انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 22/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 22/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 12 - 1933



الأعاصير

نظم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري

للدكتور عبد الوهاب عزام

قال عمي الكريم عبد الرحمن عزام؛ قد أهدي إليّ من وراء البحار ديوان اسمه الأعاصير فأحسست في كل حرف منه ناراً، وفي كل بيت إعصاراً، وذكرت قصائده المتنبي الذي يقول فيها

مدحت قوما وأن عشنا نظمت لهم ... قصائدا من إناث الخيل والحصن

تحت العجاج قوافيها مضمرة ... إذا تنوشدن لم يدخلن في إذن

قلت: فأعرنيه لأقرأه. قال: على شرط أن تكتب عنه في الرسالة، قلت: إن وجدته جديراً بالكتابة.

قرأت الديوان كله فإذا قلب ثائر، ونفس طامحة، ألفت عليه العربية فكرها وإحساسها فليس بها إلا الفخر بماضي العرب، والأنفة من حاضر العرب، والرجاء في مستقبل العرب، وإذا الكتاب كاسمه أعاصير ثارت في البرازيل، وأنطقت كقصائد المتبني

إذا سرن عن مقولي مرة ... وثبن الجبال وخضن البحارا

حتى وافت بلاد العرب تذكى في خمودها نارا، وتنفث في كل نفس إعصارا. تتبع الشاعر أحداث حوران ودمشق وفلسطين، فأشاد يذكر أبطالها، ونعى على من خذلوهم، وخص أهل لبنان قومه، بأوفى نصيب من لومه، وهو في شعره كله عربي لا يفرق بين دين ودين وقوم وآخرين، بل هو على مسيحيته يعتز بالعرب المسلمين ويعجب بمفاخرهم. ويعذل المسيحيين على أن لم يساهموا إخوانهم في الثورة على الباطل، والاستجابة لدعوى الوطن.

والشعر جملته معمود بالمعاني الجيدة. حال بالأسلوب السهل المتين. ولا أطيل على القارئ وصفي، ولكن أدع الشاعر يعرب عن آلامه وآماله. وضع على غلاف الديوان سبع أبيات منها:

إلهي رد مالك من أياد ... على وطني ورد لها الأياد خلعتَ على رُباه الحسن فذا ... وألبست القطين به الحدادا

شبول الأرز باتَ الحلم عجزاً ... وبعض الصبر موت إن تمادى

فكونوا النار تحرق أو قذى في ... عيون البطل إن كنتم رمادا

وأهدى الكتاب إلى الشهداء الوطنيين في بيتين:

يا رفاتا تحت الرمال دفينا ... مبعدا عاطل الرموس نسيا

لك أهدي هذا الكتاب لأني ... لم أجد في البلاد غيرك حيا

ويقول في قصيدته (بطل الصحراء) التي ألقاها في حفلة للإعانة أبطال المجاهدين، والخطاب لسلطان باشا الأطرش

يا شريدا عن البلاد طريدا ... أنت في كل معبد من بلادك

كل ما في أقلامنا من مضاء ... مستمد من مرهفات حدادك

كل ما في صدورنا من لهيب ... هو إضرام ورية من زنادك

كل ما في هتافنا من دوى ... هو ترجيع نبضة من فؤادك

كل ما في آثارنا من خلود ... هو تاريخ ساعة من جهادك

أيها المنجد المحاويج عار ... أن تصم الأسماع عن إمدادك

لو فرشنا لك الجفون مهادا ... وجعلنا الأهداب حشو وسادك

ما جزيناك ساعة من ليال ... بت عنا على حراب سهادك

كل حر فداك يا فادي الش ... م وأولاده فدى أولادك

وفي قصيدته التي يصف فيها هجوم سلطان باشا على الدبابة الفرنسية وقتل من فيها:

وثبت إلىسنام التنك وثبا ... عجيبا علم النسر الوقوعا

وكهربت البطاح بحد عضب ... بهرت به العدا فهووا ركوعا

كأن به إلى الإفرنج جوعا ... وسيفك مثل ضيفك لن يجوعا

تكفل للثرى بالخصب لما ... هفا برقا فأمطره نجيعا

وفجر للدماء بهم عيونا ... تجارى من عيونهم الدموعا

فخر الجند فوق التنك صرعى ... وخر التنك تحتهم صريعا

ومن قصيدته التي عنوانها (الاستقلال حق لا هبة) يصف فيها مجاهدي حوران: ولئن نسيت فلست أنسى بينهم ... رجل الرجال وفارس الفرسان

فكأنهم منه مكان قناته ... وكأنه منهم مكان سنان

يرمي بهم قلب الوطيس كأنهم ... حمم الحمام قذفن من بركان

يفني الرجال بأحدب ومقوم ... ضدين في اللبات يلتقيان

ويكاد يفترس العدو جواده ... فكأنه أسد على سرحان

وفي عيد استقلال لبنان:

تروى بدجلة مدمعي وفراته ... يا موطنا لم يبق غير رفاته

خلت المحافل من بلابله فلا ... تقع العيون على سوى حشراته

حسب الحزين عليك أنك مائت ... قد عيدت أحبابه لمماته

شقوا لها الأعلام من أكفانه ... وتبادلواالأنخاب من عبراته

أعلام إذلال كأن خفوقها ... في وجوه لطم على وجناته

ملفوحة بتحسرات سراته ... خفاقة بتنهدات هداته

ومن قوله في لوم قومه:

رضينا للتعصب أن نهونا ... فأغمضنا على الضيم العيونا

نقول المسلمون المسلمونا ... فنرميهم ونحن الخائنونا

نبيع بدرهم مجد البلاد

فتى حوران لا لاقيت ضرا ... لأنت أحق أهل الشام فخرا

لئن لم يؤتك الرحمن نصرا ... فحسبك أن غضبت ومت حرا

ولم تسلس لقيد أو قياد

بربك قل متى لبنان ثارا ... ليدرك من علوج الغرب ثارا

متى نفرت إلى السيف النصارى ... لتغسل بالدم المسفوك عارا

وتحرز مرة شرف الجهاد

ويقول بعنوان (صيحة الجهاد):

ولو لم تكوني فرنجية ... لكنت سعادي قبل سعاد

ولكنني عربي المنى ... عربي الهوى عربي الفؤاد لعمرك يا مود لولا ذووك ... لما ميز الحب بين العباد

ولا أكرهوا شاعرا أن يق ... ول لهذى البلاد وتلك البلاد

فهم أوغروا بالعداء الصدور ... وهم أضرموا النار تحت الرماد

فلا تعذلي شاعرا زاهدا ... وكم هام بالحب في كل واد

فأني حرام على هواك ... وفي وطني صيحة للجهاد

ويقول في حفلة عيد الفطر التي أقامتها الجمعية الخيرية الإسلامية بالبرازيل:

أكرم هذا العيد تكريم شاعر ... يتيه بآيات النبي المعظم

ولكنني أصبو إلى عيد أمة ... محررة الأعناق من رق أعجمي

إلى علم من نسج عيسى وأحمد ... و (آمنة) في ظله أخت (مريم)

هبوني عيداً يجعل العرب أمة ... وسيروا بجثماني على دين برهم!

فقد مزقت هذي المذاهب شملنا ... وقد حطمتنا بين ناب ومنسم

سلام على كفر يوحد بيننا ... أهلا وسهلا بعده بجهنم!

وفي قصيدة الأطرش والدبابة:

إذا حاولت رفع الضيم فأضرب ... بسيف محمد وأهجر يسوعا

(أحبوا بعضكم) بعضاً وعظنا ... بها فما نجت قطيعا

وبعد فللشاعر القروي رشيد سليم الخوري الثناء والإعجاب من العرب والعربية، والتحية من كل نفس حرة وقلب بالمعالي خفاق.