مجلة الرسالة/العدد 246/محمد الزوج
مجلة الرسالة/العدد 246/محمد الزوج
مؤامرة في بيت الرسول
للأستاذ محمود غنيم
- 1 -
دنت الرءوس من الرءوس، وهمست الأفواه في الآذان أن رسول الله غاضب. ورسول الله غاضب حقاً، غاضب على نسائه جميعهن حتى عائشة - كم لعائشة من دالة عليه! - لقد كان يطوف بأبوابهن أصيل كل يوم، فما باله الآن في عزلة تامة لا يطرق لإحداهن باباً، ولا يكشف لها حجاباً؟
طال غضب الرسول، وطال احتجابه، فلم يعد الأمر سراً يحبس في الصدور، أو يتناجى به اثنان في همس، ولكنه تجاوز الصدور إلى الشفاه، والإسرار إلى الإعلان، والاثنين إلى الجماعة، حتى أصبح حديث الأندية في يثرب، وموضع التكهنات والتخرصات؛ والغمرة لا تنجلي، والغمام يتراكم في الأفق، واللازبة تشتد، حتى ترددت على الألسن كلمة (الطلاق) بما تحمل في طياتها من بشاعة وهول، وحتى أشيع أنه على وشك الوقوع، أو أنه وقع فعلا وقضي الأمر
ولكن أين أبو بكر وعمر؟ أين كبار المهاجرين والأنصار؟ ألا يقابلوا الرسول فيضعوا حداً لهذه التخرصات؟ كلهم تحدثه نفسه بذلك، ولكنه لا يقدم عليه. إن رسول الله ملء العيون، ملء القلوب، فلا يكلم إلا حين يبتسم؛ ولكنه عابس الوجه متغضن الأسارير، فمن هو الشجاع الذي يغامر بنفسه في هذا الميدان؟ لهم أن يخوضوا المعامع، ويقتحموا على اليهود حصونهم، ويرووا ذباب سيوفهم من دماء المشركين في بدر؛ أما أمام الرسول فهم عيون خاسئة، ورءوس منكسة، وأفئدة هواء
إيه يا نساء النبي، ويا أمهات المؤمنين، ما فعلتن برسول الله؟
- 2 -
عجباً لرسول الله! تجبى إليه الأموال من كل فج في جزيرة العرب، ويضع يده على كنوز خيبر وقريظة والنضير، وتنصهر خزائن اليهود في لظى الحروب التي شنها عليهم، ث يعود إلينا صفر اليدين، طاوي البطن، ونحن نشاركه الطوى، ونقاسمه ألم الحرمان، أيرضيك هذا يا عائشة؟ وأنت يا حفصة؟ أجيبي يا سودة. وأنت يا أم سلمة مالك لا تتكلمين؟
على هذا النحو من الحديث جرت الألسنة في بيت عائشة، وقد انعقد المؤتمر من أمهات المؤمنين، وكلهن تائق إلى شيء من الترف يرجو أن يساهم فيما أفاء الله على رسوله، بعد أن حملت إليه الجزي، ووصلت إليه هدايا أرباب التيجان؛ فإذا هو يبعثر النضار ذات اليمين وذات اليسار، ثم يقنع بالعيش الظليف، والمأكل الطفيف، وينام بجانب زوجاته على بساط من أدم حشوه ليف
أوَ ليس من حق نساء النبي أن يطمحن إلى ما هو فوق هذا المستوى من المعيشة، ويتطلعن إلى لون آخر من ألوان الحياة؟ ولم لا يفعلن وفيهن بنت أبي سفيان، وأبو سفيان زعيم قريش، وفيهن بنت حي بن أخطب، وحي كبير بني النضير، وفيهن غير هاتين ممن كن يرفلن في مطارف النعيم، ويجررن أذيال الرفه في بيوت آبائهن؟ فكيف لا يتبرمن بهذا اللون من الحياة الذي يعالجنه في بيت رسول الله؟
ولقد كن يلتمسن له شيئاً من العذر لو لم يكن هذا الشظف من صنع يده، ووليد زهده، وعزوفه عن الدنيا؛ أما والأمر ليس كذلك، فما هن والصبر عليه؟
لقد اتسعت آفاق معلوماتهن عن الدنيا، وعرفن كثيراً عن قيصر في الروم، وكسرى في الفرس، والنجاشي في الحبشة، والمقوقس في مصر؛ وهن يرين أنفسهن تحت أمير تدين له جزيرة العرب بالطاعة لا يقل خطراً عن هؤلاء الأمراء
وهل المرأة إلا المرأة منذ تحدرت من أعماق التاريخ إلى أحدث عصور المدنية والنور؛ امرأة البدو، هي هي امرأة الحاضرة؛ همها الأول زينتها. هي من ناحيتها تريد أن تساعد الطبيعة التي سلحتها بالنعومة والجمال أداتي جاذبية وإغراء لحفظ النسل، كما سلحت الزهرة بطيب العرف وألوان الطيف، حتى تجتذب الطيور فتكون رسلاً تحمل حبوب التلقيح
لم يكن بدعاً إذن من نساء الرسول أن يأتمرن به على هذا النحو، حتى إذا دخل عليهن أحطن به إحاطة السوار بالمعصم، وانطلقت ألسنتهن في حماس ولكن سيد الرسل يعتصم بسيد الأخلاق، ويقابل الأمر بابتسامة هادئة، ثم، ثم لا يفعل شيئاً
- 3 -
ما بال رسول الله يبطئ في بيت زينب؟ ألم يأته نبأ عائشة وسائر زوجاته وهن ينتظرنه على أحر من الجمر، ويعددن له الثواني والدقائق؟
اعتاد الرسول أن يطوف ببيوت نسائه غب صلاة العصر، ولكنه اليوم يحتبس في بيت زينب زمناً طويلا، وعقارب الغيرة تنفث لعابها في نفوس عائشة وصواحبها. وهل تسلم المرأة من الغيرة وإن كانت زوجة رسول؟
انعقد المؤتمر في بيت عائشة، وطرح المسألة على بساط البحث، ثم قرر قراراً طابت به نفوس الجميع
لقد تعودت زينب أن تسقي الرسول عسلا ذات رائحة حادة، فما ضر المؤتمرات أن يتخذن من حلاوة هذا العسل أداة انتقام مرة، وسلاحاً يشهرنه في وجه الرسول؟ إيه يا حفصة! إيه يا سودة! إذا انصرف الرسول عن زينب إلى أيتنا فلتبد شيئاً من الاشمئزاز، ولتقل إني أشم ريح مغافير. ونساء الرسول يعلمن مبلغ حرصه على النظافة، وعلى طيب نكهة فيه، ويعلمن أن الطيب إحدى ثلاث حببن إليه، وأن النظافة وتطهير الجسد حجران يقوم عليها دينه الجديد، فما ضرهن أن يستغللن هذه الناحية في هذا الظرف؟
ثم يتم الرسول طوافه فإذا برائحة المغافير تدخل كل أنف، وتخرج من كل فم، فيحرمه على نفسه، ثم ينكشف له السر
ولكن سيد الرسل يعتصم بسيد الأخلاق، ويقابل الأمر بابتسامة هادئة
- 4 -
زادت العَلاَّت واحدة بميلاد الطفل إبراهيم، وارتفعت مارية الجارية المصرية إلى مصاف زوجات الرسول من الحرائر العربيات. هاهو ذا يأمر أن يقام لها بيت يتاخم بيوت نسائه، بعد أن كانت تقيم بمكان ناء، وينظر إليها نظرة القرين إلى القرين، لا نظرة السيد إلى ملك اليمين. وهاهو ذا يغدو ويروح وطفله على ذراعه يدلله ويناغيه، ويمطر جبينه بوابل من قبلات لا تستشعر لذتها إلا شفاه الآباء، ولم لا يفعل؟ أليس محمد بشراً قبل أن يكون رسولا؟ لقد هدف محمد للستين أو نيف عليها وليس له ابن من صلبه، ولقد تزوج بعد خديجة غير واحدة فلم تبشر إحداهن بخصب. وهاهو ذا يرى حياته تبدأ من جديد، وصفحة طفولته تنشر من جديد في شخص الطفل إبراهيم. فلم لا تقر عينه بطفل، ويرفع أمه إلى مقام الحرية من أجله، ودين محمد يمقت الرق الذي ورثه جيله عن القرون البائدة، ويتشوف إلى الحرية ويتمحل لها الأسباب؟
ولكن عقارب الغيرة تعاود دبيبها من جديد. لقد كانت كل واحدة من أمهات المؤمنين تشتهي أن تكون أم الغلام، فأبت المقادير عليهن ذلك، ومنحته جارية لا تمت إلى العرب بنسب
لا غرو أن يحدث ذلك في نفوسهن غيرة، وإن شئت فقل حفيظة على أم ذلك الغلام. ولعل تلك الحفيظة تجاوزت أم الغلام إلى الغلام نفسه. ولعلهن أسرفن في ذلك حتى هممن بأمر جلل، هممن أن يشككن الرسول في صحة نسبة الغلام إليه حتى أنه ليدخل به يوماً على عائشة، فيوجه نظرها إلى ما بينهما من شبه، فتهز كتفيها هزة النفي والإنكار، بل تصرح بذلك في مواجهة الرسول، فلا يسعه إلا أن يرميها بالغيرة، ثم ينصرف
بيد أن الأمر لم يقف عند هذا الحد
هذه حفصة تغادر بيت بعلها إلى بيت أهلها لبعض الشؤون. وهذا رسول الله في بيت حفصة. وهذه مارية أم الغلام تدخل عليه، ثم يكون بينهما ما يكون بين المرء وزوجه، ولكن حفصة تعود في وقت كان من الخير ألا تعود فيه، فترى مشهداً مريباً، أو تعده هي مريباً، فتعاتب الرسول قائلة: (لولا هواني عليك ما فعلتها) ولكن الرسول يهدئ من روعها، ثم يعتذر، ثم يستكتمها الأمر، فتعد، ولكن متى كان للمرأة - وإن كانت زوجة رسول الله - أن تمسك لسانها عن سر إلا كما يمسك الماء الغرابيل؟
أصبح الرسول فإذا سره أذيع من يوم حليمة، وإذا سائر نسائه يتحدثن به، ويعلقن عليه بما يحلو لهن
وهنا لا يعتصم سيد الرسل بسيد الأخلاق، ولا يبتسم ابتسامته الهادئة، ولكن يغضب الرجل الحليم، وتكون القطرة التي فاضت بها الكأس، والقشة التي قصمت ظهر البعير
لابد من درس قاس يقف هذا التيار، ويعيد إلى منزل الرسول صرح السعادة المنهار، ثم، ثم تكون العزلة ولكن، ليت شعري إلى أي حد كان تأثير هذا الدرس في نفوس أمهات المؤمنين؟
- 5 -
أرأيت ندامة الكسعى على قوسه؟ أرأيت رسول الله وقد فتر عنه الوحي ثلاث سنوات، ذهبت فيها نفسه حسرات، حتى ليكاد يردي نفسه من شاهق؟
تلك هي حال نساء الرسول مدة عزلته - شهر أو قرابته - يقرعن السن، ويعضضن البنان، وتتنصل كل منهن، وتلقي إحداهن التبعة على غيرها، وينحين باللائمة على أنفسهن. ما بالنا نحرج رسول الله؟ أيكون هذا جزاء نصير المرأة من المرأة؟
أي والله ما برزت شخصية المرأة، ولا أخلى لها مكانها في المجتمع إلا محمد؛ محمد الذي انتشل المرأة من الهوان الذي تحدر إليها من أعماق التاريخ. لقد حرم وأدها صغيرة، وجعل لها حق اختيار الزوج كبيرة، وجعل لها نصيباً من الميراث بعد أن كانت العرب لا تورث من يحمل السلاح، ويقدر على الكفاح من الرجال دون النساء، بله الأطفال
أما كانت المرأة عند الأثينيين معدودة من سقط المتاع، حتى أنها لتباع وتشترى في الأسواق؟ أما كان الإسبرطيون يبيحون لأي عدد من الرجال الاشتراك في زوجة واحدة؟ أما كانت بعض طوائف اليهود يعتدون البنت في مرتبة الخادم، ويجيزون لأبيها بيعها، ويحرمونها الميراث إلا عند فقد الذكور؟ أما كانت المرأة تعتبر عند بعض الجاهلية ميراثاُ يورث، حتى أن المرأة لتؤول ملكيتها إلى ابنها بعد وفاة زوجها؟
كان طبيعياً أن يذكرن نساء النبي ذلك كله، وأن يتحدثن مدة عزلة الرسول التي كان وقعها شديداً على أنفسهن. وكيف لا تكون كذلك وقد كان الرسول في بيته نمطاً وحده، يعامل نساءه على أسلوب لم تألفه العرب؟ هو في بيته مثال الدعة والأريحية كثير التدليل والمداعبة لنسائه، حتى ليجترئن عليه بما لا يجترئن به على آبائهن واخوتهن. قال عمر: (راجعتني امرأتي في شأن من الشؤون، فانتهرتها فقالت: عجباً لك يا ابن الخطاب! ما تريد أن أراجعك في أمر وإن ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظل يومه غضبان)
كان النبي صاحب الغزوات والملاحم ينقلب في بيته ملاكاً وديعاً، حتى أنه ليصلي فيتسلق ظهره الحسن بن علي، فيطيل سجوده، حتى يترجل الغلام من تلقاء نفسه. وكان رحيماً بنسائه، حتى أنه لفي بعض رحلاته، ببعض زوجاته، فيغذ قائد راحلتهن السير، فيقول له: (رفقاً أنجشة بالقوارير)
هكذا كانت معاملة النبي لنسائه، فمن لهن بالجلد على جفائه؟ ومن الذي يخرجه من عزلته، ويعيد إليهن سيرته الأولى؟ إنه عمر
- 6 -
ما كان عمر ليسعده التجلد على عزلة النبي أكثر من شهر؛ عمر الرجل الصريح، الشجاع في الحق، الذي ليس أقرب إليه من حسامه ينتضيه في كل موقف، والذي تسلل المسلمون إلى المدينة لواذاً فخرج هو جهاراً نهاراً يقول: من أراد أن تثكله أمه، أو ييتم ولده فليتبعني)
أخذ عمر سمته إلى معتزل الرسول لا يلوي على شيء؛ حتى إذا كان منه عن كثب نادى رَباحا غلام الرسول: يا رباح استأذن لي مولاك في الدخول؛ بيد أن الغلام يدخل ثم يعود بلا إذن. فيعاود عمر الكرة، فيعود الغلام بلا إذن، فيهتاج عمر، فيقتحم المكان داخلا قائلا: يا رسول الله، إن كنت ظننت أنني جئت من أجل حفصة ابنتي، فوالذي بعثك بالحق، لولا رهبتي إياك لوجأت عنقها، ولكني أريد أن تضع حداً لتخرصات المتخرصين
ثم يلتفت عمر، فلا يرى غير قبضة من شعير، وجسد طاهر أثر فيه الحصير، فيبكي حتى تخضل لحيته، ولكن رسول الله يهش لعمر، ويهدئ من روعه، ثم يغادر المكان إلى حجرات أمهات المؤمنين، ثم يأمر بهن، فيدخلن واحدة واحدة، ويبدأ بعائشة:
إيه يا عائشة! إنه قد ألقي قول كريم (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسول والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيما. . . الآيات) فأيهما تختارين؟
أيهما تختار! وهل يحتاج الأمر إلى الروية وكد الذهن؟ ما كان لعائشة أن تختار غير الله ورسوله، وما لغيرها من أمهات المؤمنين أن يخالف عائشة في الاختيار
وبذلك عاود بيت النبي صفاؤه وسكونه، وانقشعت عن أفقه تلك السحابة التي أظلته ردحاً من الزمن، وكان الدرس ناجحاً
- 7 - وبعد، فإنما أردت بهذا الفصل أن أعرض لحياة النبي المنزلية ولبعض المشاكل الزوجية التي كانت تعترضه، ولأسلوبه في معالجة تلك المشاكل، حتى نعرف محمداً الزوج، كما عرفناه محمداً القائد ومحمداً المشرع، وما أكثر عظمة النبي التي تحتاج إلى الدرس والتمحيص. على أن الناحية الزوجية ليست أقل خطراً إذا لاحظنا أن حياة الرسول في بيته كانت بمثابة الحجر الأساسي لكل بيت مسلم، وأن الأمة تتكون من مجموع بيوتها
ولعل القارئ لا يرتاع لتلك المؤامرات التي كانت تدير في بيت الرسول، فقد تكون هينة لينة إذا قيست بما اعتيد تدبيره في بيوت الأمراء من المؤامرات التي تنضح بالدماء
ولقد كانت حياة النبي فترة انتقال في كل ظاهرة من ظواهر الحياة العربية، وكانت المرأة حديثة العهد بالحرية. وقلما يحسن استعمال الحرية من هو حديث العهد بها، كما يحسنه الناشئ عليها الدارج في بحبوحتها
على أن توفيق النبي في إدارة شؤون بيته لم يكن دون توفيقه في حروبه؛ ولعل مما يسترعي النظر أن كثيراً من القواد البارزين الذين عرفوا كيف يديرون دفة السياسة في أممهم، قد عجزوا عن إدارة بيوتهم. ولست أحدثك عن امرأة نوح أو امرأة لوط اللتين ورد ذكرهما في التوراة والقرآن، ولكني أستطيع أن أذكر لك طائفة من أبطال التاريخ الحديث. ولعل من هؤلاء (نابليون) عاهل فرنسا و (مصطفى كمال) عاهل تركيا
ولعل حكمة الرسول في إدارة شؤون بيته تتجلى بشكل أوضح، إذا لاحظت أن سقفه كان يظل أمشاجا من الزوجات، تفصلهن عنه فوارق بعيدة المدى، كما تفصل بعضهن عن بعض أمثال تلك الفوارق، فلقد كان فيهن من تصغره بنيف وأربعين عاما، ومنهن ثيبات كن تحت أزواج قبله، وكان بينهن من اعتنقت الإسلام بعد اليهودية، ومن اعتنقته بعد المسيحية، ومن اعتنقته بعد الوثنية، وكان منهن ابنتا أصفى أصفيائه أبي بكر وعمر، وابنة أعدى أعدائه أبي سفيان، إلى غير ذلك من الفوارق التي تجعل إدارة دفة البيت أمراً عسيراً
وإني لأرجو بعد هذا ألا أكون قد تدخلت بين الرسول وزوجاته إلا بمقدار ما صورت العبرة. والحق أني أشعر في قرارة نفسي أن الموضوع وعر شائك، ولعل وعورته هي التي حببت إلي اقتحامه، وإن كنت أخشى أن يقال لي ما قالت (أم سلمة) أم المؤمنين لعمر بن الخطاب، حينما ذهب إلى بيتها ينحى عليها باللائمة في هذا الشأن فأجابته: (عجباً لك يا ابن الخطاب تدس أنفك في كل شيء، حتى فيما بين الرسول وزوجاته!) فكأنما صبت عليه ذَنوبا من ماء بارد، فغادر بيتها، وانصرف، يقتلع رجليه من الأرض اقتلاعاً
(كوم حمادة)
محمود غنيم