مجلة الرسالة/العدد 235/من الشعر الإنجليزي.
مجلة الرسالة/العدد 235/من الشعر الإنجليزي.
القبرة
للشاعر العبقري الإنجليزي (شيللي)
للأستاذ خليل هنداوي
(تعد هذه القطعة أكمل ما جاء في الشعر الإنجليزي وقد نظمها صاحبها في إيطاليا، وهو في الثامنة والعشرين من عمره. وقد قالت امرأته: إنه كان في أحد أيام الصيف يتجول في الغابات وقد سمع صوت قبرة، فأوحت إليه قصيدة من أسمى قصائده)
(خ. هـ).
سلاما عليك أيتها الروح المرحة!
أنت لستِ بطائر
يا من تسكبين من السماء ومن الطباق المجاورة
ألحانا مبتكرة - علينا - يطفح قلبك بها
تطيرين إلى الأعلى، دائماً إلى الأعلى
وتنقذفين من الأرض كسحابة من نار،
وتطيرين فوق الأعماق الزرقاء
شادية وأنت محلقة
محلقة وأنت شادية لا تنتهين.
وفي لمعات الشمس الغاربة التي يسطع لها السحاب
تسبحين وتركضين كفرح طليق متوثب بدأ سباقه؛
صفرة المساء الأرجواني تنتشر حولك
وكنجمة غمرها نور النهار الواضح تصيحين متوارية،
ولكني لا أزال أسمع هتافك الطروب.
الفضاء والأرض مفعمان بصوتك
كعهدهما عندما يرسل القمر أشعته من وراء سحابة منعزلة في الليلة الصافية
والسماء يفيض على حواشيها شعاعه
خرير الينابيع بين الأعشاب اللامعة
والأزهار النائمة التي ينبهها المطر
وكل ما أطرب وأفرح وسر ألا يفوق لحنك منه شيء
علمنا أيها الطائر!
أي جمال في أفكارك!
فإني لم أسمع مقطوعة في حب أو خمر تفجر في النفس كمثل
ما يفجره لحنك من الغبطة الإلهية
إن الحان العرس وأغاني النصر إذا قيست إلى ألحانك لا
تبدو إلا ضجة فارغة أو فراغاً لا معنى له.
لأية غايات تترامى ينابيع صيحاتك الفرحة؟
أية حقول وأية أمواج أو جبال؟
وأية مشاهد في الأرض أو في السماء؟
وأي حب للقريب؟ وأي جهل للشقاء؟
إن العناء لا يسكن مع فرحك الظاهر القوي؟
وخيال الضجر لا يَمسُّك أبداً
إنك تحيين ولكنك لم تعرفي أبداً شبح الحب الكئيب
سواء كنت نائمة أو يقظى، فإن لك أفكاراً على الموت اثبت
حقيقة مما نحلم به
وإلا فكيف تسبح أنغامك كالأمواج البراقة؟
إننا ننظر أمامنا ووراءنا، وإنا لنشحب بعد الفناء؛
وضحكتنا الأكثر صفاء هي مشوبة ببعض الألم؛
واجمل أغانينا الأغاني التي ترجع لنا أفكارنا الكئيبة،
على أننا لو قدرنا أن نجتنب الخوف والبغض والكبرياء ولو ولدنا لكي لا نبكي أبداً،
فإني لا ادري كيف لا يستطيع فرحك أن يستعطف أنفسنا!
إن فنك الذي يزدري الأرض
يكون - عند الشاعر - افضل من أوتار الألحان الرائعة
ومن كل الكنوز التي تصونها الكتب.
آه لو علمتني - أيتها القبرة - نصف فرحك الذي يعرفه قلبك
أو صوتاً مطرباً يفيض من شفتي يسمعه مني الناس كما اسمع الآن