مجلة الرسالة/العدد 238/مهرجان المليك
مجلة الرسالة/العدد 238/مهرجان المليك
للأستاذ محمود الخفيف
بَكَرَت تُفْصِحُ عن وجدانها ... أُمَّةٌ حُبُّكَ من إيمانها
طَرِبَ اللْيلُ على أوضاحها ... وانْجَلَى الصُّبْحُ على ألحانها
وصحا الشرقُ على موكِبِهَا ... وسِمَاتِ العيد في أوطانها
شَاعَتِ الرَّوعَةُ في أفراحها ... وتَجَلَّى الصِّدْقُ في بُرْهانها
أعْلَنَتْ بْعضَ الذي تُضْمِرُهُ ... من مَعَانٍ هن في إمكانها
أبَداً لم تَطْلُع الشَّمْسُ على ... مِثلِ ما تُبدِيه في إعلانها
مَرَحٌ في كلِّ نَادٍ ومُنىً ... تعجز الألسُنُ عن تبيانها
وأحاديث كأنفاسِ الربى ... تَنْهَلُ الأنفسُ من ريحانها
وأغاريدُ كما شاء الهوى ... رَنَّةُ الإخلاص في تحنانها
وَقْعُها في القَلبِ أحلى نَغْمَةً ... من هتاف الورْق في أفنانها
اسُمكَ الميموُنُ في مَطلعِها ... والولاَءُ الحقُّ من أوزانها
مِهْرْجَانُ العُرْسِ لم يسلف به ... زمَنٌ في الغُرِّ من أزْمَانها
لا ولا الشَّرْقُ رأت آفاقُهُ ... مِثلَ هذا السحرِ في أركانها
عَزَّ في الهندِ على أقيالها ... وعَزِيزُ الدُّرِّ في تيجانها
وعلى هرون في أفراحه ... وليالي الأنس من بغَدانها
وأنو شروان في دولَته ... والملوك الصِّيدِ من ساسانها
مِهْرَجَانٌ تشخَصُ الدنيا له ... ومعاني البَهْرِ في أجفانها
طاوَلَ الشمسَ سناءً وسنىً ... وارتدى ما جَلَّ عن عِقْيانها
لَبِسَ الوُدَّ على زينتِهِ ... ومعاني الحب في رَيعْاَنها
زهَرَاتٌ لم تُقَلِّبْها يَدٌ ... أين غالي الدُّرِّ من أثمانها
لم تَشُبْهُ خُدَعُ الدنيا ولا ... سَطوَة الزائِف من سلطانها
صَفْحَةُ الوادي عليها رَوْنَقٌ ... يَمْلِكُ الحُسنَ على شُطْئانها
أخذتْ زُخْرُفَها وازَّيّنّتْ ... بِبَديعِ الوَشيِ من ألوانِ وانْحَنى النَّهْرُ عَلَيْهَا مُعْجَباً ... يَغْبِطُ الفُلْكَ عَلَى رُبَّانها
هَزَّتِ الواديَ من أركانه ... فَرْحَةٌ وأتَتْهُ في إبَّانِها
ها هنا وَرْدٌ، وَرَيْحَانٌ هنا ... ورموزٌ زِيدَ في إتقانها
وطُيُوفٌ حُوَّمٌ خافِقَةٌ ... أرسلتها الخُلْدُ عن ولدانها
وجُمُوعٌ تلتقي مَزهُوَّةً ... بضُروب اللَّهْوِ في ميدانها
فَرْحَةٌ في الكوخ والقصر مَعاً ... في قرى مِصْرَ وفي بلدانها
في صَعِيدِ الأرض، في أبْطَحِها ... في ربوع النيل من سودانها
يَلْتَقي الناسُ عليها عُصْبَةً ... شيبُها والغُرُّ من شبانها
زُمْرَةُ المحرَاب من أشياخها ... ورُعاةُ الدَّيْرِ من رهُبانها
صاحِبُ الجاه على تُرْبَتِها ... وَمُجيلُ الفَأس في غيطانها
رّدَّها في العَيْنِ أبهى مَنْظراً ... قُرَّةُ الأعْيُنِ من غِلمانها
أقْبَلَت والحسنُ في غُرَّتها ... تُبْهجُ النظَّارَ من ضِيفَانها
دَلَّهَتْ مِصرَ وفاضَتْ فَسَرَتْ ... هِزَّةٌ منها إلى جيرانها
مَلِكَ النيل تَلاقَتْ أمّةٌ ... أفْصَحَتْ بالبِشْرِ عن شُكْرَانها
شَكَرَت بَعْضَ الذي أسْدَيتهُ ... فَتَهَانيها صدى عِرْفانها
لكَ في الخير يدٌ هَطَّالَةٌ ... لا تَنِي تُغْدِقُ من إحسانها
وسَجَايَا قد تَفَرَّدْتَ بها ... أَجْمَع الشَّعْبُ على استحسانها
قد حَمَلْتَ العِبَْء فيها يافِعاً ... فَشَأَوْتَ الشمْسَ في مِيزانِها
إن دجا الرأيُ عليها والتوى ... فَسَنا رأُيكَ من فُرْقانها
عَشِقَتْ فِيكَ شَباَباً ناضراً ... دبَّ مثْلَ الروح في جثمانها
تُقبلُ الدنيا فلا تُزْهى بها ... وتُطيع اللهَ في عصيانها
زدْت بالتقوى جَلاَلاً وهُدىً ... وأوَتْ مِنكَ إلى عُنْوانها
أنْبَتَ المجدُ بِمصْرٍ دَوحَةً ... أنت أزكى الشُمِّ من عيدانها
يا مليكا باهت الدنيا به ... أمةٌ تُغُليكَ عن رُعْيانها
أنت يا فاروق في مقلتها ... وهْيَ كالمقْلَةٍ من إنسانها الخفيف