انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 291/المسرح والسينما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 291/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 291
المسرح والسينما
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 01 - 1939



في الفرقة القومية

المخرج فلاندر وسكرتير الفرقة

الخواجة فلاندر مخرج استقدمته الفرقة من بلده باريس ليعمل فيها بعد إذ عاف الأستاذ زكي طليمات العمل، وبعد إقصاء الأستاذ عزيز عيد والاكتفاء بالمخرج عمر الجميعي ريثما يعود فتوح نشاطي الموفد إلى فرنسا للتخصص في فن الإخراج

والخواجة فلاندر له ذوق وله فن، وهو رغم جهله لغتنا العربية وعادات أمتنا وتقاليدها، قد استطاع أن يساهم في إخراج بعض روايات موضوعة فكساها رونقاً وأضفى عليها بهاء فنياً، كما أخرج رواية مترجمة يعرفها في الأصل إخراجاً تقليدياً لا اعتراض عليه في الشكل المسرحي، والحركة التمثيلية. ولا أقول شيئاً في الإضاءة لأن معداتها ناقصة نقصاً لا سبيل إلى تداركه

ولعل أحسن الروايات التي أخرجها، وأدناها إلى الدلالة على استعداده الفني هي رواية (المتحذلقات) المكونة من فصل واحد

أزعم أن لمحة واحدة من الناقد يلمح لمعانها في رجل الفن تكفي للدلالة على أن وراءها ما بعدها. فلمعان فن الخواجة فلاندر بدا في قدرته على إلجام ممثلات وممثلي رواية المتحذلقات وتقييدهم كما يفعل مروض البغال الشموسة ومدرب الببغاوات، وفي صدهم عن الإسراف في العطاء أكثر من اللازم الواجب. مثال ذلك: الممثل الضحاك فؤاد شفيق كان أكبر همه استلفات النظر إلى حركاته وإشاراته، غير آبه لإرشادات المخرجين بدعوى أنه يفهم فنه أكثر منهم، ويدرك رغبات النظارة وميولهم، وغير حافل بما تحدث حركاته وإشاراته من خلل في سياق الرواية ومن صرف الأذهان عن الغرض الصارم الذي مهد له المؤلف بنكتة أو إشارة، إذ كانت غايته كما قلت إضحاك الناس فقط

وهكذا الممثلة أمينة نور الدين اقتبست بعض حركات من بعض ممثلي السينما أمثال هاردي ولوريل وإضرابهما ممن يقوم تمثيلهم على الحركة المفتعلة. ولم نكتف بالأخذ عنهم كالقردة بل أخذت تغرق في التقليد والافتعال إغراقاً ممجوجاً وهذا ما دعاني إلى تشبيهها (بالساروخ) إذا اشتعل وارتفع في الفضاء تبدو نجومه لامعة وضاءة بعض لحظة، ولك كثيراً ما لا يشتعل لفساد مادته فينخنق وهو في الأرض

أما هذا المخرج، أو بعبارة أصح هذا المروض، فقد استطاع أن يجعلهما يقومان بدورهما على وجه مقبول، وهذا بعض المطلوب منه

ما كنت أبتغي الإلماع إلى هذه الناحية من النقد لولا حوافز ثلاثة:

1 - إدعاء قطب من أقطاب لجنة القراءة أن رأى النقاد المسرحيين لا يتعدى، بل يجب ألا يتعدى ناحية إخراج الرواية وطولها وقصرها على الوقت المناسب

2 - إدعاء قطب ثاني أن ليس في مصر نقاد

3 - شكوى الخواجة فلاندر من سكوت الصحف وإغضاء النقاد عنه

أما أنا فلن أسكت عن دحض الادعاء وعن نفي التهمة عن الناقدين المترفعين والأدباء المنصرفين عن الفرقة اشمئزازاً من أعمال رجالها الذين يتخبطون في ظلمات الادعاءات، ولن أتراجع حتى أظهر العلل التي أخذت تتأصل في الفرقة لوزارة المعارف المغضية عنها، ولأعضاء البرلمان الذين يغذونها من مال الأمة، ولكني أقتصر الآن على تفهم الخوجة فلاندر بأن في مصر صحافة قوية، وفيها نقاد يحسب لهم ألف حساب، وإن مصر تتوقل في نهضتها الثقافية سلم الارتقاء، وتتوجه بدوافع فردية، لا جماعية ولا حكومية، صوب المثل العليا، وإن قول المغرضين أن قحطا يعتور الأدباء إنما هو محض افتراء على مصر الناهضة وشبابها اليقظ.

وإن في الفرقة القومية - ويا للأسف - جماعة، وصلوا في غفلة الزمن، إلى وظيفة لم يخلقوا لها، ومن هؤلاء موظف يقول أنه سكرتير الفرقة القومية واليد المنفذة لما يرتئيه أو يشير به مديرها والحامل (كرت بلانش) منه، فهذا المخلوق المكلف بتوجيه الدعوات إلى رجال الصحافة وجماعات الأدباء بقبض يده عن الصحافة الناقدة ويبسطها بسخاء على الصحافة التي تنشر المدائح والتقريظ مأجورة بالمال، ويفيض بها فيضاً على من لا أذكرهم وعلى نسوة ما عرفن من الأوبرا سوى بابها الخارجي

وهذا المخلوق يعطي تذاكر الدعوات، لا جوداً ولا كرماً كأصحاب البدوات. بل حرماناً وتشفياً من صحافة ومن أدباء يرون الفرقة قد تحولت إلى (تكية)، وأن رجالها تهاونوا في تحقيق غرضها الثقافي، ومن هؤلاء المحرومين من (نعمة) سكرتيرها المحجل ناقد مجلة الرسالة

كم من صحيفة أمثال (الرسالة) لم تشملها نعمة الفرقة؟ وكم من أديب مغضوب عليه من سكرتير آخر الزمان لأنه لا يذكره إلا بقدر فهمه المحدود؟

ليت الخواجة فلاندر الذي يشكو من إهمال الصحافة والنقاد لفنه يعرف أنه ما من سطر واحد ينشر في الصحف إلا بأجر يدفعه المدير. وليته يعلم مدير الفرقة ويفهم السكرتير الذي لا يفهم أن الفرقة القومية للتمثيل هي للأدباء ورجال الصحافة والمتأدبين وطلاب الجامعات والكليات والمدارس العليا. هي لهؤلاء قبل كل شيء، وليست للمثلات يدعون إليها أترابهن ومعهن أصدقاؤهن، ولا للمثلين يوزعون الدعوات على المارة وجلاس القهوات وموظفي المحلات التجارية

ليت الخواجة فلاندر يقول لمدير إدارة الفرقة إن (بيت موليير) يرسل تذاكر الدعوات إلى أساتذة الكليات، وهؤلاء يوزعونها بالقسط على الطلاب، وأن الطلاب يتهافتون على مسرح الكوميدي فرانسيز والأوديون وسواهما من المسارح التي تغذيها وزارة المعارف بالإعانات كما يتهافتون على مطالعة الكتب المفروضة عليهم

ليت الخواجة فلاندر يقول لمديره إن واجبه يحتم عليه تفقد مندوبي الصحف إذا تغيب واحد منهم، وأن يسعى إلى الناقد يسأله عما عاقه حضور التمثيل، وأن يأمر ببيع عدد من التذاكر بأثمان منخفضة كما هي الحال في كل فرق التمثيل الذي ترعاه الحكومة

ليت سعادة المدير يعرف أن الفرقة هي للأديبات والأدباء وأن مقاصير الأوبرا ليست لتاجر الخمور، وبائع الأقمشة والخياط والحذاء الذين لا يعرفون ولا يفقهون من فن التمثيل شيء، وأن الأليق من هؤلاء بجلوس المقاصير هم الذين يفهمون الحياة عن غير طريق جمع الملاليم إلى قروش والقروش إلى جنيهات تدخر لبناء مسرح خاص بالفرقة يغنيها عن استعارة الأوبرا بعض الوقت

أحسب أني لو قلت في خور الفرقة وهزالها وعجزها عن تحقيق بعض ما هو مطلوب منها تحقيقه أضعاف ما قلته لعددت نفسي من المقصرين، ولكني أرى لزاماً عليّ حرصاً مني على حياتها، وتفادياً لما قد يخالط أذهان بعض الذين لا يرون سوى ظواهر الأشياء، أن أشرك معي طائفة من الأدباء في إبداء الرأي في هذه المؤسسة التي أرادتها وزارة المعارف وأرادها نواب الأمة لغرض ثقافي نبيل، فتحولت بفضل الرجال الأفذاذ إلى (مصطبة) للشيوخ العلماء المتعالين و (تكية) للكسالى من الممثلين والمتعطلين وفساكل الصحفيين وحثالة المتأدبين

ابن عساكر