انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 227/في أعقاب الخريف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 227/في أعقاب الخريف

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 11 - 1937



للأستاذ محمود الخفيف

ألْقَى على الدوح فتورَ الكرى ... فلاحَ كالناعِسِ

لا تستبينُ العين فيما ترى ... من أفقه العابس

غيرَ الأسى في جوه منذرا ... بليليَ المكتئب الدامس

يَبكْرُ بني في الأُفْق هذا القطوبْ ... وهذه الكُدْرَةُ في لونه

وتُجْفِلُ النَّفْسُ لهذا الغروبْ ... وحُمْرَة المحزون في جفنه

يا ويْلَتاَ تلك الرؤَى أفْرَخَتْ ... في قَلْبَي المسْتَسْلِم اليائس!

أسْلَمَني للوجْدِ هذا الخريف ... في لَفْتَةِ الراجِل

وأنكرتْ أذْناي هذا الحفيف ... من عُودِهِ الناحِلِ

يَلْمَحُ لي منه خياَلٌ مُطِيفْ ... لكل شيءٍ هاَلِكٍ زائِلِ

أوْرَاقُه نَهْبُ رياح المساءْ ... تُلْقَى بها مُصْفَرَّةً ذابِلَهْ

تسوقُهاَ مُعْجَلَةً للفناء ... قافَلةً في إثرِها قافِلَهْ

تَطَايرت كما تَطيرُ المنى ... من لمحةِ الوَهْم إلى الباطِلِ

حَطَّتْ على الدَّوْح بنات الهديل ... ساهمةً عانيهْ

للشَّفَقِ الباكي بهذا الأصيل ... ما فتئت رانيه

طالعَها منه شتاء طويلْ ... عِشاَشُها في كفه واهيه

قد أشبهتني الوُرْقُ في غُمَّتي ... لكنها تذهل عن أمسها

وكل شيءٍ مُوقِظٌ مُهجَتي ... حتى رياح الليل في همسها

أسْمَعُ في هسيِسها أنَّةً ... بالأمسِ كانت نَغْمَةً شادِيَهْ

شَبَّابةُ الراعي بأنغامِه ... في مِسْمَعي صاَخِبَهْ

يا لاعباً طيوف أحلامِه ... خافقة لاعبه

نَبَّهَت القلبَ لآلامه ... إذ بَعَثَتْ أحَلامَهُ الذاهبه!

يا ليتني أذهل عما مضى ... أوْ أَرْعَوِى بَعْدَ فواتِ الأمَلْ

يا ليت مثلك هذا الرضى ... يا ناعماً ما ذاق إلا الجذَلْ تَغَنَّ ما شِئْتَ ودع لي الجوى ... هَوَاكَ لمْ تَعْلَقْ بهِ شائِبَهْ!

يَسْتَيْقظ القلبُ إلى وجده ... في أُخْرَيات الخريف

يَعُودُ ما لم يَنْسَ من عهده ... فَهْوَ وَجيعٌ لهيف

تَغَرَّبَ (الطائِرُ) عن عُوده ... وخَلَّفَ القلب لهذا الوجيف

ما روعةُ الكون وما سِحْرُهُ ... وكلُّ حُسْنٍ باعث للشجَنْ؟!

هذا الخريفُ هاجني ذكره ... هل أرْتجي في ظِلهِ من سكن؟؟

تَغَرَّبَ الطائِرُ لم ألْقَهُ ... في مَرْبَعٍ بَعْدُ ولا في مصيف!

يا سائلاً يُنْكِرُ أشْجاَنِيهْ ... ما كُنْتُ بالمدَّعي

يا صاحِ لو كُنْتَ تَرى ما بِيَهْ ... بكيتَ حظِّي معي

تبَسُّمِي يَحْجُبُ أتراحَيه ... كالرَّمْسِ تحت الزَّهَرِ المُمْرِعِ!

ما أنا بالشاكي ولكنها ... أُغْنيةٌ ضاقت ضلوعي بها

أُغْنيةٌ صاغ الجوى لحنها ... وأُجْبِرَ القَلْبُ على سَكْبِها

يا أيُّهاَ المُنْكُر أَشْجاَنيهْ ... وُقِيتَ ما أُضمرُ في أضلُعي

قد أغرق الدَّوْحَ فتُورُ الكرى ... فلاحَ كالناعِس

لا تستبين العين فيما ترى ... من أفقِهِ العابس

غيرَ الأسى في جَوِّه منذرا ... بَلْيلَيَ المكتئبِ الدامِسِ

الخفيف