مجلة الرسالة/العدد 247/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 247/البريد الأدبي
توحيد برامج التعليم في الشرق
علمنا أن الأستاذ الجليل محمد العشماوي بك وكيل وزارة المعارف يفكر في عقد مؤتمر عربي شرقي في القاهرة لدراسة الحالة العلمية والثقافية في البلاد الشرقية لمعالجة مشاكل التعليم معالجة تقوم على أساس صالح، وتستند إلى هدى القواعد التي تقررت في التربية الحديثة بما يلائم روح الشرق ويتمشى مع شخصيته. ولعل الباعث لهذه الفكرة ما لقيه المؤتمر الطبي العربي الذي عقد أخيراً في بغداد من النجاح وما ترتب عليه من النتائج الطيبة التي قوّت الروابط وأحكمت الأواصر.
وتتجه الفكرة لعقد هذا المؤتمر على أن تقوم هيئات المعلمين في مصر بتوجيه الدعوة إلى مثيلاتها في أنحاء الأقطار الشرقية، على أن تقوم الحكومة المصرية برعاية المؤتمر من الناحية المادية، وبكل ما يتصل بتكاليف المؤتمر. وقد علمنا كذلك أن بعض الهيئات المشتغلة بشؤون التعليم مهتمة جد الاهتمام بإخراج هذه الفكرة إلى حيز الوجود في وقت قريب، ولا شك أن انعقاد هذا المؤتمر سيكون له شأن كبير في التقريب بين الأمم الشرقية، وأن اتحاد برامج التعليم فيها سيكون أكبر عامل في إيجاد الوحدة العربية التي تتلهف عليها النفوس منذ أزمان.
المؤتمر الدولي للجذام
انعقد في يوم 21 مارس في مدينة القاهرة المؤتمر الدولي للجذام، وهو المؤتمر الذي نظمته الحكومة المصرية بالاشتراك مع الجمعية الدولية للجذام، فكان أول مؤتمر من نوعه وفي أهميته وخصوصاً أن مرض الجذام مرض خبيث لم يكتشف للآن المصل الواقي من شره، وكل وسائل العلاج المعمول بها الآن إنما هي عزل المرض وهي في الواقع طريقة للوقاية لا للعلاج، فمن صالح الإنسانية ومن البر بها أن يجتمع أعلام الطب من كل دولة للبحث في شأن هذا المرض العضال.
ولقد تفضل جلالة الملك فافتتح الجلسة الأولى للمؤتمر، وقد رفعت بهذه المناسبة أعلام الدول التي اشتركت فيه على دار الأوبرا الملكية، ويبلغ عدد تلك الدول 55 دولة ويبلغ عدد الأعضاء الذين اشتركوا فيه حوالي ثلاثمائة. وقد أقام معالي وزير المعارف حفلة تعارف بين الأعضاء بفندق الكونتننتال، ثم أقام الوفد الفرنسي حفلة أخرى ألقى فيها (عمدة باريس) خطبة نوه فيها بأهمية عقد الاجتماعات العلمية الدولية لخير الإنسانية عامة وخصوصاً لبحث الأمراض المستعصية مثل الجذام، وأشاد بفضل مصر في كرمها ودعوتها، ثم وجه الدعوة للمؤتمرين بالنيابة عن الحكومة الفرنسية وعن بلدية باريس أن يكون الاجتماع الثاني للمؤتمر في مدينة باريس أملا أن تجاب الدعوة.
وقد شكر له الدكتور محمد خليل عبد الخالق بك سكرتير عام المؤتمر تلك الدعوة ووعد بعرضها على لجنة تنظيم المؤتمر المصرية
القرآن في نظر الغربيين
ألقى الدكتور خالد شلدريك محاضرته الثالثة بقاعة المحاضرات بدار المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين بالقاهرة في موضوع (القرآن الكريم في نظر الغربيين)، وقد بدأ محاضرته بالكلام عن الأناجيل والكتب السماوية المنزلة، ثم تكلم عن الحروب الصليبية وتأثيرها في نهضة الغرب وإيقاظ الشعوب الأوربية، فإن الصليبيين نقلوا من فلسطين المدنية والثقافة وكثيراً من المعارف والمظاهر التي لم تكن تعرفها أوربا في ذلك العهد، حتى لقد كانت تغط في نوم عميق من الجهل، وترسف في قيود التعصب الممقوت والتدهور الأخلاقي. ثم أنتقل الأستاذ المحاضر إلى الكلام عن ضعف الدعاية الإسلامية في أوربا، وعدم وجود تراجم صحيحة للقرآن غير ترجمة (بكتول) الذي اعتنق الديانة الإسلامية عام 1909، وقد أطلق على كتابه أسم (ترجمة معاني القرآن)، ولكن من المتعذر على كل أوربي اقتناء نسخة من هذه الترجمة لفداحة قيمتها، ثم ألمع إلى استعداد الأوربيين والأمريكيين لدرس تعاليم الدين الحنيف إذا ما وجدوا إلى ذلك سبيل.
ثم ختم محاضرته بالإشارة إلى إيجاد جبهة دينية منيعة لصد التيارات الشيوعية والاشتراكية وغيرها من المذاهب الاجتماعية الجديدة التي تخالف الأديان السماوية، وتهدد المبادئ الصالحة، والأخلاق والعقائد. وبهذه المناسبة نقول: إن القائمين بالأمر في مصر قد عادوا يهتمون بمسألة ترجمة معاني القرآن، وهم يرون إدخال عناصر جديدة مهمة في اللجنة التي كانت قد تألفت لذلك من قبل.
اللغة الإيرانية والحروف اللاتينية تريد الدولة الإيرانية أن تصنع بلغتها صنيع تركيا الجديدة، فهي تعمل على أن تخلص معجمها من الألفاظ المستعارة والدخيلة وأن تكتبها بحروف لاتينية كما فعلت الحكومة التركية منذ سنوات. وقد عقد في 18 الجاري مؤتمر لغوي برياسة جلالة الشاه، وجرى البحث حول تنقية اللغة الإيرانية من الألفاظ الأجنبية، وقد استعان المؤتمر ببعض المعمرين على انتقاء ألفاظ إيرانية قديمة لتستعمل مكان الكلمات الأجنبية؛ ولكن لما طرحت على بساط البحث قضية استبدال الحروف اللاتينية بالحروف الإيرانية الفارسية، لاقت معارضة قوية بحجة أن هذا التغيير يفقد اللغة الإيرانية قيمة مؤلفات أثرية واجتماعية لا يمكن نقلها إلى الإيرانية بحروف لاتينية؛ ولذلك تأجل البحث في هذه المسألة إلى وقت آخر حتى يتم النظر في هذا الاعتراض القائم
ترجمة القرآن في ألبانيا
اتجهت الأفكار في بولونيا إلى تعريب القرآن ونقله إلى لغة البلاد وهي اللغة الأرناؤوطية، وقد جاء في البريد الأخير أن الحكومة هناك دعت رؤساء الدين إلى اجتماع عام في دار الحكومة حضره جلالة الملك أحمد زوغو، وقد تناول البحث ترجمة القرآن، ولعل من المعلوم أن اللغة الأرناؤوطية تكتب بحروف لاتينية من قبل الحرب العالمية، وليست مسألة ترجمة القرآن إلا مظهراً من مظاهر نهضة شاملة في النواحي الإسلامية تقوم بها الحكومة في تلك البلاد.
الكشف عن مسجد الحجاج
كانت دار الآثار في بغداد قد قررت في السنة الماضية أن تأخذ على عاتقها القيام بأعمال التنقيب في أطلال (واسط)
وقد جاء في البريد الأخير من بغداد أن التنقيبات التي أجريت كشفت عن مسجد صغير ومسجد كبير ومقبرة وضريح وحصن وسوق، وقد عرضت الآثار التي استخرجت من الآثار المذكورة في غرفتين من غرف دار الآثار العربية
ولم تترك هذه التنقيبات مجالاً للشك في أن المسجد الذي كان قد اكتشف في السنة الماضية هو المسجد الذي شيده الحجاج بن يوسف الثقفي عند تأسيس المدينة، وقد أسفرت أعمال الحفر عن وجود ثمانية صفوف من الأعمدة الحجرية الضخمة، ويبلغ قطر كل منها تسعين سنتيمتراً، والقسم الأعظم منها منحوت ومزخرف بأشكال بديعة. وقد أدى اكتشاف مسجد الحجاج بهذه الصورة إلى تعيين موقع قصر الإمارة، وتتوقع دار الآثار أن التنقيبات التي ستجري خلال هذا الموسم وفي المواسم القادمة ستسفر عن نتائج علمية مهمة تتصل بتاريخ القرن الأول للهجرة.
تذكارات مدام كوري
أذاعت الآنسة إيف كوري من لندن عن والدتها مدام كوري مكتشفة الراديوم، فذكرت كيف كان والداها يدينان بالعلم ويخلصان له، ويعرضان حياتهما للخطر الشديد في سبيل استكناه أسراره؛ فلما اكتشف اثنان من العلماء الألمان عنصر الراديوم سنة 1900 ظل اكتشافهما بدون قيمة حتى أجرى آل كوري تجاربهما في جسميهما فوجداه يحرق ويحترق. ولم يقف فقر آل كوري في سبيل النجاح المنشود، بل كانا يجريان تجاربهما في بيت خرب (غير مبلط) ذي شبابيك مهشمة (بدون زجاج) وكانت لهما طفلة غير إيف، كانت صرخاتها تشحذ فيهما همة العلماء الراسخين في العلم، وقد حدث أن منحت إحدى الجمعيات آل كوري ميدالية علمية ذهبية، فسخر بها الوالد العالم، ودفع بها إلى الطفلة تلعب بها، وهو ينظرإلى جدران غرفته وشبابيكها ويتنهد من أعماقه، ولولا أن أسعفه الحظ فنال جائزة نوبل للعلوم مرة ونالتها زوجته مرة أخرى، لما عرف العالم قيمة الراديوم إلى اليوم.
الإذاعة المصرية
أخذت محطة الإذاعة المصرية تنشط من سباتها قليلاً، وأخذت تعني بنواحي الجد من الحياة، لكنها لم تنتبه بعد إلى أنها أداة هامة من أدوات تربية الذوق المصري من جهة وأداة هامة من أدوات الإعلان عن مصر من جهة أخرى - فهي ما تزال تذيع الاسطوانات الرقيعة وما تزال تحجم عن معاملة المغنين الذين هم من الطبقة الأولى كما يقولون.
والمزعج أنه قد تقرر أن يكون لمصر موجة خاصة قوية (100 كيلو) يمكن بها أن تسمع مصر في اليابان وأمريكا، فماذا تذيع مصر على هذه الموجة وزعماء الأدب والفكر لا يزالون بعيدين عن هذه المحطة؟ ويجمل أن ننبه محطتنا إلى إذاعاتها من قاعة يورت، وما تجره هذه الإذاعات من أوخم العواقب على سمعة الأخلاق في مصر، فإنه يقصد إلى هذه القاعة أناس من المهرجين الصاخبين، وهم يذهبون إليها ثملين عادةً، فإذا أخذتهم النشوة خرجت من أفواههم عبارات وأصوات نحسبها لا تشرف مصر في آفاق العالم. . . فلتفهم محطة الإذاعة هذا.
ولقد نشرت الإذاعة البريطانية تقريرها عن سنة 1937، فإذا دخلها 3. 356. 074 جنيهاً، أفيدري القارئ كم من هذه الملايين خصص (للبروجرام فقط) إنه 51 ? من مجموع الدخل أي 1. 729. 615 جنيهاً، والجمهور مع ذاك يطلب المزيد!
هل قتل جوركي؟
حوكم في روسيا في الأيام الأخيرة طائفة من كبار الأطباء الذين كانت تستعملهم الحكومة في طبها القضائي. وقد صدر الحكم بإعدامهم رمياً بالرصاص. والتهمة التي وجهت إليهم هي أنهم قتلوا أو تسببوا في قتل جوركي العظيم (أديب الصعاليك) الذي توفى منذ عامين والذي كان أعظم رجل يعيش في روسيا إن لم يكن في العالم أجمع، كما تسببوا في قتل ولده وقتل كثيرين من عظماء روسيا. وقد ذكرنا في هذا الباب كيف استعبدت الحكومة المخرج الكبير ماير هولد حين أحست أن هواه ليس في صفها فيما ينتجه للمسرح السوفيتي - وهذا دليل على أنه المتهم الأصلي في هذه المحاكمات الأخيرة لم يؤخذ بجرمه، لأنه الحكومة نفسها. وفي الحق لقد كنا دائماً ندهش لموقف جوركي من الطاغية ستالين ومن الثورة البلشفية نفسها، وكنا نجزم أنه موقف منافق لا ينطوي إلا على التسليم الذي يشبه تسليم العجائز، ولا يبعد أن يكون ستالين قد عرف ذلك من سيد أدباء الروس فدبر له هذه القتلة الشنيعة بأيدي أولئك الأطباء المساكين.
مصر والثقافة العربية في اليمن
أوفدت الجامعة المصرية منذ عامين بعثة من أعضاء هيئة التدريس بكليتي العلوم والآداب إلى اليمن، وقد انتهت من دراسة طائفة كبيرة من المسائل التي وقفت عليها في بلاد اليمن دراسة علمية بحتة، ولا تزال بعض تلك المسائل قيد البحث والدراسة
وقد أعدت البعثة تقريراً أولياً عن الأعمال التي قامت بها في بلاد اليمن، والأبحاث التي وفقت إليها وقامت بها على الهضاب المرتفعة وداخل وديان حضرموت.
أما فيما يتصل بالثقافة العربية في تلك البلاد، فإن عضو كلية الآداب يضع تقريراً في هذا الشأن، ومما قال فيه: أن العراق اكثر عناية بإذاعة الثقافة العربية في تلك البلاد، وإن المستقبل لها في اليمن، على أن في إمكان مصر أن تنشئ العلاقات بينهما وبين اليمن بتقوية المحطة الإذاعة اللاسلكية المصرية، ووضع برنامج تعني فيه الحكومة بأمر الثقافة التي تلائم اليمنيين؛ وفي إمكان مصر كذلك أن توفد البعثات العلمية إلى تلك البلاد، وأن تعد برنامجاً لمحاضرات تلقى في مصر عن اليمن يتناول فيها المحاضرون حال تلك البلاد من مختلف الوجوه.
ومما يجمل ذكره أن بعثة من مختلف المعاهد الإنجليزية قد زارت اليمن، وقامت بعدة أبحاث ودراسات وأن النتائج التي انتهت إليها هذه البعثة تتفق تماماً والنتائج التي انتهت إليها بعثة الجامعة المصرية التي أذيعت منذ حين في الأوساط العالمية العلمية والأدبية
محاضرات في النبات المصري القديم
تقيم في مصر الآن السيدة فيفي لورنت تكهولم، إحدى الأجنبيات المشتغلات بالنباتات المصرية القديمة والحديثة. وهي زوج المرحوم العلامة جنار تكهولم أستاذ علم النبات بكلية العلوم الأسبق بالجامعة المصرية، ومؤسس هذا العلم فيها سنة 1925.
وقد دعت الجامعة هذه السيدة لإلقاء محاضرات في هذا العلم على طلاب السنتين الثالثة والرابعة بكلية العلوم
وكان زوجها قد حضر إلى مصر بعد أن رشحته جامعة سويدية لكرسي النبات في الجامعة المصرية، وبعد وفاته ظلت زوجه تقوم بأبحاثها في هذا الموضوع، وقد زارت مختلف الممالك الأوربية استزادة في هذا الباب، ووفقت لطائفة من المجموعات النباتية النادرة التي تعد ذات قيمة فنية كبيرة في الأوساط العلمية
وقد أعدت طائفة من البحوث في هذا الموضوع واعتزمت تضمينها عدة مؤلفات، فرأت الجامعة إزاء القيمة العلمية التي تعود على مصر سواء في الدراسات الجامعية أم في الدعاية في الخارج، أن تطبع هذه الكتب على نفقتها.
وقد هيأت المؤلفة، مجلدها الأول، ويقع في حوالي 600 صفحة، على أن توالي هذا العمل العظيم.
موسوعة ثقافية عند الهند
صدرت بالإنجليزية موسوعة ثقافية عن الهند اشترك في تأليفها كبار الأدباء الهنود وفلاسفتهم وعلماؤهم وكهنتهم وموسيقيوهم، وساعدهم على ذلك أدباء وعلماء عالميون. فمن الهنود الشاعر الكبير رابندرانات طاغور، والفيلسوف راضا كرشنان، والموسيقي ديليب روي. ومن الأجانب رومان رولان، والسيرجون مارشال. . . الخ. وقد تناولت الموسوعة ديانات الهند وكتبها المقدسة وتاريخها القديم والحديث وعلومها وآدابها وفنونها، وقد خصت كاهنها الأكبر (راما كرشنا) بجزء عظيم من مجلداتها الثلاثة، وقد أثار صدور هذه الموسوعة الحافلة البحث القديم المتعلق بمنشأ الحضارة على وجه الأرض، أهو العراق كما برهن على ذلك الأستاذ الأثري ليوناردولي الذي اكتشف آثار أور، والذي أيده في هذا الرأي الدكتور محمد عوض محمد، أم كان منشأ هذه الحضارة في مصر كما برهن على ذلك أكثر علماء الآثار وفي مقدمتهم المرحوم الدكتور أليوت سميث الأستاذ بمدرسة الطب المصرية (قبل ثلاثين سنة)، أم أن تلك الحضارة قد نشأت في الهند في مقاطعة البنجاب وحوض نهر السند كما يقول بذلك أحد محرري الموسوعة الهندية وهو السيرجون مارشال؟
والعجيب في ذلك الحوار أن كلا من محبذي إحدى هذه النظريات يستند في صحة ما ذهب إليه إلى تقدير السنين العددي لعمر الحضارة التي نشأت في إحدى هذه الجهات، والجميع لا يرجعون بها إلى أكثر من ستة آلاف سنة. فهل فاتهم أنه قد اكتشف في البداري (المدينة المصرية ذات التاريخ المعروف) مجموعة أثرية من أدوات الإنسان الأول يرجع تاريخها إلى ما قبل 12. 000 سنة؟
نسبة بيت شعري
فضيلة الأستاذ الشيخ عبد المتعال الصعيدي:
اطلعت على كلمتك في بريد الرسالة الغراء عدد (245) تسائل فيها قراء الرسالة عن نسبة البيت:
له حاجب عن كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب فأعجبني منك تلك الدقة الأدبية. والبيت كما يقول أبو هلال العسكري في كتابه ديوان المعاني (ج 1 ص 23) لأبي الطمحان مولى ابن أبي السمط. قال أبو هلال: وقول أبي الطمحان مولى ابن أبي السمط:
فتى لا يبالي المدلجون بنوره ... إلى ما به ألاَّ تضيء الكواكب
له حاجب عن كل أمر يشينه ... وليس له عن طالب العرف حاجب
والحق ما يقوله أبو هلال فقد عرف مروان بن أبي حفصة وروى له في ديوانه ولقبه بأبي السمط (ج 1 ص 65) فلو كانت الأبيات له لما خفي عليه، وقد اتفق مع الرواة في رواية البيتين معاً، وأبو هلال أحق بالقبول من كتاب البلاغة في هذا المقام. أما أبو الطمحان فهو حنظلة بن الشرقي القيني أدرك الإسلام ومات قبل الهجرة: ذكره أبو تمام في حماسته وابن حجر في الإصابة وضبطه القاموس.
عبد الحسيب طه
تطور يتطور تطوراً
الألفاظ العربي قسمان: قسم نبت في (الجزيرة) في الجاهلية وقسم نشأ فيها وفي غيرها من البلاد الإسلامية في وقت (الحضارة العربية). وكتب اللغة المعروفة بالمعجمات حرصت على تقييد القسم الأول. والقسم الثاني (أي جلّ الكلمات العربية) إنما هو في مؤلفات العلم والأدب والمصنفات الخاصة، وهو ينتظر معجماً عاماً شاملاً ينتظمه - وهمة العرب تلك الهمة - يوم القيامة إن شاء الله تعالى. . .
ومن هذا القسم لفظة (التطور) وقد حسب الأستاذ أسعد خليل داغر صاحب (تذكرة الكاتب) وفاضل معروف من مراسلي (الرسالة) في (دار السلام) في هذه الأيام - أنها عصرية جردَيّة، فغلّطاها.
قال الأول: (ويبنون فعلاً من الطور بمعنى الحال على تفعّل فيقولون تطورت الأمور وهم في غنى عن مخالفة المنقول والمسموع بما في اللغة من الأفعال التي تفيد هذا المعنى).
وقال الثاني: (ورأيته يمر على كلمة تطور في دفاتر التلاميذ فلا يصححها، فحاسبته أشد الحساب، فقال: إن الله يقول في كتابه العزيز: (وخلقناكم أطواراً) فقلت: نعم إن الله خلقنا أطواراً ومن أجل ذلك لا يصح أن نتطور يا أستاذ).
وهذه اللفظة - التي غلط هذان الفاضلان في تغليطها - عربية كّيسة حضرية من (بنات الحضارة) وشيخة مسنة عمرها ألف سنة
قال السبكي في (طبقاته الكبرى): (من كرامات هذه الأمة التطور بأطوار مختلفة وهذا الذي تسميه الصوفية بعالم المثال)
وقال ابن خلدون في كتاب (العبر وديوان المبتدأ والخبر): وتطوروا - يعني العرب - بطور الحضارة والترف في الأحوال)
وقال أبو البقاء في (كلياته): (وإيجاد شيء لا عن شيء محال بل لا بد من سنخ للمعلول قابل لأن يتطور بأطوار مختلفة)
وقال الشوكاني في (البدر الطالع) في سيرة أبي الفضل المجدالي: (ثم رحل نحو المملكة المصرية وتطور على أنحاء مختلفة)
فوجب - وهذه أقوال القوم - أن يقبل الأديب العربي (التطور) غير متوقف ولا متلوّم
(* * *)
الوصل والفصل
قال أحد الفضلاء في الجزء (245) من (الرسالة الغراء): (طابت السهرة وطابت ثم طابت) والقائل من الأساتذة الأدباء فكيف عطف (طابت) الثانية على (طابت) الأولى وبين الجملتين كمال الاتصال وهو ظاهر مثل الشمس في اليوم غير المغيم فكيف هذا العطف والاتصال الكامل؟!
ومن أمثلة الفصل عند كمال الاتصال في كلام الله: (أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون) (فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا)
وقد قالوا فيما نحن في لخطر شأنه، وعظم قدره: (قيل لبعضهم: ما البلاغة؟ قال: (معرفة الوصل من الفصل) وهذا القول في (العقد). وفي (دلائل الإعجاز): (العلم بما ينبغي أن يصنع في الجمل من عطف بعضها على بعض أو ترك العطف فيها قد بلغ من قوة الأمر أن جعلوه حداً للبلاغة؛ ذلك لغموضه ودقة مسلكه، وإنه لا يكمل للإحراز الفضيلة فيه أحد إلا كمل لسائر معاني البلاغة. وأعلم أنه إنما يعرض الإشكال في (الواو) دون غيرها من حروف العطف).
وعبد القاهر في طبّ الكلام حذام
فالأديب الأريب لا يصل ما يجب فصله، ولا يقطع (من) يجب وصلها أو وصله. . .
(الإسكندرية)
(* * *)
تصحيح
في النقلة (356): (كأن دنيته عليه) وهي: كأن دنية عليه. وفي النقلة (358): (حرمته مأواة ومرعاه) وهي: حرمته ماءه ومرعاه.