انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 274/جورجياس أو البيان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 274/جورجياس أو البيان

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 10 - 1938



لأفلاطون

للأستاذ محمد حسن ظاظا

- 11 -

(تنزل (جورجياس) من آثار (أفلاطون) منزلة الشرف، لأنها

محاوراته وأكملها وأجدرها جميعاً بأن تكون (إنجيلا) للفلسفة!)

(رينو فييه)

(إنما تحيا الأخلاق الفاضلة دائما وتنتصر لأنها أقوى وأقدر

من جميع الهادمين!)

(جورجياس: أفلاطون)

الأشخاص

1 - سقراط: بطل المحاورة: (ط)

2 - جورجياس: السفسطائي: (ج)

3 - شيريفين: صديق سقراط: (س)

4 - بولوس: تلميذ جورجياس: (ج)

5 - كاليكليس: الأثيني: (ك)

ب - (رداً على سقراط) وإذاً فكل من يقتل (يعدل) يبدو لك شقياً وجديراً بالرحمة والرثاء؟؟

ط - كلا. وإنما هو لا يبدو على الأقل جديراً بأن يُحسد!

ب - ألم تقل تواً إنه شقي وتعس؟؟

ط - لقد قلت ذلك يا رفيقي عمن يقتل ظلماً وعدواناً، وأضفت إليه أنه جدير بالرحمة والرثاء. أما ذلك الذي يقتل بعدل فأقول عنه أنه لا يجب أن يثير حسداً ما! ب - لا شك أن من يستحق الرحمة والرثاء هو ذلك الشقي الذي يموت ظلماً وعدوناً!

ط - ولكنه - مع ذلك - أقل في شقائه وفي جدارته بالرحمة والرثاء من ذلك الذي قتله ومن ذلك الذي مات موتاً عادلاً

ب - وكيف ذلك يا سقراط؟

ط - ذلك لأن أفدح الشرور هو ارتكاب الظلم!

ب - أيكون ارتكاب الظلم أفدح الشرور ولا يكون تحمله أفدح من ارتكابه وأنكى؟؟

ط - كلا يا بولوس!

ب - وإذاً فأنت تفضل احتمال الظلم على ارتكابه؟!

ط - لست ارغب في هذا ولا ذاك. ولكن إذا وجب عليّ إطلاقاً أن اختار بينهما فأني أفضل احتمال الظلم بدلاً من ارتكابه!

ب - وإذاً فسوف لا تقبل أن تكون طاغياً؟

ط - كلا. إذا كنت تفهم الطغيان كما أفهمه!

ب - إني لأعيد عليك فكرتي عنه وهي أن يفعل المرء ما يشاء في الدولة من قتل ونفي إشباعاً للذاته!

ط - حسن جداً يا بولوس، فاسمح لي إذاً أن أتكلم وأنقدني عندما يحل دورك. هب أني أخفيت خنجراً تحت إبطي ثم جئتك في الوقت الذي يزدحم فيه الميدان العام بالجمهور وقلت لك:

(إني لأرى نفسي حائزاً لقوة هائلة تعدل قوة الطاغية، فإذا قررت أن الأصلح هو أن يموت أحد هؤلاء الذين تراهم فإنه يموت في الحال، وإذا قررتُ أنه يجب أن تتحطم رأس أحدهم فإنها تتحطم فوراً، وإذا قررت أنه يجب تمزيق ثيابه فإن ثيابه تتمزق ما دامت قدرتي عظيمة في المدينة). . . فإذا رأيت بعد ذلك أنك لم تصدقني أبرزت لك خنجري! ولكنك قد تقول لي حينئذ: (وإذاً يستطيع كل الناس على هذا الأساس أن يكونوا أقوياء لأنهم يستطيعون بنفس الطريقة أن يحرقوا المنازل التي يريدونها، ومخازن أسلحة الأثينيين وسجونهم، بل وكل السفن التجارية الحكومية والأهلية!). . . فترى هل تعتقد أن عظمة القوة قائمة في أن نعمل ما يسرنا أن نفعله؟؟ ب - إذا كان الأمر في مثل هذه الظروف فكلا بالتأكيد!

ط - أتستطيع أن تذكر لي ما تأخذه على قوة كهذه القوة؟

ب - بلى!

ط - وما هو إذاً؟؟ تكلم!

ب - إذا فعل الإنسان هكذا فإنه يعاقب بالضرورة!

ط - أو ليس العقاب شرا!

ب - من غير شك!

ط - وإذاً فقد حكمت أيها الشاب العجيب بأن الإنسان يكون (ذا قوة عظيمة) عندما يرى في إشباع رغباته مصلحة له وخيراً، وقلت أن هذا ما يبدو أنه قوة كبيرة، وأن كل ما عداه شر وضعف! ولكن لنختبر ذلك أيضاً: ألا توافق على أنه قد يكون الأفضل أحياناً أن ننفذ ما نتحدث عنه في الحال كقتل المواطنين ونفيهم وسلبهم، وقد يكون الأفضل ألا ننفذه؟

ط - وإذا يبدو أنك متفق معي على هذه النقطة؟

ب - بلى

ط - وإذا ففي أي الأحوال ترى أن الأفضل تنفيذ تلك الأفعال؟ أرجو لو تحدد لي الموضوع!

ب - الأفضل أن تجيب أنت نفسك على سؤالك يا سقراط

ط - حسن يا بولوس.! وما دمت تفضل أن تسمع مني فأني أقول أن الأمر يكون أفضل عندما ننفذ فعلاً منها بعدل، ولا يكون كذلك عندما ننفذه بظلم!.

ب - لعمري إن مناقضتك لصعوبة جميلة يا سقراط! فالطفل نفسه يستطيع أن يبرهن لك على خطئك!

ط - لأكونن مديناً لهذا الطفل ولك بكثير من الشكر إذا ما نقضتماني وتخلصتما من بساطتي وجهلي!، وإذا فلا يضجرك الإحسان إلى من يحبك يا بولوس، وأمض في مناقضتي!

ب - لن احتاج في مناقضتك إلى الرجوع بك إلى الماضي وأمثلته لأن حوادث البارحة واليوم كافية لأن تثبت خطأك، ولأن تريك أن الظلمة من الناس غالباً ما يكونون (سعداء)! ط - أية حوادث تقصد؟

ب - ألست ترى - من غير شك - (أرشليوس) ابن (بردكاس) الذي يحكم اليوم (ماسيدوينا)

ط - إذا كنت لا أراه فأني سمعت عنه كثيراً.

ب - حسن فهل تراه سعيداً أم شقياً؟

ط - إني لا أعرف عنه شيئاً يا بولوس لأني لم التقي به بعد!

ب - لتدركن سعادته إذا ما التقيت به! والواقع أنك لن تعرف في هذه الناحية غير سعادته فحسب

ط - كلا وحق زيوس يا بولوس!

ب - وإذا فنستطيع أن نؤكد أنك تجهل أيضاً إذا كان أكبر الملوك وأعظمهم، سعيداً أم شقياً؟

ط - ولن أكون مخالفاً للحقيقة في ذلك ما دمت أجهل ما عسى أن تكون عليه نفسه من (عدالة وعلم)!

ب - كيف؟ وهل تقوم (السعادة) في العدالة والعلم وحدهما؟

ط - نعم، حسبما أرى يا بولوس. فأنا أدعي أن كل أمين عادل - رجلاً كان أو امرأة - يكون سعيداً، وكل شرير ظالم يكون شقياً!

ب - وإذاً فهذا (الأرشليوس) شقي تبعاً لقولك يا سقراط؟!

ط - حقاً يا صديقي إذا كان ظالماً!

ب - وكيف كان يستطيع أن يكون عادلاً؟، إنه لم يكن له أدنى حق في العرش الذي يتربع عليه اليوم لأن أمه كانت جارية (لألكيتيس) شقيق (بردكاس)، وكان هو - تبعاً للعدالة - عبداً لسيد أمه. فلو أراد العمل بالعدالة لخدم سيده وسعد بذلك حسبما تدعي، ولما عرض نفسه للشقاء الهائل بارتكابه أفظع الجرائم وأشنعها. . .

محمد حسن ظاظا