انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 300/العاقل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 300/العاقل

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 04 - 1939



للشاعر الألماني باول ارنست

للأستاذ بديع شريف

الأشخاص: (سقراط، ألسيبياد ,

المكان: (شارع في أثينا أمام بيت سقراط، السوق في المساء)

(الاثنان يبتعدان من بيت سقراط، بينما اكسانتيب تشتمهما من النافذة، ويذهبان إلى سوق المساء)

ألسيبياد - حدثتني نفسي كثيراً بأن أسألك يا سقراط عن عيشتك مع المرأة التي تزوجتها لأني أعلم أنك رجل ذكي الفؤاد، وأنك ما أقدمت على الزواج في صغرك إلا لأمر، ولا اخترت هذه المرأة إلا بعد تفكير

سقراط - إنك على حق يا ألسيبياد! فإني ما تزوجت إلا بعد أن علمت أن الآلهة ألقت في نفسي شيئاً وأني أريد أن أقوم به على أتمه، ولكني وجدت نفسي محتاجة إلى زوج أسكن إليها، فإننا معشر الرجال لا نستغني عن المرأة، ولكني ما فكرت قط في مالها وجمالها وحسبها، بل فكرت دائماً أن تكون لي زوج هادئة قنوع مرحة أستطيع أن أسكن إليها وأفكر في جنيها

ألسيبياد - أتقول إن كسانتيب كائن هادئ مرح، قنوع؟

سقراط - أتعتقد أن سقراط تزوج كسانتيب ولم تتزوج كسانتيب سقراط؟!

ألسيبياد - نعم، إن كسانتيب أيضاً تزوجت سقراط

سقراط - وماذا تظن في كسانتيب، هل فكرت في شيء حين تزوجتني؟

ألسيبياد (ضاحكا) - ظنت أنها تزوجت رجلاً مجتهداً عاملاً يكسب الدرهم، لتعيش هي مع أولادها على حسب منزلتها في المجتمع

سقراط - يظهر لي أن قولك الحق، ولكن يا ألسبياد! ماذا عساها تقول عني اليوم؟

ألسيبياد - إنها ملأت الشارع سباً، وعرفت جميع المارين أنك رجل باهلٌ وأنك تقضي طوال النهار تهذي مع الشباب بدلاً من أن يكون لك محل تعمل فيه.

سقراط - أتظن أنها على حق؟

ألسيبياد - ليس لها حق! ولكن لها أن تقول: إنني امرأة فقيرة، أريد رجلاً غير هذا. أريد زوجاً يكتسب، لا زوجاً يتفلسف

سقراط - ربما تريد قصاباً، أو خبازاً

ألسيبياد - نعم! تريد مثل هذين، فتكون له زوجاً مدبرة نظيفة مجتهدة مقتصدة يخشى بأسها الخدم

سقراط - ألست على الحق حين أقول: إنها امرأة أثرة، معتدة بنفسها، غضوب، سيئة غبية، حمقاء؟

ألسيبياد - لا! لست على حق، لكن لك أن تقول: إنني رجل تأمل فرأى نفسه محتاجة إلى زوج هادئة، مرحة قنوع، يستطيع أن يفكر في جنبها.

سقراط - لقد وصلنا إلى السوق، وهاهي ذي امرأة الفلاح جالسة، تلك التي ضحكنا منها كثيراً عندما كانت تحدثنا عن دجاجها وتثني على بيضها. أتعرف ماذا كانت تقص علينا؟ كانت تقول: عندي عشرون دجاجة وديك واحد، في كل يوم يبيضن عشرين بيضة، آتي بها إلى سوق أثينا فأبيعها، وإن دجاجي لا مثيل لها في القرية، وقد يكون في البيضة محان، لذل لا ينثني عن من اشترى مني أول مرة. ولا أكذبكم فقد تكون بيضة في هذا البيض ذات محين. إنني محسودة من جميع الجيران، ومن له مثل هذا الدجاج لا يعدم الحساد. إن لي مشترين كراماً يعرفون أن دجاجي من الطراز الأول. وكيف أقتني الرديء وقد ورثت تربية الدجاج أباً عن جد؟ أتدري يا ألسيبياد ماذا أوحت هذه المرأة إلى (أرسطوفان) فطفق يتحدث عن دجاجها؟ لقد أطرق أرسطوفان مليا ثم وضع إصبعه على أنفه وقال: دعونا نذهب إلى دار هذه المرأة ونسأل دجاجها ثم نرى ماذا تقول؟ إني لا أشك في أنها ستقول: إننا بين يدي امرأة صالحة تنثر لنا الحب الملتوت بكثير من المشهيات في الصباح وعند الظهيرة وفي المساء بنظام لا يتغير. على أننا لا ننسى ذلك الصوت الحنون الذي نسمعه عند كل وجبة، وإذا قدمت لنا الماء قدمته عذباً صافياً، وفي كل عام تطلي قننا بالكأس مرة أو مرتين، وبالإيجاز إننا راضيات عن هذه المرأة ولا نريد امرأة كسلي لا نظام عندها لأننا ما تعودنا الإهمال وعدم النظام. هكذا كان ينشد أرسطوفان في شعره فكلكم ضحك عليه وسخر منه، لأنه استطاع أن يعبر عن نفسية الدجاج لكن ماذا ترى؟ إني أرى بين يديها دجاجاً مذبوحاً!

الفلاحة: أتريدون مرق دجاج سمين؟ هلما! إنه دجاج حديث الذبح. المساه، إنه سمين. انظرا هذه القطعة الصفراء، إن أجوافهن مبطنة بالشحم، كل دجاجة تزن أكثر من ثلاثة أرطال

سقراط (إلى المرأة): يسرني أن أعرف شيئاً عن تربية الدجاج أيتها الفلاحة! فهل تستطيعين أن تعلميني: أيهما أنفع لك، ذبح الدجاج وبيعه في السوق ليطبخ ويؤكل أو تعنين به كل يوم فينتج لك البيض وتبيعينه في السوق؟

المرأة - وا حسرتاه! إن هذا الدجاج الخائن كاد يقضي عليًّ من الحقد والحزن عليه؛ فإن واحدة منهن باضت بيضة لم يتكامل قشرها، فأكلنها حالاً فاستذوقنها، وجعلن ينقرن البيض كلما بضن ثم يأكلنه، فما حصلت بعد هذا على واحدة. لهذا ذبحتهن. المساهن. إنهن سمينات. لقد كان لهن بيض نقي يندر وجوده في القرية. ويلهن! إنهن خائنات

سقراط - شكراً أيتها المرأة الصالحة، إني لا أريد شراء

الفلاحة - كل واحدة بدرهمين، منتوفة، منظفة. انظرا، هاهما تان الرئتان، هاهي ذه القانصة، هاهو ذي الكبد، والقلب، كلها موضوعة في الجوف، إن امرأتيكما تستطيعان أن تضعاها في القدر حالاً

ألسيبياد (إلى سقراط) - يجب أن نذهب بسرعة

الفلاحة - أما رأيتما غير هذه المرأة المسكينة موضوعا للهذر والتسلية أيها النكدان! إن رجلاً مثلك كسلان، لا يمتلك حذاء يستطيع أن يأكل دجاجاً؟ (المرأة تستمر في السب بحيث لا يتميز كلامها وهما يسرعان الخطا)

سقراط - ماذا تعتقد يا ألسيبياد في الدجاج؟ لو استطاع أن يتكلم حين ذبحته المرأة فماذا يقول؟؟

ألسيبياد (واضعا إصبعه على أنفه) - إنه يقول إن هذه المرأة لخائنة لقد ذبحتنا، إنها سفاكة، لقد كان علينا أن نعرف نياتها من قبل!

سقراط - ماذا تظن يا ألسيبياد؟ هل تغير الدجاج، فكان قبلاً صالحاً ثم صار خائناً؟ وهل تغيرت المرأة حيث كانت ودوداً ثم عادت خائنة سفاكة؟؟

ألسيبياد (ضاحكا) - إن الدجاج هو الدجاج، وإن المرأة هي هي. لكن كلٌ في هذه الحياة يعتقد إنه هو الموجود الأهم. وليس هذا فحسب، بل على الغير أن يشاركه في هذا الاعتقاد. على أن هذا الغير يعتقد كما يعتقد الاول؛ لذلك كان الدجاج صالحاً عند المرأة؛ لأنه كان يقدم لها البيض، فلما احتفظ الدجاج ببيضه لنفسه أصبح خائناً. وكانت المرأة صالحة عندما كانت تقدم للدجاج الطعام، فلما ذبحته عادت سفاكة خائنة

سقراط - وحق الكلب! إن الأمر يجري هنا كما يجري هناك، أي كما يجري بيني وبين زوجي كسانتيب

ألسيبياد - إسمع يا سقراط - إنك تعرف أنني وقفت حياتي في خدمة الدولة وعالجت شئونها، ألا يحتمل أن تنشأ العداوة والبغضاء بين الناس كما نشأت بين الدجاج والمرأة؟؟

سقراط - يظهر لي أن هذه الفكرة لم تكن خطأ

ألسبياد - وأيضاً ليس كالعداوة بين المرأة والدجاج فحسب بل مثلما بين سقراط واكسانتيب؟

سقراط - ربما يكون الأمر كذلك

ألسبياد - لكن أيترك الرجل العاقل الناس يشتمون ثم يعمل هو ما هو الواجب

سقراط - هذا ما أعتقد.

بديع شريف