مجلة الرسالة/العدد 238/زفاف فاروق
مجلة الرسالة/العدد 238/زفاف فاروق
للأستاذ محمود غنيم
طربت لعُرسكَ مصرُ يا ابن فؤادِ ... فكأنَّ عُرسك ملتقى الأعيادِ
بالفطر والأضحى الكنانة تحتفي ... فيه، وبالنيروز والميلادِ
في كل قلب مِهرجانٌ قائم ... وبكل أُذْن قام يهتفُ شادِ
ملِك قد اقترن السرورُ بعهده ... فكأنما كانا على ميعادِ
أو ما ترى قلبَ الدجى متوهجاً ... يبدو كقلب الصبِّ يومَ بعادِ
نُقِشَتْ حواشي الِليل نقش صحيفةٍ ... بالنور لا بيراعةٍ ومدادٍِ
لم تبدُ أنجمُهُ لترسل ضوَءها ... لكن لتشهده مع الشهَّادِ
غنَّوْا لفاروقٍ فألفيتُ اسمه ... أشجى صدىً من رنَّة الأعوادِ
وزهت ثُريَّات ٌ حلفتُ بأنها ... ليست كنور جبينه في النادي
قذفوا (النيازك) في الفضاء فخلتُها ... مشبوبةً من عزمه الوقَّادِ
أغنته عن باق الزهور خلائقٌ ... نفاحةٌ مثلُ الزهور نوادِ
ماذا أقول عن البدور وعُرسِها؟ ... عرسُ البدور يجلُّ عن إنشادي
خَلِّ الشبابَ الغضَّ في ريْعانه ... وعراقَةَ الآباء والأجدادِ
ودع العلا والمجدَ ويحك جانباً ... في الصمت ما يغني عن التَّعدادِ
نثروا الزهور وقمت أنثر بينهم ... شعري، وشعري طارفي وتلادي
إن الزهور قصيرةٌ أعمارُها ... وقصائدي تبقى على الآبادِ
شعرٌ تودُّ الحورُ عند سماعه ... لو صغنَ منه قلائد الأجيادِ
قل للشبابِ أصبْتَ أيةَ قُدوةٍ ... في شخص فاروقٍ وأكبرَ هادِ
لما رأى ولَعَ الشباب بكل ما ... في الغرب صاح بهم وقال: بلادي
وبنى بها ريحانةً مصريةً ... معصومة من هُجنة الأولادِ
عذراءُ نضرت الكنانةُ عودَها ... من أهل بيت ناطقٍ بالضادِ
رَشَفَتْ من النيل العتيد رحيقهُ ... وتفيأت منه ظلالَ الوادي
ولو ابتغى شمس الضحى عِرْساً له ... لرأيتها هَبَطَت من الآراد قل للغريب بقلبه وغرامه ... ما أَقفرت مصرٌ من الأغيادِ
لا تَبْنِ بامرأةٍ وتهدمَ منزلاً ... خيرُ الزواج تزاوجُ الأندادِ
لستم بمصريين حتى تؤثروا ... مصراً بكل محبةٍ وودادِ
كم فوق شطِّ النيل أهيف شادنٌ ... فتن الغصونَ بقدِّه الميَّادِ
يرنو بلحظ فاتنٍ بل فاتكٍ ... فتكَ السيوف وهنَّ في الأغمادِ
من عهد (فاتنة القياصر) لم تزل ... مصرٌ مَراحَ نواعِم الأَجسادِ
فاروقٌ كم لك آيةٌ شعبيةٌ ... كبرى تمسُّ شِغاف كلِّ فؤادِ
أحصنتَ في شرخ الشباب وطالما ... ألقى الشبابُ إلى الهوى بقيادِ
قالوا: كبحت النفس. قلنا فارسٌ ... يعتاد منذ صباه كبحَ جيادِ
ومن الشبيبة حكمةٌ ورجولةٌ ... لا تُحْسَبُ الأعمارُ بالأعدادِ
هات المسرةَ واسق شعبك إنه ... شعبٌ إلى كأس المسرةِ صادِ
لم يستظلَّ بمثل عهدك مذ هوى ... عن عرشه فرعونُ ذو الأَوتادِ
دَرَجَت قرونٌ وهو عانٍ مرهَقٌ ... يكفيه ما عاناه من إجهادِ
بعد السهاد يطيبُ للعين الكرى ... والنصرُ يُدرك بعد طول جهادِ
وطنٌ عتيدٌ من شبيبتك اكتسى ... حُلَلَ الشباب قشيبة الأَبرادِ
حتى سألت: أمصرُ في شرخ الصبا ... أم مصرُ أقدم من ثمودَ وعادِ
طوقْتَ أعناق البلاد بطول ما ... أسديت من مِنَنٍ وبيض أَيادِ
فعجبتُ كيف أسرت مصراً بعد ما ... حررتها من رقِّ الاستعبادِ
يا ثالثَ العُمَريْنِ أنت أريتنا ... بالعين ما يُروى عن الزهَّادِ
قد جئتَ في جيل يصلِّي جاهداً ... ويصوم لا لله بل للزادِ
حَرَصوا على الدنيا. وكل جديدةٍ ... تبلى وكلُّ ذخيرةٍ لنفادِ
فلعلَّ أنفسَهم بهديك تهتدي ... فتروجَ سوقُ الروح بعد كسادِ
وهي الحنيفةُ دينُ كلِّ حضارةٍ ... وعدالةٍ وهدايةٍ ورشادِ
شاء المهيمنُ أن تكون عمادَها ... هيهات يتركُها بغير عمادِ
اختلْتَ في رُد الزفاف وفي غد ... تختال في بُرد النبيِّ الهادي إن الخلافةَ كلما ذكر اسمُها ... شخصت إليك حواضرٌ وبوادِ
يا رُبَّ يومٍ فيه قد وفدت على ... مصرٍ، ومصرُ كثيرةُ الوفَّادِ
إنَّا أويناها غداة تشرَّدتْ ... وَعدت على دار السلام عَوَاد
أوَمَا استعارَ التركُ منا تاجها ... لجبين (محمود) ورأس (مراد)
منذا سواكَ يعيدُ عهدَ أُمَيَّةٍ ... بدمَشْقَ والعباس في بغدادِ
أصميتَ بالتقوى صُدورَ معاشرٍ ... مسخوا محيَّا الدين بالإلحادِ
لله إذ تَردُ المصلى خاشعاً ... تسعى إليه بخطوط المتهادي
وكأنَّ ركبَكَ لا يسير على الثرى ... وكأن جبريلاً لركبك حادِ
ملك يتوِّجُ مَفرِقيْه بالتقى ... نورُ الصلاح عليه أبلجُ بادِ
عجباً له يخشى الزمانُ نزالَه ... وعليه تبدو خشيةُ العبَّادِ
إنا عجمنا عودَه فإِذا له ... وجهُ البدور وصولةُ الآسادِ
حلوٌ مريرٌ صارمٌ متسامحٌ ... أرأيت كيف تقابلُ الأضدادِ؟
ما عيدُه إلا غداةَ تعُدُّه ... في شعبه فرداً من الأفرادِ
عرشٌ على الدستور قام أساسُه ... فإذا به أرسى من الأطوادِ
بُوِّئْتَ يا فاروقُ عرشاً كان في ... أيدي فراعنة بمصرَ شِدادِ
هم شاركوا الأرباب في مَلكُوتها ... كم صاح صائحهم وقال: عبادي
ضِمنوا بقاء رسومِهم وجسومِهم ... والحادثات روائحٌ وغَوادِ
قم سائل الأهرامَ عن تاريخهم ... ما فصَّل التاريخَ مثلُ جمادِ
هُنَّ الثقاتُ من الرواةِ برئْنَ من ... عصبية وسَلِمْنَ من أحقادِ
فأعِدْ لنا عهدَ الجدود وهات ما ... تركوا لمن تركوا من الأحفادِ
هَات الذخائرَ والسلاحَ لأمةٍ ... عزلاَء واستكثرْ من الأجنادِ
هذا الزمانُ مسلحُ لا يحتفي ... بعهود سِلْمٍ أو صكُوكِ حيادِ
أوما رأيت الطامعين بخيلهم ... حول الحمى يقفون بالمرصادِ
فاجعلهُ إن ذاقوه سمَّا ناقعاً ... واجعله إن مَسُّوه شوك قتادِ
فاروقُ دم واسلم لشعب مخلصٍ ... بنفيسه وبنفسه لك فادِ سل كل قلب في الكنانة نابضٍ ... عما يريد يجبكَ أنتَ مرادي
كوم حمادة
محمود غنيم