مجلة الرسالة/العدد 224/غنى. . .؟!
مجلة الرسالة/العدد 224/غنىً. . .؟!
للأستاذ سيد قطب
غنيَّةٌ أنتِ بالتعبير قد ذَخَرَتْ ... أطواءُ نفسك منه زادَ أحقاب
وهبِتني منه أشتاتاً منوَّعةً ... وزدتنِي منه في جود وإسهاب
في كل جارحة عنوانُ ملحمة ... من الحديث، وسرٌّ جِدُّ جذَّاب
تقصُّ تاريخها في فنِّ رواية ... منسَّقِ النبر ذي لحن وإطراب
وإِن تاريخها أقصوصة جمعتْ ... تجاربَ الكون في أحلام أرباب
تجارب الكون في سحر وفي فتنٍ ... من نضرة الروض أو من وحشة الغاب
ومن سناء الداري في تألقها ... ورهبة الكون في جنح الدجى الخابي
ومن غموض الصحاري في مجاهلها ... والعيلم الرحب يطغي جد صخَّاب
ومن صِيالِ الضواري في تقحمها ... ومن أغاريد أطيارٍ وتَنْعاَبِ
وفرحة الظافر النشوان خافقة ... تختال معجبةً في خطو وثّاب
هذا حديثك بينا أنت صامتةٌ ... وعيتهُ كله في صمت محراب
فهل بلغتُ مدَى ما أنت زاخرةٌ ... من التجارب في خلق وإنجاب؟
لا. لا وحقكِ لم أبلغْ سوى طرفٍ ... من الحديث على وَفْر وإطناب
وخلف ذلك كنز كله طُرَفٌ ... يزيد مذخورُه في كف وهّاب
وإن عندك ما تعطينه أبداً ... للسائلين بإفصاح وإغراب
العين. ماذا تقص العين من خْبرٍ ... مسلسلٍ في حنايا النفس منساب؟
وما الذي أبدعت للفن إذ همست ... للأمنيات فلبَّتْ بضع أسراب؟
وأفصحت عن حنين كامنٍ وهوى ... يسري الهويني شَفُوفاً بين أهداب؟
والثغر وماذا يبث الثغر من قُبَلٍ ... في صمته العذب، بل في سحره السَّابي
وإن فيه لقبلاتٍ قد ارتسمت ... من بعد ما نضجت، لِلاَّثم الصابي
والجسم. ماذا يقول الجسم قد خفقت ... فيه الحياة، وتاهت تيهَ غلاَّب؟
يقول ما تعجزٌ الدنيا برمتَّها ... عن أن تقول بتصوير وإعراب
خلاصة أنت من فن الحياة حوت ... جميع ما تبدع الدنيا لإِعجاب غنية أنت بالتعبير قد ذخرت ... أطواء نفسك منه زاد أحقاب
(حلوان)
سيد قطب