انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 232/رسالة الشعر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 232/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 12 - 1937



الليل. . . .

للأديب محمود السيد شعبان

أَسْبِلْ على الدُّنيا سُتُورَ الكَرَى ... وَلُفَّها يا ليلُ في ضُلْمَتِكْ!!

الصَّمْتُ في وادِيكَ حَيٌّ يُرى! ... والوَحْدَةُ الَخرْساَءُ في عُزْلَتِكْ!

والموْتُ في نادِيكَ يَرْعَى البَشَرْ ... يا مَوْطِنَ الُهلْكِ وَمثْوَى النَّهَمْ!

وفيِ دياَجِيكَ يَطِيِشُ القَدَرْ ... وَيفْتِكُ الَهمُّ ويَطْغَى السَّأَمْ!

أأنْتَ مَعْنىً مِنْ معَانِى الرَّدىَ ... أَمْ أَنْتَ طَيْفٌ مِنْ طُيُوفِ الملَلْ؟

قدْ ضاَعَ في وَادِيكَ عُمْرِي سُدَى ... وماَ جَنَتْ كَفَّاىَ إِلاَّ العِلَلْ!

يا مَوْطِنَ الأَشْباَحَ يا اُبنَ العَدَمْ ... ماَ أَناَ مَنْ يخشاكَ أَوْ يَرْهَبُكْ!

وفي فُؤَادِي غَيْهَبٌ مِنْ أَلَمْ ... يَرْوِى دُجاَهُ بالأَسَى غَيْهَبكْ!

أَطَلْتُ يا لْيلُ إِلَيْكَ النَّظَرْ ... فماَ رَأَتْ عَيْناَىَ شَيْئاً يُرَى!!

ياَ وَيلَتاَ لِي كيْفَ أَهْوى السَّهَرْ ... وكلُّ مَنْ فِي الارْضِ يَهْوَى الْكَرَى؟

نَمْ يا فُؤَادِي كلُّ شَيْءٍ هُناَ ... أَغْفَى عَلَى أُمْنِيَّةٍ تُرْتَجَى!!

وَهَدْهَدَتْهُ بِاسَماتُ الْمنُى ... في هَدْأَةِ الَّليْلِ وَصَمْتِ الدُّجَى!

لَمْ تُبْقِ لي الأيَّامُ مِنْ مَأْمَلِ ... في حاضِرِي أَرْجُوهُ أَوْفي غدِى!

قدْ غَاضَتِ اْلآماَلُ مِنْ جَدْوَلِي ... وقدْ نَفَضْتُ الآنَ مِنْها يَدِى!

مالي ولْلأَغْلاَسِ تُعْيىِ الْبَصَرْ ... ولَيْسَ لي في الليْل إِلْفٌ يُرى!

يا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ جفَاَنِي الْبَشَرْ ... أَمْ أَنَّنِي وحْدِي جَفَوْتُ الْوَرَى؟

يا نَجْمُ ماذَا في الدُّجَى أَعْجَبَكْ ... الَّلْيلُ يا نجمُ عُباَبُ القَدَرْ؟!

أَأَنْتَ يا نجمُ تُحِبُّ الْحَلكْ ... أمْ أنْتَ مِثْلِي مُولَعٌ بالسَّهَرْ؟

يا ساَهِداً لَمْ يَدْرِ مَعْنَى الْكَرَى ... كُنْ مُؤْنِسِي إِنِّي وَحِيِدٌ هُناَ!!

أَماَ تَرَانِيِ قَدْ هَجَرْتُ الوَرَى؟ ... فَلَيْتَنِي أَسْطِيعُ هَجْرَ الدُّناَ!

أَلِيَّةً يا نَجْمُ قُلْ لِلسَّحَرْ: ... تعالَ إِنِّي قَدْ سَئِمْتُ الْغَلَسْ!!

ما في الدُّجَىِ مِنْ مُتْعَةٍ لِلْبَصَرْ ... ولَيْسَ في وَادِيهِ إِلاَّ الَخرَسْ!! يا رَاقِداً حَفَّتْ بِهِ العاَفِيَهْ ... ودَاعَبَتْ أَجْفاَنَهُ الَحالِمَهْ!

أَلَمْ تُثِرْ أَشْجاَنِىَ الباكِيَهْ ... لَفْحَ الأَسَى في نفسِكَ النَّاعِمَهْ؟!

عَلَى سَرِيِرِ الوَرْدِ نَمْ إِنَّنِي ... على سَرِيِرِ الشَّوْكِ أَسْتَشْهِدُ!!

أُرِيدُ أَنْ أبْكي فَلا تَلْحَنِي ... لَعَلَّ هَذَا الدَّمْعَ لِي يُسْعِدُ!!

نَمْ يا حَبيِبي لاَ يَرُعْكَ الأَسَى ... ماَ أَناَ في الظَّلْماَءِ إِلاَّ شَبَحْ!!

أَو ْزَوْرَقٌ في بَحْرِهِ ماَرَساَ! ... أو تاَئِهٌ عَنْ دَارِهِ قَدْ نَزَحْ!

نَمْ يا حَبيِبي ناَعماً لا تَخَفْ! ... مِنْ عاَبِرٍ أَضْناَهُ طُولُ السُّرى!

وَهَبْ لِرُوحِي قُبْلَةً مِنْ تَرَفْ ... لَعَلَّ عَيْنِي تَسْتَطِيِبُ الكَرى!

يا لَيْلُ مالِي مِنْ حَبِيبٍ َفلاَ ... تَسْأَلْ فُؤَادِي: فِيِمَ ذِكْرُ القُبَلْ!؟

هَذَا خَياَلٌ زَائِفٌ ماَسَلا ... عَنْ ذِكْرِهِ قَلْبٌ يُحِبُّ الْغَزَلْ!

يا وَهْمُ ما أَحْلاَكَ مَوِّهْ مَعِي ... عَيْشِي بأَطْياَفِ الرُّؤَى اِلخادِعَهْ!

وَاُسْكُبْ لُحُونَ البِشْرِ في مِسْمَعِي ... وَاُمْلأْ حيِاتِي بالمُنَى الرَّائِعَهْ!

يا وَيْحَ قلبي ماَتَ فِيهِ الَهوَى ... وماَ تَبَقَّى مِنْهُ غيْر الَخبَلْ!!

وَكانَ ماَ كانَ فلَمَّا انْطَوى ... مَضَى الرِّضى عنْهُ وغاَضَ الجذَلْ!

وهاَمَ في الظلمة بِى يَسْأَلُ: ... أََيْنَ الَهوى يا لَيْلُ أيْنَ المرَحْ؟!

يا قلبُ لا تَسْأَلْهُ ماَ يَجْهَلُ! ... وَدَعْ لِمَنْ ضَلَّ الأَسَى والترَحْ!

يا لْيلُ دَعْنِي قدْ دَهاَني القَلَقْ! ... وَحَطَّمَتْنِى عادِياَتُ القَدَرْ!!

وَارْحَلْ فقد يَذْهَبُ عنِّي الأَرَقْ ... إِنْ اُنْتَشَتْ رُوحِي بِعِطْرِ السَّحَرْ!

قدْ أَقْبَلَ الفجرُ فلاَ تَيْأَسِي! ... ما ضاَعَ يا نَفْسِي اصْطِباَرٌ سُدَى!

وأَغْمِضِي جَفْنَيْكِ ثُمَّ اْنَعسِي! ... ولاَ تَخَافي إِنْ أَتاَكِ الرَّدَى!!

(الإسكندرية)

محمود السيد شعبان

على زهرة ذاوية

للسيد جورج سلستي عَبَثَتْ برونقِها يدُ الدهرِ ... وبدا البِلى بعروقِهِا يَسريِ

وتناثرتْ اوراقُها - وَثَوَتْ ... فوق الثرى - كتنُاثرِ الدرِ

لهفي على حسنٍ تصحّوهُ ... أيدي العفاءِ وسطوة الغدرِ

كانتْ تَزيُنُ الرَوضَ روعتُها ... وتضمِّخُ الأرجاَء بالعطرِ

كانت وكان الفجرُ يعبدها ... بين الرياض ولم تكنْ تدري

جاسَ الغرامُ فؤاده وكوى ... منه الضلوعَ بلمسهِ السحري

فبدا له، فأراقَ مهجتهَ ... فيها، فكانتْ ديمة القطر

ليس الندى إلاّ دماه، ألا ... لله من فعل الهوى العذري

يا زهرة روَّيتُها بدمي ... وسقيتُها بمدامعي الحمرِ!

نامي بحضنِ الأرضِ هانئةً ... إنَّ الردى خيرٌ من العمر!

إنَّ الحياةَ لمَرَّةٌ أبداً ... ملأى من الآثام والشرِّ!

أسقتنيَ الأيامُ من مَدَرٍ ... وغذتنيَ الأقدارُ بالمرِّ

صافَ الهنا عنِّي، وقد نَفَرتْ ... مني السعادةُ كالظِبا الُعفْرِ

قد كان لي يا زهرتي أَملٌ ... لكنما اودى به دهري

وحبيبةٌ كالصبح طلعتُها ... غَدَرَتْ كأنَّ الحسنَ بالغدرِ

يا زهرتي، يأتي الربيعُ غدا ... وينمِّق الجنّاتِ بالزهرِ

ناميِ بحضنِ الأرضِ حالمةً ... بمجيئهِ، وببسمةِ الفجرِ

لكنّ آمالي وقد غَربتْ ... ليست تعودُ؛ غلبتُ في أمري

لك في مماتكِ عودةٌ وأنا ... بعد المماتِ أظَلُّ في قبري!

(بيروت)

جورج سلستي