انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 269/المسرح والسينما

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 269/المسرَح والسِّينما

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 08 - 1938



السينما المحلية

أجنحة الصحراء

أول أفلام الأستاذ أحمد سالم

نشطت حركة السينما المحلية في السنوات الثلاث الأخيرة نشاطاً يدعو إلى السرور والاغتباط. ولا ريب في أن السينما المحلية ربحت ربحاً كبيراً ببقاء الأستاذ أحمد سالم في ميدانها بعد استقالته من أستوديو مصر. فهو شاب مقدام وطموح، تواق إلى العمل

دخل الأستاذ أحمد سالم الميدان السينمائي مزوداً بكل ما ينبغي أن يتزود به مخرج ومنتج سينمائي، ولا نزاع في أن الأفلام التي أخرجها أستوديو مصر في العامين الأخيرين قد أكسبه الإشراف عليها خبرة ومراناً عملياً تاماً. ومادمنا في معرض الحديث عن الأستاذ سالم فلنقل إن (أفلام الطيران الحربي وحياة الطيارين) هي (مودة) الموسم القادم في أمريكا وأوروبا، وأول فيلم يفتتح به سالم حياته كمخرج ومنتج مستقل هو: (أجنحة) الصحراء. والفلم كله (طيران) وبطله ضابط طيار. . . وفي هذا الاختيار ما يدل على تتبعه لآخر (المودات) في عالم السينما!

والقصة من تأليفه، وموضوعها - كما قدمنا - جديد مبتكر، وخلاصته أن ابناً لأحد كبار الذوات في مصر خطب ابنة عمه وهو طالب طيران في الكلية الحربية. ولما تخرج ضابطاً عين في (مرسى مطروح)، وبعد مدة قضاها هناك عاد إلى القاهرة بطائرته وفيها التقى بعمه وطلب إليه الإسراع بتأثيث المنزل الجديد حتى يستطيع حمل الأثاث إلى مقر وظيفته وحتى يستطيع إجراء حفلة الزفاف قبل انتهاء الإجازة. وفي ذات يوم يكون (الضابط) جالساً في المطار هو وخطيبته فتهبط في المطار طائرة أخرى يملكها ابن أحد الأغنياء الذين لا عمل لهم إلا قضاء الوقت في النزهات والرحلات على متن الهواء. . . وتصاب الطائرة بعطب أثناء نزولها فيخف (الضابط) إلى نجدتها، وبعد أن يتم له ذلك يحدث بينه هو وخطيبته، وبين ركاب الطائرة، تعارف قوي. . .

ومن بين ركاب الطائرة (صديقة) لذلك الشاب الوارث، من بنات الهوى، ترى الضابط ومعه خطيبته، فتشعل بقلبها نيران غيرة عمياء، وتنوي على الفور إفساد ما بينهما واقتناص ذلك الضابط الوجيه لنفسها. . . فتنتهز فرصة غياب (الخطيبة) وتظل تغري الضابط حتى تستميله إليها وتعده بالنزوح معه إلى مرسى مطروح إذا هو تزوجها. . وتعود الخطيبة فيقول لها الضابط إنه قد رأى عدم إتمام الزواج بعد تفكير كثير، وتحار الخطيبة بادئ الأمر ولكنها تعود فتغلب عليها عاطفة (الحبيبة) المخلصة فتضحي بسعادتها وتزور على نفسها رأياً ليس لها، وتعود إلى أبيها فتقول له إنها قررت بعد تفكير عدم إتمام الزواج. . . ويلح عليها والدها في معرفة السبب فتقول له إنها رأت أخيراً أنها لا تحبه. . . وأنها تشعر بأنها لن تكون سعيدة معه. وتذهب بنت الهوى مع الطيار في طائرته إلى مرسى مطروح ولكن عيشة تلك الجهات الحربية الصحراوية لا تروقها، ولا تمضي بها شهور حتى تكون قد شعرت بأنها سجينة، وساعد على نمو هذا الشعور في نفسها أن زوجها كان كثير المهام الرسمية فلم يكن يجد عنده الوقت الكافي لمرافقتها في نزهتها

وبمناسبة أحد الأعياد الإفرنجية تقضي العادة أن تقام حفلة راقصة في (استراحة) المدينة. فانتهزها الطيار فرصة وأسر في نفسه أن يصطحب زوجته معه في تلك الليلة إلى المرقص، لتبهج نفسها، ولترقص، وليغشى بصرها بصيص من نور الحياة الأوربية التي حرمتها مرة واحدة. وإنه لكذلك إذا بإشارة مستعجلة يتسلمها الضابط وكان قد اختير رئيس فرقة لمهارته وذكائه، يأمره القائد العام بالذهاب إلى جهة بعيدة بأقصى سرعة مستطاعة. وإذ كان الضابط لا يعرف نفسه وزوجه قبل أن يعرف واجبه، أسرع إلى طائرته بعد ما أفضى إلى زوجته بجلية الأمر، وانطلق على بركة الله وفي سبيل الواجب. . .

في نفس تلك السويعات يصل إلى مرسى مطروح ابن الذوات الذي كان الضابط قد أنقذه، وكان طبيعياً أن يفكر - أول ما يفكر - في زيارة منزل الضابط الذي أنقذه والذي توشجت بينه وبينه عرى صداقة وثيقة، ويذهب إلى المنزل فلا يجد الضابط ويجد زوجته، فلا تكاد تراه ولا يكاد يدعوها للذهاب معه إلى الليلة الراقصة، ويفهمها أنه جاء من مصر إلى مرسي مطروح ليرقص في هذه الليلة حتى تستجيب لدعوته، وترافقه إلى الاستراحة حيث البهجة والرقص. ومعلوم أن صداقتها القديمة له لابد أن يكون لها أثرها في موقفهما الشيطاني اللعين وترقص الزوجة، وتمعن في الرقص، وتشرب وتسرف في الشراب، وتمجن وتذهب في المجون إلى آخر الشوط. ويرى ذلك (القومندان) رئيس زوجها الذي يعرف فيه الشرف والاستقامة، فتثور ثائرته ويغار على شرف مرؤوسه، ولكنه لا يجرؤ على أن يفعل شيئاً آنذاك في العلن وعلى ملأ من الناس، ويرى زملاء الطيار ما انزلقت إليه زوجة زميلهم، فيسخطون ويتذمرون. حتى إذا انتهت الليلة عادت الزوجة إلى منزلها بعد أن اتفقت مع (صديقها القديم) على الهرب. . . ويلحق (القومندان) بها ويؤنبها على سلوكها ويفهمها كل ما صدر عنها مما لا يصدر عادة عن الحرائر الكريمات، ولكنها تهزأ بتأنيبه ولا تسمع لقوله فيخرج وقد صمم على الإفضاء إلى زوجها بكل شيء. . .

ولا يكاد (القومندان) يوليها ظهره حتى تجمع ملابسها في حقيبة وتسرع فتلحق بصديقها وتتحرك بهما الطائرة في طريقهما إلى مصر. . . ولكن الطائرة لا تصل إلى مصر إذ يصيبها حادث فتفقد توازنها وتهوى براكبيها في جهة غير صالحة لنزول الطائرات

وكانت إدارة مطار القاهرة تنتظر وصول الطائرة، فلما لم تحضر في الموعد أبلغت الأمر إلى جهات الاختصاص، وجرى البحث عنها دون جدوى، ويقر رأي الجميع على أنه ليس لإنقاذ هذه الطائرة والبحث عنها إلا ضابطنا البطل. . . ولكنه يرفض أن يقوم للمرة الثانية بإنقاذ اثنين خاناه وعبثا بشرفه. . . وأخيراً يصله خطاب من ابنة عمه وخطيبته السابقة - بعد أن تكون قد عرفت كل شيء من الصحف - تعرض عليه حبها من جديد وتطلب إليه أن يقوم بإنقاذ الطائرة المفقودة. . . ويفعل الطيار ذلك، وفي عودته يصاب بحادث من فرط ألمه، بعد أن تكون زوجته قد اعترفت له بأنها هربت ولكنها لم تعبث بشرفه قط، وإن هربها إنما هو لسبب أنها تعيش معه عيشة لم تخلق لها. . . ولا يصحو في المستشفى إلا وابنه عمه إلى جوار رأسه ويستيقظ وزوجته القادمة تداعب شعره وتقبله قبلة الحب والتضحية