مجلة الرسالة/العدد 233/التزوج بالغربيات
مجلة الرسالة/العدد 233/التزوج بالغربيات
تحريمه بفتوى وقانون
لأستاذ جليل
هلاكُ الشيوخ والشبان منا معشر المصريين على التزوج بالغربيات أجلَ أن نهدّم (قاصدين أو غير قاصدين بُلْهاً أو متفلسفين) الأسرة المصرية بل الأمة المصرية - أجبر على كتْب هذه السطور:
قال الله تعالى: (اليومَ أُحِلّ لكم الطيبات، وطعامُ الذين أوتوا الكتاب حِلّ لكم، وطعامكم حلّ لهم، والمحصناتُ من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ محصنين غير مسافحين ولا مُتخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عملُه، وهو في الآخرة من الخاسرين)
صدق الله العظيم، وقول الله بيّن، وظاهرُه طوَّع لائمةٍ نكاحَ الكتابية: اليهودية والنصرانية. بيد أن لنزول الآيات أسباباً يوردها المفسرون، وقد يكون المغزى في آية غير ما يلوح أولَّ وهلة. والصحابة والتابعون هم أدرى بكتاب الله ومراميه من تابعي التابعين ومن مجتهدين مولدين محدثين (وللمجتهد فضل وقدر وأجر) فقد جاء في (مفاتيح الغيب):
(كان ابن عمر (رضى الله عنهما) لا يرى التزوج بالذمية، ويحتج بقوله: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ) ويقول: لا أعلم شركا أعظم من قولها: (إن ربها عيسى) ومن قال بهذا القول أجاب عن التمسك بقوله تعالى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) بوجوه: (الأول) إن المراد الذين آمنوا منهم، فإنه كان يحتمل أن يخطر ببال بعضهم أن اليهودية إذا آمنت فهل يجوز للمسلم أن يتزوج بها أم لا، فبين تعالى بهذه الآية جواز ذلك. (الثاني) روي عن عطاء أنه قال: إنما رخص الله تعالى في التزوج بالكتابية في ذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة، وأما الآن ففيهن الكثرة العظيمة، فزالت الحاجة، فلا جرم زالت الرخصة. (الثالث) الآيات الدالة على وجوب المباعدة عن الكفار كقوله (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) وقوله: (لا تتخذوا بطانة من دونكم) ولأن عند حصول الزوجية ربما قويت المحبة، ويصير ذلك سبباً لميل الزوج إلى دينها، وعند حدوث الولد فربما مال الولد إلى دينها، وكل ذلك إلقاء للنفس في الضرر من غير حاجة. (الرابع) قوله تعالى في خاتمة هذه الآيات: (ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين) وهذا من أعظم المنفرات عن التزوج بالكافرة، فلو كان المراد بقوله تعالى: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) إباحة التزوج بالكتابية لكان ذكر هذه الآيات عقيبها كالتناقض، وهو غير جائز)
وروى محمد بن جرير هذا الخبر معنعنا:
(من نساء أهل الكتاب من يحلّ لنا، ومنهم من لا يحل لنا، ثم قرأ: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية) فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يعط الجزية لم يحلَّ لنا نساؤه)
فهذا الخبر يُحلّ نكاح النصرانية المصرية (القبطية العربية) لا النصرانية الغربية الأوربية، الأمريكية، و (حنانيك) كما قال الشاعر وجاء في مثل. وفصل الخطاب في هذا الباب عندي وعند كل مصري (مسلم أو قبطي) حريص على وقاية المصرية وصونها ونجاتها - هو خطة (الفاروق) - رضي الله عنه - فقد جاء في (جامع البيان):
(. . . شهر بن حوشب قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: نهى رسول الله (ﷺ) عن أصناف النساء - إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات - عن كل ذات دين غير الإسلام. وقال الله (تعالى ذكره) ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله. وقد تزوج طلحة بن عبيد الله يهودية، وتزوج حذيفة بن اليمان نصرانية، فغضب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) غضباً شديداً حتى هَمَّ بأن يسطو عليهما، فقالا: نحن نطلق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب، فقال: لئن حلّ طلاقهن لقد حلّ نكاحهن ولكن أنتزعهن منكم صغرة قَمْأة)
إن هذا الشر، شر نكاح الغربيات قد اشتد واستفحل بل استأسد، فإذا لم يُدرك الناسَ في مصر رجالُ الدين والدنيا وشيخ الإسلام ومفتيه وهيئة كبار العلماء، بالدواء الناجع، بالفتوى المحرِّمة، والقانون المانع، دارئين بذلك هذا البلاء، هذه الداهية الدهياء، هذا التزوج بالغربية - فحولقْ (أيها المصري) واسترجعْ، واقرأ الفاتحة (على الأسرة) وقل السلام على (الأمة)!
وإني في هذا المقام أذكّرُ عاملا بقول الله: (وذكّرْ فإن الذكرى تنفع المؤمنين) رئيس الدولة وشيخ الإسلام بأن (موسوليني) الطلياني و (هتلر) الجرماني قد سارا سيرة (الفاروق) في التحريم. فحرّم الأول على قومه نساء الأحبوش أو الحُبشان، وحرَّم الثاني بنات يَهود. وما لامهما في الناس لائم. وحري بمن امتلّ ملة (الفاروق) - ومن أعرف بدين الله من عمر؟ - أن يستن بسنته، وينقذ من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة بني أمته، والله يقول: (أنا لا نضيع أجر المصلحين) (أنا لا نضيع أجر من أحسن عملا)
اللهم، إني قد بلغت في (الرسالة) الإسلامية، العربية، وقلت، وذكّرت
اللهم، اشهد
(الإسكندرية)
(* * *)