انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 283/شجرة الذكرى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 283/شجرة الذكرى

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 12 - 1938



للأستاذ محمود الخفيف

وَيْحَ مَن شَجَّت يداه الشجَرَه ... وطوت أغْصَانَها المزدَهِرَه

ويح من أهْوَى بفَأسٍ لا تني ... تَركتْ أشلاََءها منتثِرَه

قَطَعَتْهَا سَرْحةً طَيَّبَةً ... تَبْسُطُ الظلَّ وتؤتي الثَّمَرَه

جِئتُ والصَّيفُ على أهبته ... ويَدُ الدُّنيا تُعَفّى أثَرَه

والخريفُ السَّمْحُ في أعقابه ... يَتَقَصَّى في هُدُوءٍ خَبَرَه

يَسْأَلُ القَرْيَةَ عما أدَّخَرَت ... لليالي المُرَّةِ المُعْتَكِرَه

لا يَرَى غَيْرَ فُتورٍ سَابِغٍ ... في نواحِيها وصَمْتٍ حَيَّرَه

أتُراها لَمَحَتْ فيِ بُرْدِهِ ... شَبَحّا لِلْكُدْرَةِ الُمنتظَرَه؟

أم تُرَى أذْهَلَهَا ما مَسَّها ... من لظًى كانَتْ بها مُسْتعِرَه؟

جِئتُ كالحاجِّ وفي مُهْجَتِهِ ... فَرْحَةُ الناسِكِ يقضِى وَطرَه

طفْتُ بالقرية من أركانها ... كل حُسْنٍ أَتَمَلّى صُوَرَه

أتَقَرَّى أينما سِرْتُ يَدَ الدَّهْ ... رِ وأحصى من قَرِيبٍ غِيَرَه

كُلّمَا أبْصَرَ طَرْفِى لِلْبلَى ... أثَرًا دبَّ إِلَيْهَا كَدَّرَه

وإذا أبْصَرَ فِيهَا طَارِفاً ... زادهُ العَيْشُ عليها أنْكَرَه!

كًلّ مَا غَيَّرَ من صُورَتِهاَ ... كَمْ تَمَنَّى عِنْدَهُ لو لم يَرَه!

مِلْتُ لِلْبسُتْانِ في أطرافها ... مَلْعَبٌ ما كان أحلى مَنْظَرَه

فَتَوَقَّفْتُ لَدى مَدْخَلِهِ ... وتَلَفَّتُّ أُرِيدُ الشَّجَرَه

لم أجِدْ غيْرَ فَضَاءٍ بَلْقَعٍ ... وَبَقَايَا أَغْصُنٍ مُنْتَشِرَه

شَدَّ ما أوْجَعَ نَفْسِي أن أرى ... ذلك المنظَرَ أو أن أذْكُرَه

مَنْظَرٌ ما يَبْعَثُهُ ... من أسًى كُلُّ فؤادٍ خَبَرَه

طاف بالبستان مِنهُ وَحْشَةٌ ... فتَرَى الدَّوْحَ عَلَيها غَبَرَه

وترى الأطْيَارَ في أنحائه ... سَاهِماَتٍ ساَءها ما غَيَّرَه!

سَرْحَةٌ كُنَّا نرى أيَّامَنَا ... من جديدٍ عندها مُخْضَوْضِرَه ولقد كنتُ إذا ما جِئْتُهَا ... عَادَ مِن عُمْرِيَ سِنُّ العَشرَه

رُحْتُ ألْقَانِي لديها ناَشِئاً ... لا يرى في العيشِ إلا زَهَرَه

يَعْشِقُ الرَّيفَ ويهوِى شَمْسَه ... وينُاَجِي في الَّليَالِي قَمَرَه

إبن عشر تضحك الدنيا له ... ليته لم يتجاوَز صِغَرَه

هذه الدوحة كانت مُلتَقًى ... ومِقيلاً للصحاب البَرَرَه

كم جَعَلْنَا عندما موعِدَنا ... وزمَانُ اللهو يُزْجى زُمَرَه

فَنَهَلْنا الوُدَّ عَذْبًا صافيًا ... لم يَشُبْهُ عَنَتٌ أو أثَرَه

زَمَنٌ قد أَدْبَرَت أَنْعُمُهُ ... هذه السَّرْحَةُ كانت مَظْهَرَه

لمسَتْ كَفِّى جناني عندها ... وتَبَدَّت مُقْلَتي مُسْتَعْبِرَه

وَلَحَانِي صَاحِبِي مُسْتَنْكرِاً ... وفؤادي مُنْكِرٌ أن يَزْجُرَه!

كُلُّ مَوْتٍ يترَاءى لبني المو ... ت ترى الأعْيُنُ فِيهِ نُذُرَه

تَلْمَحُ الأنْفُسُ في غُمَّتِهِ ... يَدَهُ العَابثَةَ الُمقْتَدِرَه

والذي تَأْلَفُهُ نَفْسُ ... يَحْسَبُ النَّاقِصَ فِيهِ عُمُرَه

محمود الخفيف