انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 232/رسالة العلم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 232/رسالة العلم

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 12 - 1937



الزنك كعنصر أساسي لنمو النبات

للأستاذ عبد الحليم منتصر

تتمة

بينا في المقال السابق الأعراض التي تبدو على النبات المحروم من عنصر الزنك من بين ألوان غذائه، وأتينا على طرائق علاج هذه الحالات المرضية التي تعتريه بإعطائه حاجتهمن هذا العنصر، ووعدنا بتفصيل العلاقة بين طبيعة التربة وصفاتها الكيميائية وبين سير هذا المرض وتأثر النبات به ودرجة احتماله إياه ومقاومته له. فقد ثبت من التحاليل الكيميائية الدقيقة التي أجراها (هبرر) و (إلين) و (بوجز) أن النبات لا يستخلص كل الزنك الذي بالتربة ولكن لسبب ما - لعله الحموضة أو القلوية الموجودة أكثر من اللازم - يجعل التربة تحبس زنكها عن النبات، فإذا كانت قلوية كان السبب عدم ذوبان مركبات الزنك في هذا المحلول القلوي. وإذا كانت حامضة كان السبب عدم سهولة الاحتفاظ بالزنك في المحلول بالتربة، ويكون آنئذ سريع الانتشار. فمن ذلك نرى أن هناك علاقة بين ظهور أعراض المرض وبين درجة الحموضة أو القلوية للتربة، بمعنى أن المرض يظهر ويشتد في درجة حموضة أو قلوية خاصة، على حين لا تبدو آثاره في درجة أخرى. فقد وجد أنه إذا كانت درجة القلوية من 7 إلى 7. 3 تكون أعراض المرض شديدة جداً، بل يندر أن ينجو من خطره أقوى أنواع النبات احتمالاً، لأن درجة احتفاظ التربة بالزنك في هذه الحالة تكون ضعيفة مسرفة في الضعف. أما إذا كانت هذه الدرجة من 8 إلى 9 في ارض طينية فانه يندر أن تتأثر الأشجار كثيراً بنقص الزنك لان مثل هذه التربة تحتفظ بالزنك إلى درجة كبيرة، وهي في الوقت نفسه لا تحبسه عن النبات

ومن العوامل الطبيعية التي تؤثر في سير المرض حرارة الجو وكمية الضوء، فهو في الشتاء حين الحرارة منخفضة وكمية الضوء قليلة ضعيف الانتشار؛ وعلى نقيض ذلكتكون الحال في الصيف.

وهناك من الحقائق ما يثبت أن في التربة المصاب نباتها من العوامل ما يمنع الجذر من امتصاص الزنك، أو المساهمة في نقله إلى قمم الأشجار أو سائر أعضاء النبات. وقد وجد في بعض الأشجار التي تعاقبت على إصابتها السنون دون علاج أن كثيراً من أجزاء الجذر قد ماتت فعلاً. والمرجح أن عنصر البوتاسيوم لا يلبث أن يخرج من قلف الجذر في النبات المصاب، فقد ثبت أن ما به منه لا يتجاوز 10 إلى 25 % من البوتاسيوم الموجود بقلف الساق أو بقلف جذر نبات سليم أو معالج بالزنك. وبما أن الزنك يتحد بمركبات عضوية، ويكون أحد مقوماتها غير العضوية، فربما كان خروج البوتاسيوم يساعد على استمساك الجذور بزنكها واحتفاظها به، فلا يتصاعد إلى القمم. وكانت نتيجة التحاليل الكثيرة التي أجريت إثبات تجمع الزنك بالجذر في بعض الحالات

على أن الواقع أن معالجة الأشجار بالرش، أو بإيلاج قطع الزنك في الفروع دون التعرض للتربة، من شأنه أن يشفى النبات ويجعله في حالة جيدة، مما يدل على أن الجذر برغم عدم جعل العلاج عن طريقه مباشرة، يقوم بوظيفته الطبيعية في سهولة ويسر

ومن الإحصاءات البديعة ما قدمه (باركر) عندما قارن بين الأشجار المعالجة برش الزنك وتلك التي لم تحظ بهذا العلاج، إذ وجد أن الشجرة المعالجة قد أعطت 477 رطلاً من الثمار على حين كان ما أنتجته الثانية لا يزيد على 56 رطلاً فقط؛ وذلك فضلاً عن أن ثمار الأولى أكبر حجماً وأجمل منظراً، وهي بالتالي أسرع نفاذاً في السوق، لكثرة الإقبال عليها من المستهلك. كذلك وجد (باركر) في حالة البرتقال (أبو سرة) أن محصوله قد تضاعف فاصبح ستة أمثاله قبل العلاج

وقد بينا أنه في حالة وضع قطع من الزنك في الفرع تظهر آثار العلاج في الجزء من قمة الفرع إلى مكان الزنك فيه، نمواً وإزهاراً وإثماراً على حين يكون الجزء الأسفل ما يزال يعاني آثار المرض، وإن ثبت أن بعض التحسن يبدو عليه بعد ذلك كنتيجة لاطراد التقدم سنة بعد أخرى، وذلك من آثار الصحة والنشاط التي ستتبدى في الأوراق بعد العلاج، فيعم خيرها على النبات كله بالتدريج.

وقد أوضح بعض الباحثين منهم (آرك) و (هجلاند) الأثر الذي تنتجه الكائنات الدقيقة التي توجد بالتربة في ظهور هذا المرض أو اشتداد آثاره، تلك التي كانت نتيجة إبادتها بالفورمالين أو الحرارة أو الأثير زوال الأعراض السالفة أو تخفيف بعض آثارها مما يدل على أن لهذه الكائنات فعلاً في إظهار المرض وسيره. ولكن الواقع أن معالجة التربة بهذه الطرائق أي المطهرات أو الحرارة غير متيسرة إلا في الصُّوَب (بيوت زجاجية لتربية النبات) ولذلك فهي غير مجدية في الحقول أو الحدائق. أما إضافة الزنك إلى التربة فأنها أكيدة النفع محققة الغرض

على أننا نتساءل الآن: ماذا عسى أن يكون هذا الدور الذي يلعبه الزنك في النبات؟ فالمعروف أن لكل عنصر يدخل النبات دوراً يقوم به في تغذيته وتركيبه، أو في العمليات الفسلجية التي تجري به. ولما كانت نسبة الزنك في النبات ضعيفة جداً خصوصاً إذا قورنت بأي عنصر من العناصر الأخرى، فهي لا تكاد توازي جزءاً واحداً لكل ألفين أو ثلاثة آلاف جزء من الأزوت مثلاً. بيد أن نقص الزنك أنتج مرض حرمانه كما رأينا من الآثار السيئة الشديدة التي تصيب النبات من هذا الحرمان. وذلك رغماً من أن الزنك لا يدخل دائماً في تركيب البروتبلازم أو مركباته، كما هي الحال مع الفسفور أو الكبريت أو الأزوت. والمعتقد أن للزنك دوراً هاماً يقوم به في بعض العمليات الفسلجية بالنبات، وخاصة عمليات التأكسد التي لولاها لتكونت مواد ثانوية ضارة هي التي تؤخر النمو وتكون السبب في ظهور البقع والأوراق الصغيرة المحمرة وغيرها من الأعراض؛ كما أن له أثراً آخر قد لا يقل عن سالفه، وهو أن مركب الزنك يعتبر عاملاً مساعداً يسرع بالعمليات الكيميائية وخاصة ما يتصل منها بالمواد الكربوايدراتية. ودليلنا على ذلك شدة الأعراض في الصيف إذ يكون اليوم طويلاً فتتجمع المواد النشوية كذلك في حالة الأشجار التي تتساقط أوراقها شتاء؛ فهذه الأعراض تبدو قوية الأثر آنئذ بسبب تراكم المواد النشوية فتتحسن حالته في أوائل الربيع، وذلك عندما يأخذ النبات أهبته ويستأنف نشاطه، فيستغل ما تجمع فيه من مواد لنموه. وقد ظهر من المشاهدات والبحوث العديدة التي أجريت في هذا الصدد أن عنصراً غير الزنك لا يستطيع أن ينتج نفس الأثر أو يمنع عوارض المرض، فقد استعملت مركبات الكوميوم والزئبق والفضة والنيكل والكروم والبورق والتيتانوم فكانت النتائج سلبية. وكذلك الحال باستعمال مركبات الصفيح والزركونيوم والتنجستن والموليبدنوم.

من هذه الحقائق مجتمعة، يصح لنا أن نعتقد أن الزنك عنصر أساسي للنبات، سواء منه الفطريات أو النباتات الراقية. وإن من المناسب إضافته إلى ثبت العناصر الأساسية الهامة التي تلزم لكي يحيا النبات حياة طبيعية هادئة، وحتى تستقيم له أسباب نموه وإراقه وإزهاره.

ولعل الصعوبة التي كانت تحول دون هذا الاعتبار إنما ترجع إلى الحقيقة الواقعة من أن كمية ضئيلة منه تكفي، ثم أنه من السهل وجود مثل هذه الكمية في المركبات الكيميائية المختلفة التي توجد بالتربة أو التي تضاف إليها، وذلك لان مركباته ذائعة الانتشار جداً مع المركبات الأخرى عندما تكون غير نقية، أو غير تامة النقاء. ولقد رأينا كيف أن عدم وجود الزنك بين عناصر الغذاء يسبب مرض الحرمان الذي أشرنا إليه في هذا الحديث، وأن علاجه يكون بالإضافة إلى التربة، أو في ثقوب بالجذع والفروع، أو بدق مسامير مطلية بالزنك، أو برش مركبات الزنك على الأوراق والفروع. أما المقدار الذي يضاف إلى التربة فإنه يختلف تبعاً لطبيعة التربة والنبات والكائنات المجهرية التي بالتربة. كما أن المرجح حتى الآن أن الدور الذي يقوم به الزنك في العمليات التي تجري بالنبات هو دور العامل المساعد في بعض التفاعلات التي تتصل بتمثيل المواد الكربوايدراتية.

عبد الحليم منتصر

ماجستير في العلوم