انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 238/آيات القران الملكي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 238/آيات القران الملكي

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 01 - 1938



للأستاذ عبد العظيم علي قناوي

تيهي واثني أعطافك يا مصر، وميسي وجري أطراف الفخر، وازهي واهنئي بأطياف البشر ترفرف فوق قصور ربك، وتخفق على دور أهلك أبد الدهر؛ فهذا فاروق المحبوب المفدى، وفرقدك المشرق سؤدداً ومجداً، وسناك المعرق نبلاً وخلداً، يضم إلى آيات جلاله آية فريدة تتطامن لها العظمة، ويلبس من الطهر حلة وحيدة يختال بها فتهتف له الجلالة ويحصن دينه القويم؛ ومن غير المليك للدين حصناً، بالشمس طلعة والشرف ملكة، ويزين التاج بأنصع جوهرة في جيد المملكة، فتهفو لاسميهما المحبوبين أفئدة الأمة، وتقر بقرانهما السعيد السيادة والمعزة

وما تلك الزينات الموضونة، والأقواس المنضودة، والأعلام المرفوعة، والثرييات المؤتلفة المتلألئة، والكواكب المؤتلفة المتعانقة، إلا غيض من فيض شعور هذا الشعب المجيد بولائه السعيد بوفائه، وذرة من طود استبشاره الأشم، وغبطته بهذا القران الموسوم باليمن، المعقود بناصيته السعد. وإن دلت الاحتفالات على شيء فإنما تدل على أن الأمة لا يرضيها أن تعلن عن تعلقها بشخص فاروق العظيم، وولائها لعرشه المجيد، بالكلم الطيب ترتله، والدعاء الصالح ترفعه، والأهازيج تنشدها، والأغاني تنظمها، فحسب - بل بالبشر يفيض على كل محيا، والانشراح يفعم كل فؤاد، والسرور يملأ كل نفس، والزينات والثرييات يباهي بها كل بيت كواكب السماء ونجومها. ولو أتيح للشعب أن يعلن عن زهوه بمعقد مجده، وعن فخره بمناط سعده، وعن حدبه على موئل عزه بكل ما يشاء، لاستبدل بتلك الثرييات أفئدة وضاءة متألقة، يقرأ فيها رب التاج سطوراً من الحب المبين، ولجعل من أكباده مواطئ لقدميه؛ فالطنافس والبسط والخز والديباج، أدنى من أن تكون للمليك في ذلك اليوم الأغر موطئاً، ولصاغ للملكة الفريدة من أحداق العيون قلائد تزهو بها على خرائد الماس والجوهر؛ ولكن حسب الشعب نعماء أن مليكه يشعر بما يضفيه عليه من الولاء

ولا يقف بنا الفرح الزاخر والسرور الساحر عن استخلاص بعض آيات القران الباهرة، وبيناته الواضحة الرائعة، التي ستخلعها على الأخلاق فترى فيها مجداً، وتضفيها على الدين فيستعيد عزة وسعداً مثل عليٌّ جميل، يضربه زين الشباب لشباب الجيل، حفاظاً على سَنن الدين القويم، وإحياء لسُنن الرسول الكريم، ومن أولى من جلالة المليك التقي بآثار النبي تخليداً، ومن سوى جلالته يتخذ الشبان سنته تقليداً؟ فدونكم فتيان النيل وشبابه زهرات مصر اقطفوها في تقوى وإيمان، لا في طيش وعدوان، فذلكم هو المثل الأعلى للطهر فاسلكوه، والمهيع الواضح للنبل فانهجوه، والخطة المثلى للأخلاق فاحتذوها، فإنكم تحتذون بأسمى جناب، وأحب الأحباب، وحينئذ ترفعون ركن الخلق والدين، وهما لسيادة الأمم الحصن الحصين.

وفي تبكير مولانا الفاروق بالقران - في عصر طغت فيه الإباحية باسم المدنية، وجرفت فيه المادة كل معنى سام شريف، واضمحل وازع العقل واستشرى داء العاطفة - معنى عال جليل، فقد رمى - حفظه الله - إلى أن يبقى ثوبه عفاً لا تعلق به ريبة، ومحيطه طاهراً لا تحوم حوله ظنة، ودينه قويماً لا ترقى إليه شبهة، فأملك في تلك السن، لأن في ذلك كمال الإيمان، فلقد أملك رسول الله بأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وسنه إحدى وعشرون سنة (على ما أرجحه من الآراء)، وفي حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ما يدل على توفيق رب التاج في دينه ودنياه، فقد روي عنه أنه قال: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) فمليكنا المحبوب الصالح ينفذ دعوة الرسول الأمين، ويدعو من يرى في جلالته نبراسه، وكل مصري يراه كذلك، إلى ذلك النهج القويم

وتخير الفاروق - أعزه الله - بصادق فطرته، وصائب إرادته، وسامي حكمته، نجيبة نبيلة، هي سليلة الطهر والشرف وربيبة العز والمجد، وتليدة الحسب والنسب، فحباها قلبه، وأولاها لبه، ووقف عليها حبه، فأعز باختياره شعبه، إذ اصطفاها من صميمه، ليمتزج دماء الملك في جلاله وصفائه، بدم الشعب في وداعته وإبائه. سنة كريمة سنها من قبله والده العظيم، فوهب الله لمصر فاروقها المجيد؛ له من خلق الملوك سناؤه وسموه، ونبله وعلوه، ومن خلال الشعب تواضعه وسجاحته، وديمقراطيته وسماحته، فَمَلكَ بشيمه قلوب أمته، وتطلعت إلى جلالته الشعوب الإسلامية ترى فيه مجدد شباب الإسلام بفتوته، ومعيد مجد الفراعنة بحكمته، وعرف له سامي عراقته ملوك الغرب، فأحبوه مليكاً نبيلاً، وعظموه صديقاً خليلاً. ثم إن المليكة الفريدة في المرحلة الأولى من حياتها مُهجرة مثقفة، متعلمة مهذبة، متصلة اتصالاً روحياً وثيقاً بالمُلكِ وتقاليده، فهي قد جمعت كل مؤهلات الملكة العظيمة؛ فكأن القدر والله مدبره، والدهر ورب الخلق يسيره، كان يعدها في نشأتها الأولى لهذا المستقبل العظيم ينتظرها ببشر غامر، ويمن وافر، فتتبوأ عرش الفراعنة تكلؤها عين رحيمة، ويرعاها حدب جميل. فجلالته البر الرحيم، والندب الكريم، فنشأت محبة للعلم مقبلة على دروسه لم تشغلها بحبوحة الثراء، ولا رفاهية السراة العظماء، عن أن تبذ قريناتها في رشف العلوم، وتبهر أترابها بفطنة تستشف بها المعارف، وتبعث الخشية في نفوس صويحباتها بما ترتل من آي القرآن الكريم، فكأنها كانت تعلم أن ستزف لناصر الدين والعلم والمعارف فهي تعمل لتقر عينه بما تتحلى به من أفانين العلم.

أليس كل هذا من علائم التوفيق واليمن، ومن بشائر الخير والسعد؟ وإنه لقران مبارك نتوسم أن يؤتي - إن شاء الله - أحسن الأثمار وأنضر الأزهار، وأن تعقبه أيام خالدات في جبين مصر تملأ عطف المصري تيهاً، وآلاء سنيات للإسلام ترفع له مناراً، وأياد على الوطن سخيات تعلى له شعاراً، فتنال الأمة في عهد الفاروق المفدى الحسنيين، ويبلغ مجد مصر الخافقين، وترفل فريدة في ظل رب العرش قريرة العين بخير من تظل السماء، منشرحة الصدر بالثجب من الأمراء، بسامة الثغر بما تراه من الحب والولاء، حينما تسمع القلوب والأفواه ترفع إلى الله خير الدعاء: يحيا الملك! تحيا الملكة

عبد العظيم علي قناوي