انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 274/تيسير قواعد الأعراب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 274/تيسير قواعد الأعراب

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 10 - 1938



لأستاذ فاضل

- 5 -

قرأت ما كتبته الآنسة الفاضلة (أمينة شاكر فهمي) وظنته رداً علي، وهو في الحقيقة تأييد لي. وسأثبت لها ذلك بعد أن آخذ عليها هذا الاستفزاز الذي يحرك النفوس الجاهلة إلى الثورة على كل جديد ولو كان نافعاً، ويجعلها تقف في سبيل الإصلاح ولو كان حقاً

تقول الآنسة الفاضلة: (لقد تتبعت بشغف واهتمام مقالات الأستاذ الفاضل (أزهري) عن تيسير قواعد الأعراب إلى أن تم بحثه في عملية التيسير والتغيير، فدهشت جداً لما جاء في مقاله الأخير من تطبيق، وما كنت أظن أن موجة التبديل والتحوير تطفو يوماً على اللغة وتمسخها بهذا الشكل الذي ينكره كل مخلص للعربية. نعم إننا نعيش في عصر السرعة التي وفدت إلينا من أمريكا، ولكن غريب أن تطغي السرعة على قواعد اللغة والأعراب فتختصره بهذه الصورة المدهشة التي يقدمها الأستاذ (أزهري) في بحثه الأخير، فقد اختصر وحذف منه حتى كدت لا أتعرفه، وخيل إلي أنني أقرأ لغة أجنبية. وغريب أن يتأثر الأزهريون بحياة السرعة الأجنبية فيستعملوها حتى في اللغة وهم حماتها من كل اعتداء!)

فما هذا الاستفزاز من آنستنا الفاضلة وهي لم تنقض حرفاً واحداً مما قلت؟ بل أنها تشهد بأني جئت بدراسة في تيسير قواعد الأعراب تكاد تكون قيمة لو لم أناقض نفسي بنفسي وأزد في تعقيد الأعراب، وكان من السهل عليها لو تأملت قليلاً أن تدرك أنه لا تناقض فيما جئت به من ذلك ولا تعقيد

وستجد الآنسة الفاضلة في عدد الرسالة الذي نشر فيه مقالها رداً قيماً للأستاذ الجليل (ساطع الحصري) على خلطها بين اللغة العربية وقواعد إعرابها، وظنها أن في الاعتداء على قواعد الأعراب اعتداء على اللغة نفسها، فاللغة العربية شيء وقواعد اللغة العربية (الأعراب) شيء أخر، لأن اللغة بوجه عام تتكون تحت تأثير الحياة الاجتماعية.

أما قواعد اللغة فتتولد من البحوث التي يقوم بها العلماء، وتتبدل بتبديل النظريات التي يضعونها، فهي من الأمور الاجتهادية التي يجب أن تبقى خاضعة لحكم العقل والمنط على الدوام، ولا يجوز لنا أن نتقبلها بدون مناقشة وتفكير، بل يجب علينا أن نعيد النظر فيها، ونطيل التفكير حولها، لنكشف فيها مواطن الخطأ والصواب، ونسعى في إصلاحها وفقاً للطرق المنطقية المتبعة في البحوث العلمية بوجه عام

ومن الواجب على الأزهر أن تكون هذه مهمته في هذا العصر، وأن يتأثر بهذه السرعة التي تقول الآنسة الفاضلة إنها وفدت إلينا من أمريكا مع أنها من أصول ديننا، ومن السنن الصالحة التي سنها أسلافنا، وقد رأت الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها فتياناً يقصدون في المشي، ويتكلمون رويداً، فقالت: ما هذا؟ قالوا: نساك. قالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو والله ناسك حقاً

وما فعلت بما جئت به من مذاهب جديدة في الأعراب إلا أني قضيت بها على ما فيه من حشو لا داعي إليه، وهذا كما في مسألة الأعراب والبناء، فأن تقسيم الكلام إلى معرب ومبني ومبني حشو في النحو لا يدعو إليه ألا ما ذهبوا إليه في الأعراب من تأثره بالعوامل. ولو جعلنا العمل في ذلك للمتكلم لا لهذه العوامل لم يكن هناك فرق فيه بين ما سموه معرباً وما سموه مبنياً، ولأمكننا أن نجعل كلمات العربية كلها معربة، واستغنينا بذلك عن حشو كثير في الكلام على الأعراب والبناء، وفي تطبيقات الأعراب التي نجريها في الأمثلة والشواهد، وليس في هذا أي اعتداء على اللغة العربية، فقد ذهب القراء إلى القول بأعراب الحروف إعراباً محلياً، ومعنى هذا أنها تتأثر عنده بالعوامل كما يتأثر غيرها، وهذا مذهب غريب جداً في الأعراب، لم أصل فيما ذهبت إليه من إعراب الحروف إلي أنها تتأثر في ذلك بالعوامل كما يتأثر غيرها، فهل تعدى القراء بذلك على اللغة العربية؟ وهل اتهمه أحد بهذه التهمة التي تكال جزافاً في عصرنا؟ اللهم لا

وكذلك مسألة الأعراب المحلي والتقديري، فإنه لا يوجد هناك ما يدعو إلى الفرق بينهما، ولا ما يمنع من إدماج الأعراب المحلي في الأعراب التقديري على النحو الذي ذكرته في مقالاتي السابقة، وقد ذهبوا إلى تقدير بعض الحركات من أجل حركة البناء في مثل (يا سيبويه) فلم أفعل إلا أن طردت ذلك في هذا الباب كله، وجعلت الأعراب المحلي إعراباً تقديرياً، لأن الفرق بينهما من الحشو لا يصح وجوده في هذا العالم، بل لا يصح وجوده في العلوم كلها والحق أن كل ما ذهبت إليه في إصلاح الأعراب من القوة بحيث لا يكن معارضته، ولولا تعنت هذا العصر وجموده وجحوده لكان له شأن عندنا غير هذا الشأن، ولوجد من أنصاف العلماء ما يؤثره على مذهب القدماء في الأعراب. وإنه لا يهمنا هذا الجحود والجمود، لأنا بما نكتب في الإصلاح إنما نرضي به أنفسنا قبل كل شيء ونقوم بما نعتقده واجباً علينا، ولا يجني هذا الجمود والجحود إلا على الأمة التي ترضى به، ولا تحاول التخلص منه بعد أن صار بها إلى ما صارت إليه

وهاهي ذي آنستنا الفاضلة تشهد بقيمة هذا الإصلاح الذي أتينا به، ولكنها تقع بعد هذا في سهو ظاهر تنقص بهما هذه الشهادة، والذنب في ذلك عليها لا علينا، لأن ما ظنته تناقضاً في كلامنا لا حقيقة له

فقد بنت هذا التناقض على أنا قلنا في مقالنا الرابع إن الحرف لا حظ له من الأعراب أصلاً، ولو رجعت الآنسة الفاضلة إلى هذا المقال لوجدت أن هذا ليس من قولنا، وإنما هو من قول الجمهور في الرد على القراء، إذ يذهب إلى إعراب الحرف إعراباً محلياً، ويتفق مذهبنا مع مذهبه في ذلك إلى حد ما. ولسنا من الغفلة إلى حد أن نذهب في أول مقال لنا إلى أعراب الحروف إعراباً ظاهراً، ثم نعود فنقول في المقال الرابع إن الحروف لا حظ لها من الأعراب أصلاً

وكذلك لم توفق آنستنا الفاضلة حين أنكرت علينا مخالفتنا فيما أتينا به من تطبيقات للأعراب المعروف في مذهب الجمهور، لأنه لا حرج علينا في ذلك أصلاً، ونحن لم نأت بهذه التطبيقات إلا لنبين للناس مقدار هذه المخالفة، وليس من المعقول أن نخالف الجمهور في قواعد الأعراب ثم نجري تطبيقاتنا على مذهبهم لا على مذهبنا

فلا تناقض إذن في كلامنا، ولا شيء يمنع آنستنا الفاضلة من أن تجعل شهادتها لدراستنا خالصة مطلقة

(أزهري)