مجلة الرسالة/العدد 251/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 251/البريد الأدبي
وفاة الأستاذ السكندري
نعى يوم الثلاثاء الماضي الأستاذ الشيخ احمد الإسكندري بك، وكان وقع نعيه أليماً، فالفقيد أستاذ جليل من المثقفين والمتعلمين، وكان لا يزال كثير النشاط، متوفراً على البحث والدرس، وآخر مواقفه المشهودة تمثيله لمجمع اللغة العربية الملكي في المؤتمر الطبي العربي في بغداد حيث أعلى صوت مصر ورفع كلمتها
تخرج الفقيد في دار العلوم سنة 1898، واشتغل بالتدريس في المدارس الأميرية حتى عين أستاذاً للأدب العربي في دار العلوم سنة 1907، وفي سنة 1911 انتدبته وزارة المعارف للسفر إلى مؤتمر المستشرقين
وفي سنة 1934 استدعته الجامعة المصرية لتدريس الأدب العربي بكلية الآداب. ثم اختير عضواً في المكتب الفني بوزارة المعارف. وكان عضواً في مجمع اللغة العربية الملكي منذ نشأته. وفي فبراير الماضي اختير عضواً في المجلس الأعلى لدار الكتب
ولم يكن الفقيد إبان اشتغاله بالتدريس بالمدرس الذي يحصر جهده في دائرة المدرسة، وإنما دأب - حياته - على دراسة اللغة العربية وآدابها، وكان أثره بارزاً في توجيه الدراسات العربية توجيهاً حديثاً، فهو مؤلف كتاب (الأدب العربي في العصر العباسي، وكتاب (الوسيط) الذي اتخذه كثير من المؤلفين في تاريخ أدب اللغة العربية مرجعاً ومنهجاً، فكان بمثابة الأصل الذي قام عليه كثير من الكتابات في الآداب العربية. وهو أول المؤلفين الحديثين في فقه اللغة ودراسة اللهجات، وأول من قام بتدريس فقه اللغة في دار العلوم
ولجهود الفقيد في الدراسات الأدبية واللغوية أخذ مكانة ممتازة بين العلماء وأفسحت له الأوساط العلمية صدرها فكان فيها السبّاق. وهو آخر طبقة جليلة من الأعلام الذين أنجبتهم دار العلوم مثل المهدي والخضري وحنفي ناصف، فكان لهم في الدراسات العربية أثر خالد
ومما يذكر أن كثيراً من جهود الأستاذ السكندري في دراسة اللغة العربية قام عليها نتاج مجمع اللغة العربية، فمحاضر الجلسات وصحيفة المجمع زاخرة بآثاره ودالة على وفرة علمه
جزى الله الفقيد خيراً عن خدمته للغة كتابه الكريم أسبانية في نظر الرحالين المسلمين
سيدي صاحب الرسالة
بعث إلى صديقي (هنري بيريس) بكتاب غزير المادة يقع في مائتي صفحة من القطع الكبير، ظهر في باريس في مختتم سنة على يد الناشر وعنوان الكتاب ' 1610 1930 (أسبانية في أعين الرحّالين المسلمين من سنة 1610 إلى سنة 1930)
والأستاذ (هنري بيريس) مستشرق فرنسي معروف وهو من أساتذة كلية الآداب في الجزائر، وله طائفة من المباحث تعرض خاصة للأدب العربي ولا سيما الحديث منه. وأما الكتاب الذي بين يدي فيسرد تأثرات من رحل من المسلمين إلى أسبانية ونظراتهم. وإليك أسماءهم: الوزير الغساني (القرن السابع عشر) الزيّاني والغزّال (القرن الثامن عشر)، الكردودي وابن التلاميذ التركزي الشنقيطي والورداني واحمد زكي باشا (القرن التاسع عشر) محمد فريد وأحمد شوقي ومحمد كرد علي ومحمد لبيب البتنوني وسعيد أبو بكر ومصطفى فروخ (القرن العشرون)
وقد جاء السرد على الطريقة العلمية بما قام عليه من المراجع وما غلب عليه من التحليل البعيد الغور. وكثيراً ما نقل المؤلف إلى اللغة الفرنسية بعض النصوص العربية من شعر ونثر تتناول وصف الطبيعة أو النظر في الأخلاق والتاريخ والفن على وجه عام
وفي رأي المؤلف أن المسلمين الذين دونوا رحلاتهم الأسبانية ينقسمون قسمين: أما الأول، وامتداده من سنة 1610 إلى سنة 1885، فأصحابه عدوا أسبانية وطناً مغتصباً وأهله إخواناً أفسدت النصرانية نزعاتهم وبدلت من عاداتهم، ثم كتبوا ما كتبوا وهمُّهم تقرير الملموس دون تدوين المحسوس. وأما القسم الثاني فأصحابه - وفي مقدمتهم أحمد زكي باشا في كتابيه (السفر إلى المؤتمر) ثم (الرحلة الكبرى) والبتنوني (رحلة الأندلس)، ومصطفى فرّوخ - (رحلة إلى بلاد المجد المفقود) بيروت - فقد عدوا أسبانية (الفردوس المفقود) فأطلقوا ألوان شعورهم تحسراً على ما ضاع وفخراً بما كان وغضباً مما حدث وفيهم المؤرخ والشاعر والسياسي والاجتماعي والفنان. ثم رأوا أهل أسبانيا قوماً لهم معايب ومحاسن. أما هذه فترجع في الغالب إلى أرومتهم العربية، وأما تلك فتصدر في الغالب عن الحضارة الأوربية وعن العنصر الأسباني الأول. فجاءت كتابتهم أقرب إلى التأثر منها إلى التفكر، وطريقتهم ألصق بالذاتية منها بالموضوعية على ما يطرد في رحلاتهم من ألوان الوصف الدقيق للأخلاق والعادات والعمران واللغة والفنون
واسلم سيدي الأستاذ، لمن يخلص لك الود
بشر فارس
بعثة السرجون مري ونتائج رحلتها العلمية
تلقت إدارة الأحياء المائية منذ أسبوع ثلاث رسائل جديدة من بعثة السرجون مري العلمية البحرية عن نتائج رحلتها الأوقيانوسية
وإحدى هذه الرسائل وضعها المستر (ما كان) من أعضاء البعثة عن (نجوم البحر)، وهي من الأحياء المائية التي تعيش في المحيط الهندي، وقد ذكر فيها أن البعثة أحصت من هذه الأحياء 1160 نوعاً تنقسم إلى 53 قسما منها 18 نوعاً جديداً كشفتها البعثة في رحلتها الأخيرة إلى الأوقيانوس الهندي، وأطلق على أحد هذه الأنواع اسم الكولونل سيول رئيسها، وسمي نوع آخر باسم الدكتور حسين فوزي مدير إدارة الأحياء المائية وكان من أعضاء البعثة المصريين، وسمي نوع آخر باسم الدكتور عبد الفتاح محمد (من الأعضاء المصريين أيضاً) ونوع باسم السفينة (مباحث)
والرسالة الثانية وضعها الدكتور محمود رمضان عن الأحياء المائية ذوات القشور كالجمبري ونحوه
والثالثة وضعها الدكتور ستوبج الأستاذ في متحف التاريخ الطبيعي في لندن عن نوع من الأحياء المائية يدعى (البترويودا)
مؤتمر مشاكل الشباب - دعوة مصر للاشتراك فيه
تلقت وزارة الخارجية دعوة موجهة إلى الحكومة المصرية للاشتراك في مؤتمر دولي (لدراسة مشاكل الشباب) يعقد في غضون الصيف القادم بنيويورك
وقد أحالت الخارجية تلك الدعوة إلى وزارة المعارف، قرأت إخطار الجامعة المصرية بنبأها حتى إذا رغبت في الاشتراك فيه اتخذت التدابير لإيفاد من ترى إيفادهم لتمثيلها في المؤتمر المشار إليه وقد درجت أمريكا على عقد دورات هذا المؤتمر فيها وأخذت في بث الدعاية له في الممالك والحكومات المتباينة. ولم تغفل أوساط الشباب وبيئاته بل تمنحهم امتيازات تحببهم في السفر إليها للاستفادة منه
ويتناول المؤتمر بالبحث والدراسة كل ما يتصل بحياة الشباب ومشاكله، وتوجيه الرغبات للحكومة بحلها على ضوء النظريات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية الجديدة
مصر والآداب الفرنسية
نشرت جريدة (الجورنال) مقالة مسهبة للمسيو فرنسوا بياتري بعنوان (مصر والآداب الفرنسية) امتدح فيها سير الحياة العلمية والأدبية في مصر وأظهر ما للمدارس الفرنسية من الشأن العظيم، وقال إن عدد الأساتذة والمدرسين فيها يبلغ 2485 منهم 782 من الفرنسيين و 1703 من المصريين والسوريين وأما مجموع عدد الطلبة فيها فيبلغ 41 , 524 منهم 1965 من الفرنسيين
ثم نوه بمزايا التفاهم والاتفاق بين البعثات الفرنسية الدينية والعلمية ووصف ما انطبع في نفسه من زيارته الأخيرة لمصر حيث كان من أعظم بواعث سروره أن يرى أن أثبت وأرسخ تحالف هو التحالف العسكري الأدبي
أبو تمام أيضاً
سيدي الأستاذ
في الرسالة (250) كتب المخرج المسرحي الكبير الأستاذ زكي طليمات كلمة بديعة عن المذهب الرمزي في الأدب. ولقد تناولت كلمته الأدب الإسلامي فذكر الخيام وشعر الخيام
فليسمح لي إذن أذكره بشاعر آخر هو - في نظرنا - خير من يمثل الرمزية في الأدب العربي كله. وهذا الشاعر هو حبيب بن أوس الطائي المعروف بأبي تمام. فرمزية أبي تمام هذا تستحق منا - في الحقيقة - جزءاً غير صغير من عنايتنا إذا نحن نظرنا في الرمز بصفة خاصة، وفي الشعر العربي بصفة عامة
فإذا اتسع لهذا القلم العاجز صدر الرسالة الفاضلة، استطعنا أن نهدي إلى الأستاذ طليمات باقة صغيرة من رمزية أبي تمام، كرمز تقدير له. . . والسلام عليكم ورحمة الله م. وهبه
نزيل بالقاهرة
حول الدوس هكسلي
اطلعت في عدد الرسالة الأخير في باب (البريد الأدبي) عن (الدوس هكسلي) على بعض أخطاء أحب أن أصححها لكاتبها فقد ذكر أن (أوليسيس) من تأليف (إليس) والواقع أن أوليسيس كتاب شهير من تأليف جريس وهو أهم مؤلفاته وترجم إلى لغات كثيرة. والخطأ الثاني أنه ذكر أن أليس ألف كذلك (قصة) رقصة (الحياة) ورقصة الحياة ليست قصة وإنما هي كتاب فلسفي لها فيلك أليس. أرجو يا سيدي الأستاذ أن تنبه صديقنا لما ذكرت ولأخطاء مماثلة عن الدوس هكسلي نفسه منها أنه حفيد هكسلي الكبير لا ابنه كما ذكر الكاتب الفاضل. . . ودمت للمخلص الشاكر
ناجي
معهد الشواذ - تأليف لجنة لدراسة المشروع
عهدت وزارة المعارف إلى لجنة من موظفيها، دراسة مشروع إنشاء معهد للشواذ، مؤلفة من حضرات الأساتذة ناظر معهد التربية ومراقب التعليم الابتدائي وأحد أساتذة معهد التربية، وناظر فاروق الأول الثانوية، ومدير متحف التعليم الذي يتولى أعمال السكرتيرية
وستكون مهمة تلك اللجنة دراسة المشروع من حيث حاجة البلاد إليه، ووضع البرامج والخطط الدراسية اللازمة له، والنظام الذي يتبع فيه وإعداد المدرسين الذين تتألف منهم هيئة التدريس
ويظهر أن الرأي متجه إلى أيفاد بعثات للتخصص في شئون الشواذ، وقد طلب إلى اللجنة المشار إليها إنجاز مهمتها على وجه الاستعجال، حتى تتمكن الوزارة من تنفيذ المشروع في السنة الدراسية القادمة
كتاب هندي عن مدينة الغرب
زار الدكتور ف. كاراكا - وهو من خيرة المثقفين الهنود - طائفة من ممالك الغرب ليخبر مدى ما بلغته من المدينة ومقدار ما أدركته من الحضارة، ثم عاد ليكتب مؤلفه أو رحلته إلى الغرب. وقد صدر هذا الكتاب منذ أسبوعين فأثار ضجة كبيرة وكان لصدوره صدى عظيم خصوصاً في إنجلترا. فقد أرسل المؤلف لسانه في الحضارة الإنجليزية، ونال منها بقلمه ما لم ينال منها قلم آخر من قبل. وقد تصفحنا الكتاب فرأينا المؤلف يكتب كوطني هندي ينقم على الإنجليز كل ما تلقى الهند من مصائب ويعزو إليهم تأخرها وانحطاطها بما سلطوا عليها من رجال (الطبقة الثانية) كما يسمى القائمين بالأمر منهم في بلاده، ويقصد بهم هذه الفئة العسكرية التي تتكلم بالسيف وبالمدفع، وتحكم الملايين من بني جلدته بالحديد والنار، وتضحك على عقول أغنياء الهنود باللآلئ والأحجار الثمينة، في حين تنكر الخبز على الفقراء والملح على المعوزين
وليس على المؤلف في هذا ملامة، ولا عليه من تثريب لكن الملامة والتثريب في هذه النظرة السوداء القائمة التي ينظر بها المؤلف إلى أرقى حضارات التاريخ، ثم هذا التقرير الوجداني المتفزز لثمرات تلك الحضارة. . . وما دام يفكر الهنود بمثل تلك العقلية فلن يخلصوا من ربقة الاستعباد. . . وقد شهدنا كيف انهزم مغزل غاندي أمام أنوال لانكشير، وكيف انكمش غاندي وتقاعس، لأنه لم يتخذ الوسائل الحديثة لتدعيم الحركة الهندية، بل آثر عليها المغزل والعصيان المدني والصوم. . . وهي وسائل ضعيفة واهية هي إلى الشعر الصوفي أدنى من البخار والكهرباء والغازات.
وفاة الشاعر محمد إقبال
يعز على الرسالة أن تنعى لقرائها وللعالم الإسلامي خاصة والعالم الإنساني عامة وفاة الشاعر الفيلسوف محمد إقبال الهندي الذي وقف ذكاءه المتوقد وعلمه الواسع وشاعريته السماوية على الإشادة بفلسفة الإسلام ومقاصده العالية، ودعوة المسلمين إلى أن يعتصموا بها فلا يتهافتوا في مهالك العصر الحاضر. ولم يقصر في دعوة البشر كافة إلى الوئام والسلام والسمو فوق السفاسف التي يعتركون عليها والمذاهب المعوجة التي يوغلون فيها. وقد خلف إقبال للأدب والفلسفة كتباً كثيرة في الأوردية والفارسية والإنجليزية هي تراث عظيم من شاعر فيلسوف كبير. وستقضي الرسالة في أعدادها التالية حق الرجل النابغة الذي عرفه قراؤها فيما تُرجم من شعره ورُوى من أخباره