انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 278/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 278/رسَالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 10 - 1938



رحلة في الخيال القريب

في الريف

للأستاذ إبراهيم إبراهيم علي

بينما كنتُ ذاهباً في السماءِ ... حائماً كالشعاع فوق الماءِ

هائماً في الوجود أَنشُد نفسي ... حيث تصفو، وأنفسَ الأَصفياءِ

هارباً من حقيقة الأرض وحدي ... سابحاً في حقائق الأحلامِ

مؤنساً وحشتي ببهجة روحي ... وينبع الجمال والأنغامِ

أتملّى الوجودَ فوق ذراهُ ... وأناغي المال تحت التراب

وأراني على جناحَيْ خيالي ... فأرى الأرضَ مثل لمع السرابَ

سارياً في حماية الله ربي ... طائراً في مسارح الملكوتِ

لست أعدو محلقاً أتغنى ... بعلاه في منطقي وسكوتي

بينما ذاك جاذبتني قلبي ... وجناحيَّ نزعةٌ للريفِ

وأنا الريفُ منبتي. وحياتي ... من نسيمَيْ ربيعه والخريفِ

فتهاديتُ أملأُ الروحَ من في ... ض الحياةِ التي يُفيضُ الوادي

ساكباً في فؤاده من شجوني ... آخذاً من شجونه في فؤادي

عابَداً في جماله مجدَ ربٍّ ... جعل الريفَ آيةً في الجمال

خضرةٌ يغمر الضياء حلاها ... ومروجٌ ملوَّناتُ الظلالَ

ليس أبهى من مشرق الشمس فيها ... تحت غيمٍ وشجوها في الغروب

ولقد يغضب الشتاء قليلاً ... فَيشي الضوءُ بالجبين الغضوبِ

يا لبدع الغمام باللون عند ال ... لون (والطيفُ) ضاربٌ (بالقوس)

فإذا البدر ما جلته الليالي ... أخذت ليلها من الفردوس

جنةٌ غير أنها في هوان ... ضاربٍ ظلّه على أهليها

كل من جاءها غريباً (تمنى) ... وابنها وحده المعذَّبُ فيه ساد فيها السلامُ - والسلمُ إلا ... في ظلال السيوف - ذلٌ مقيم

تعتدي فوقها الذئابُ. ونرجوا ... ورجاءُ الذئاب رأيٌ عقيم

أمَّنوا في حماكِ يا مصرُ شعباً ... ثم عاشوا عليكِ عيشَ الطريد

ربَّ قوتٍ مرارة الجوع فيه! ... وجياعٍ لم يشبعوا من ثريد

وبيوت كأنهن كهوفٌ ... أو قبورٌ بنين للأحياءِ

أقسم النور لا يَراهُنّ إلا ... من ثقوبٍ كأعين الرقباءِ

أيباع الهواءُ في مصر حتى ... تحرمون الهواَء تلك الدورا؟

ونفوسٌ أم هذه حشراتٌ ... ليت شعري أدخلتموها الجحور!

تلك أنشودة العصور الخوالي ... لو ضميرُ الزمانِ كان سميعاً

عجباً يا حمامة من بعيدٍ ... نسمعُ اللحنَ منكِ يجري دموعاً

بت أصغى إليه من كل قلبي ... آسراً لُبِّىَ الذكاءُ العطوفُ

وعليه من الأنوثة فيضٌ ... وجمالٌ، ونفحةٌ، ورفيفُ

أأحييك في العظائم عوناً! ... أم أحييك باسماً للجروحِ!

فسلامٌ عليك يا ابنةَ مصر ... وسلامٌ إلى صديقةِ روحي

إبراهيم إبراهيم علي