مجلة الرسالة/العدد 238/أناشيد صوفية
مجلة الرسالة/العدد 238/أناشيد صوفية
جيتانجالي
للشاعر الفيلسوف طاغور
بقلم الأستاذ كامل محمود حبيب
- 82 -
يا أماه، سأنظم من عبراتي. . . عبرات الأسى. . . عقداً جميلاً أزين به جيدك
لقد أحسنت الكواكب صنعة الخلاخيل الضوئية لتزين بها قدميك، ولكن عقدي سيكون على صدرك
إن الثراء والشهرة هما بعض نفحاتكِ، وهما لك حين أمنح وحين أمنع؛ ولكن أشجاني هي لي وحدي، وحين أقدمها إليك تبدلينني بها عطفاً وحناناً
- 83 -
إنها غصة الانفصال هي التي تنتشر في أرجاء العالم فتحور في الفضاء اللانهائي أشكالاً وفنوناً عديدة
إنه أسى الانفصال هو الذي ينبعث - في صمت الليل - من نجم إلى نجم ثم يرتد إلى لحن بين حفيف الأوراق في حلوكة الليالي المطيرة من شهر يوليه
إنه الألم العميق الذي يهبط إلى قرار الحب والرغبة، إلى الآلام والأفراح في دور الناس. وإنه هو الذي يذوب دائماً فيفيض في قلبي الشاعر ألحاناً
- 84 -
حين يخرج الجند - لأول مرة - من فناء سيدهم، أين كانوا يخفون قوتهم؟ أين كانت دروعهم والسلاح؟
لقد كانوا يبدون مساكين لا حول لهم ولا جاه، وهم يحملون القِسي والسهام أول ما خرجوا من فناء سيدهم
وحين يرتدون إلى فناء سيدهم، أين يوارون قواتهم؟ لقد طرحوا السيف جانباً، وألقوا القوس والسهم، وعلى جباههم ترف نسمات السلام؛ غير أنهم خلفوا من ورائهم ثمار حياتهم حين ارتدوا إلى فناء سيدهم
- 85 -
إن الموت، وهو خادمك، يقف ببابي. لقد اجتاز البحر المجهول ليبلغني رسالتك
الليل داج، وقلبي ينتفض من أثر الرعب. . . ولكني سأحمل مصباحي، وأفتح بابي، وأرحب به، لأنه هو رسولك الذي يقف ببابي
سأتوسل إليه في ذلة وأسكب الدمع أمامه. سأتوسل إليه، وأضع كنز قلبي عند قدميه
سيرتد وقد أتم عمله ونشر ستاراً حالكاً على صباحي، ونفسي الضعيفة ما تنفعك في داري الموحشة لتكون قرباني الأخير إليك
- 86 -
وفي أمل اليائس انطلقت أفتش عنها في زوايا حجرتي فما وجدتها
إن داري صغيرة، وما فقد منها قل أن يعود ثانية
ولكن اللانهاية - يا سيدي - هي قصرك المشيد، وحين رحت أفتش عنها وقفت ببابك
وفي الليلة الظلماء وقفت تحت عرشك الذهبي. . . تحت سمائك ورفعت بصري إلى وجهك
جئت إلى حافة الأبدية حيث لا شيء يغني. . . لا الأمل ولا السعادة ولا وجهك وهو يتراءى من خلال العبرات
أوه، أغمس حياتي الخاوية في هذا الخضم، وأغمرها في أعماق الكمال ثم دعني استشعر - مرة واحدة - اللذة المفقودة في لمسة من لمسات خلود العالم
- 87 -
يا إله المعبد الخَرب! قد انقطعت أوتار القيثارة التي أوقع عليها لحن الثناء عليك، والنواقيس - في سكون الليل - لا تعلن عن ميعاد الصلاة لك؛ والهواء حواليك ساكن هادئ
لقد هبت نسمات الربيع في مسكنك الخالي وفي عطفيها سيل من الزهور. . . الزهور التي لا تقدم إلا في أوقات عبادتك وعبدك، عابر السبيل؛ ما يزال يلحف، يطلب بعض رحمتك فما ينال شيئاً، وفي الغسق، حين تختلط النار والظلماء بما على الأرض من كآبة وعبوس، يرتد هو إلى معبدك الخَرب وفي قلبه الظمأ
يا إله المعبد الخرب! كم من عبد يقبل إليك في صمت! وكم من ليلة من ليالي التهجد تدبر وفي أضعافها سراج منطفئ!
وكم من صورة جميلة زوقتها يد الفن الخادع ثم هي تندفع في مجرى النسيان المقدس حين يأتي عليها الزمن
ولكن إله المعبد الخرب ما يبرح في منأى عن العبادة في إهمال مروع
- 88 -
لا صخب ولا صياح. . . تلك مشيئة سيدي؛ لذلك سأتحدث في همس، وسيكون صوت قلبي دندنة فيها نغم لحن
إن الناس يشتدون إلى سوق المِلك، وهناك البيعان؛ غير أني رجعت قبل أن يحين وقت الانصراف. . . غادرت السوق عند الظهر وهو ما يزال يموج بالناس
إذن دع الأزهار تتفتح في حديقتي وإن لم يكن قد آن أوانها، وأرسل النحل في الهاجرة يطن طنينه الضعيف
لقد قضيت ساعات طوالاً في صراع حاد بين الفضيلة والرذيلة؛ والآن هاهو رفيقي يريدني على أن ألقي بقلبي بين يديه؛ وأنا لا أدري، لعلما أراد أن يدفعني إلى ما لا خير فيه
كامل محمود حبيب