انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 230/نكبة السيل في سورية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 230/نكبة السيل في سورية

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 11 - 1937



الفاجعة!

للأستاذ أمجد الطرابلسي

عجبٌ فعالُكَ يا غَمامْ! ... أَفتكتَ في الشهرِ الحرامْ؟

يا ليت شعريَ! هل نَهِم ... تَ فقمتَ تلتهم الصِّيام؟

أَعملتَ رأيكَ في الظلا ... مِ، وبئس غدَّارُ الظلام!

ومكرتَ، والحُلُمُ الهَني ... ءُ يُهدهدُ المُقَلَ النّيام

والغادةُ الفرحى تُقبِّ ... لُ ثغرَها صُوَرُ الهيام

والطّفلُ عانقَ أمَّه ... وغفا ودُنياهُ ابتسام

حتى الشَّبابُ الأهوجُ ال ... مِصْخابُ أَسكره المنامْ

فغفا ومازالتْ تَرِ ... نُّ برأسه ذِكَرُ الغرام

والشيخُ في محرابهِ ... يبكي ويخشعُ في القِيام

يدعو لصبيتهِ الصّغا ... رِ وهم على شُرَفِ الفِطام

يدعو لهمْ منْ لا يُخَيَّ ... بُ مُرتجيهِ ولاَ يُضام

يرجو ابتساماتِ الحيا ... ةِ لهمْ وإدراكَ المَرام

ويذوبُ في صَلَواتِهِ ... نَشوانَ من أسمى مُدام

وبَنوهُ قد رقدوا ورفَّ م ... على مُهوِدِهُم السَّلام

فصَبَبْتَ وَبلَكَ ساخطاً ... من دونِ ذنبٍ واجترام

ماذا نقِمتَ عليهمُ ... فأذقتهم شرَّ انتقام؟

أرسلتَ صَوْبَكَ أيَّ بح ... رٍ زاخرِ الأمواجِ طام

في الّليلِ يقتحِمُ الخدو ... رَ وأهلَها أَيَّ اقتحام

ويُباغتُ الشَّملَ الجمي ... عَ مُصَدِّعاً كلَّ التئام

هَبّوا يرومون النَّجا ... ةَ، ولا نجاةَ ولا اعتصام

يَعلو نَحيبُهم فيُط ... فِئه الدَّوِيّ والانهدام

يا لهفَ نفسيَ! ما الفِرا ... رُ من القيامةِ إذْ تُقامْ؟ سيلٌ تَعوم بهِ العذا ... ري والولائدُ والسَّوام

والأَيكُ والوُكُناتُ وال ... هضْبُ المنيعةُ والرِّجام

لَقِفَ الحظائرَ والخِيا ... مَ وأهلَ هاتيكَ الخيام

وسطا على الأكواخِ ينسِ ... فُها ويجترفُ الحُطام

. . . وبدا الصّباحُ كما تخضَّ ... بَ بالدّمِ القاني الحُسامْ

فإذا الدّيارُ مقابرٌ ... يختالُ فيهنَّ الحِمامْ!!

يا ابن الحسينِ أَلا نفض ... تَ صفيحَ قبرك والرَّغام

فرأيتَ كيفَ طغى العُبا ... بُ وغالَ دُنيا في منام!

سِرْ والصِّحابَ تَرَ المنَا ... زِلَ لا مُناخَ ولا مُقامْ

وَتَرَ الملاعبَ والحدَا ... ئقَ لا اتّساقَ ولا انتظام

لا عَنْ ميامِنكم (ضُمَيْ ... رُ) ولا وَراَء ولا أَمام

مُحِيَتْ من الدنيا كما ... تمحوا السّطورَ يدُ الغُلام

وطوتْ معالمَها السُّيو ... لُ فلا رسومَ ولا رِمام

قَلَمونُ! يا فرحَ الشَّام! ... وفرحةُ الدّنيا الشّام

يا مرتعَ الآرامِ والأ ... حلامِ والحَدَقِ السِّقام

يا مهبطَ الشّعرِ الحَلا ... لِ ومَمْرَحَ الحُسْنِ الحَرام

هل سامعٌ فيكِ السَّلا ... مَ، إذا أَطَلتُ لكِ السَّلام؟!

كلُّ الجراحاتِ التي ... نَزَفتك في قلبي دَوَام

يا جَنَّةَ الأطيارِ والأ ... لحانِ! ما فعلَ الحمَامْ؟

أتُراه قد هَجَرَ الخما ... ئِلَ والجداولَ أم أَقام

لما مضى بِوُكورِهِ ... وبزُغْبِهِ الموتُ الزُّؤام

يا مسطعَ الأنوارِ هل ... أذوَى مباسِمَكَ السِّقام؟

هل شفَّ (يَبْرودَ) الشَّحو ... بُ ولفَّ (جَيْرودَ) القَتام؟

كيفَ الحدائقُ والكرو ... مُ سُلِكْنَ في أَبهى نظام؟

كيف العشيَّاتُ العِذا ... بُ وكيف في الرَّوضِ الزِّحامْ من كلِّ هيفاءِ القَوا ... مِ وكلّ عَشَّاقِ القَوام

لهفي عليكَ وللسُّيو ... لِ على جوانبكَ النظامْ

كالفلكِ في لُجَجِ البحا ... رِ السُّودِ أعياها الخصام

لا الموجُ يَرْحَمُها ولا الإِ ... عْصارُ يُسْلِمُها الزِّمام

فتقطَّعَتْ عُقَدُ الشِّرا ... عِ وشَقَّ جُؤجُؤَها الصِّدام

وتناثرت أشلاؤُها ... حيناً. . . وغَيَّبَها الظَّلامْ!

(دمشق)

أمجد الطرابلسي