي نفحة من بليل نسيمها

تخفّف الضغط عن علمي التام بوجود الحبّ بيننا. . .

وتلطّف وطأة هذا السكوت الواصب الكتوم الذي يبهظ عقلي.

ما أشد إملاق الحبّ الذي يفتقر إلى الكلمة أو الرسالة، تمحو الشك، أو تغذي الجنان!

ولكنني مع ذلك ألتمس الكلمة والرسالة، رجاء أن تعززا حجج الحب وأسانيده التي

يجذمها السكوت ببلاغة تجاوز كل حدّ، ويقوض دعائم برهانها ويردهّا قميئة صاغرة وكأنما أفرغ عليها ذَنوباً. ويوجد بحراً عظيماً يفصل بين المتحاّبين فيجعلهما غريبين

وذلك لأن الإحساس لا يكفي لإبراز ما استسرّ في القلب، والاقتناع بوجوب الحب وتعرَّف

مخبره لا يقدران وحدهما أن يضفيا على الحياة رونقاً

والكلام إن لم يبرز بياناً واضحاً منسقاً، يعجز في التعبير عن جوهر المعاني والأشياء،

ويقصر عن تأليف صلة القربى بين الروحين

إن اللغة التي تتناجى بها الروح غاية في الغموض والخفاء

والغمرات التي تهيم نفسي في رحابها، وتثير خبرتي لججها، فيحاء مترامية

فارسل سفينة بيضاء من عبر بحر السكوت الرهيب الأفيح

واقطع حبل حديثه المسهب. . . وجدله المسترسل

بكلمة منك. . .

(الزهرة)