انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 219/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 219/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 09 - 1937



حديث لأميل لودفيج مع الأديب المصري جورج قطاوي

تعد ضواحي سان موريتز قبلة الكتاب والفنانين منذ (نيتشه) فان منظر بحيرات سيلس ماريا في سفح جبال الألب مما يخلب النفوس؛ ولهذا أقام بها الكاتب المشهور أميل لودفيج منذ سنوات. ولقد تعرفت منذ ثلاث سنين بمؤرخ حياة الرجال العظماء حينما كان يعد كتابه الكبير عن ماء النيل. ويسرني أن أسمع منه أثر رحلاته العديدة في مصر والسودان. ولهذا انتهزت فرصة وجودي في ضيافته يوماً لأسأله عن الأسباب التي حملته على وضع كتابه هذا الأخير. وقد وجدت على مكتبه ست تراجم لكتاب النيل (بالإيطالية والمجرية والبرتغالية والفرنسية الخ) وغيرها الآن تحت التحضير، ولكن الذي يهمه أكثر من هذا كله هو الترجمة العربية

قال إميل لودفيج: (إن الشرق يجذبني إليه منذ كنت صبياً. فقد كنت أسمع أبي يتحدث عن مصر فتبتهج هذه الحكايات مخيلتي؛ ذلك أن أبي - وكان يدعى هرمان لودفيج كوهين - كان طبيباً للعيون، ودعاه السلطان عبد الحميد لاستشارته فاستمر في رحلته إلى مصر حيث أكتشف علاجاً للرمد، وتغلغل في بيوت القاهرة العريقة، وتعرف بأميرات عديدات من البيت المالك، وزار السودان، ودرس قبائل البشارية الذين كانوا يدعونه (حكيمباشي)

(وهأنذا قد عبرت وادي النيل من الحبشة إلى الدلتا بعد مضي نصف قرن على رحلة أبي. ولما أصبت بالملاريا في أثناء مقامي بالحبشة عند منبع النيل الأزرق كانت زوجتي هي التي قامت بوصف البحيرات الكبرى، ومن وصفها وضعت الخمسين صفحة المخصصة للنيل الأبيض. وقد حكم نقاد أمريكان عديدون بأن هذه الصفحات هي خير ما في الكتاب)

(المعروف أن مدام لودفيج هي نفسها إفريقية، فقد ولدت في دربان من أب ألماني وأم اسكتلندية وهي ساعد زوجها الأيمن)

وأضاف لودفيج قائلاً: (ولقد وضع جلالة الملك فؤاد تحت تصرفي خلال ثلاثة أسابيع باخرة تدعي (الكاشف) صعدت بها النيل، وهذه الأسابيع الثلاثة مع رحلتي إلى اليونان هي أسعد أيام حياتي

و (النيل) من بين جميع مؤلفاتي هو الذي اقتضى أكثر الجهد والعناء والبحث والعم الطويل، لأن مؤلفاتي الأخرى مثل (نابليون) و (بسمارك) و (لنكولن) و (غليوم الثاني) قد ألفتها خلال فصل صيف، من مارس إلى نوفمبر. وأما قصصي التمثيلية، فقد كان يلزمني يومان اثنان لأكتب كل فصل منها. وعلى الضد من ذلك قد قضيت عشر سنوات لأضع مأساة نهركم العظيم التي أردت أن تكون من القوة بحيث تمثل أبطالي من البشر، فخلصت من الوقائع والإحصاءات والوثائق لأعيد في ذهن القارئ جو ما عبرت من أماكن، وما استنشقت من عطر لا سبيل إلى نسيانه. . . لأن منشأ أكثر مؤلفاتي هو أثر شعور يتمكن مني؛ فكتاب (ابن الرجل) مثلاً قد تمثل إلى ذهني ذات مساء بينا كنا في طريقنا من بيت المقدس إلى الناصرة)

ولما سألته عن الشخصيات المصرية التي احتك بها، حدثني عن تشرفه بلقاء المغفور له الملك فؤاد فقال:

(لقد كان يتمنى لو وضعت حياة الخديو إسماعيل، ولما كان الموضوع لا يلهمني الإلهام الكافي فقد وعدته بأن أخصص بضع صفحات من (النيل) لذكرى والده

والحق أن خير رجال الحكم المصريين الذين أتيح لي لقياهم هو سفيركم في لندن: الدكتور حافظ عفيفي باشا؛ وفي خلال مروري بلندن في يونيه الماضي تحدثت طويلاً إليه. وقد أراد تقدمتي إلى جلالة (الملك فاروق) لولا أن سفري إلى أمريكا قد حرمني هذا الشرف)

وكان المسيو لودفيج عائداً فعلاً من الولايات المتحدة حيث قضى زمناً بالقرب من الرئيس روزفلت في بيته الخلوي بهايدبارك. وهو يحمل لرئيس الحكومة الأمريكية أشد الإعجاب، إذ قال:

(إنه رجل من نوع جديد، ظهر لأول مرة في الحياة العامة، رجل القرن العشرين، الباسم أبداً، المستبشر المتفائل على الدوام. فإنني ما رأيت قط نظرة أصفى من نظرته، ولا وجهاً أشد من وجهه حزماً وعزماً. وهو رجل الحكم الوحيد السعيد الذي عرفت. . . وسيكون أسم كتابي عن حياة روزفلت: (بحث في الهناء والمقدرة). والرئيس يود بكل جوارحه لو فرض على سياسة العالم التآلف والوفاق. وأعظم أمانيه وأعزها تدعيم السلام في أوربا

وله في هذا الصدد آراء دقيقة ثمينة، غير أني أخشى أن يكون قد سبق السيف العذل ولات حين تدخل؛ ولم أستطع أن أخفي عنه رأيي في هذا، فإني أرى أوربا تندفع، منخفضة الرأس، نحو حرب جديدة؛ وأشفق من أن تقع الواقعة حتى قبلما يترك روزفلت الحكم

والبحث عن الكوارث المقبلة لا يكون في الصعوبات المادية التي تعانيها أوربا بل في روح الشر والعداء المشبعة بها بعض الدول، ولكن روزفلت ساهر؛ والفرق بينه وبين الديكتاتوريين أنهم يريدون أن يخافهم الناس وروزفلت يريد أن يحبوه)

وعبثا حاولت معرفة رأي المسيو لودفيج في المعاهدة الإنجليزية المصرية، فقد قال:

(إن كل شيء يتوقف على السياسة الدولية وعلى الحرب القادمة التي لا أرى مفراً منها)

ومع ذلك فهو لا يخفي عطفه الشديد على الفلاح المجاهد العنيف الذي يشتغل بقوة؛ وهو يعني كثيراً بما ينتظره من مصير. وكذلك يتمنى لو جمعت الأخوة يوماً ما بين العرب واليهود

على أن تشاؤمه لا يحول بينه وبين الأمل في مستقبل حضارتنا المهددة فهو يقول:

(إن ما ينبغي هو إنقاذ الميراث الأدبي المجيد للشاعر جيته من المتوحشين. وإذا عشت حتى عام 1939 فإنني سأعيد كتابة حياة مؤلف فاوست. فهو الرجل العظيم الوحيد الذي لا أمل الإعجاب به طرفة عين. أما الآن فقد أتممت كتاباً يختلف اختلافاً محسوساً عن كل ما كتبته حتى اليوم وهو (كليوباترة)، وقد كتبته في أربعة أسابيع، كأنني كنت في حلم)

وهكذا تراني قد ظللت وفياً لبلادكم وأرجو أن أسافر إلى القاهرة هذا الشتاء في شهر فبراير، وأتحدث في الجامعة.

ج. قطاوي

حول مهمة دار الكتب

تحتفظ دار الكتب المصرية، فضلاً عن مجموعة مخطوطاتها الحافلة، بطائفة كبيرة من المطبوعات النفيسة النادرة؛ ومنها ما يرجع تاريخ صدروه إلى القرن السادس عشر أو القرن السابع عشر، وكثير منها من مطبوعات القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ وهذه المجموعة من المطبوعات القديمة هي في الواقع أنفس ما تحتفظ به دار الكتب بعد مخطوطاتها، من المصادر والمراجع القيمة التي لا يستغني باحث عن الرجوع إليها؛ ومنها معظم المراجع في المباحث الإسلامية والشرقية؛ ومنها مراجع عربية مثل تاريخ العميد بن المكين المطبوع في القرن السادس عشر، ونزهة المشتاق للإدريسي المطبوع في أواخر هذا القرن، وتاريخ ابن عربشاه، وتاريخ ابن العبري المطبوعان في القرن السابع عشر، ومراجع نفيسة أخرى تعتبر في حكم النادر والمخطوط. وقد جرت دار الكتب حتى اليوم على تيسير سبيل البحث والمراجعة للباحثين القلائل الذين يعتمدون في مباحثهم على هذا التراث، وكانت تسمح لهم باستعارة هذه الكتب خارج الدار بإذن خاص، ولمدد محدودة؛ ولكن حدث أخيراً أنها قررت حبس هذه المراجع وعدم التصريح بخروجها من الدار وقصر المراجعة فيها على القراءة بالدار ذاتها؛ وحجة دار الكتب في ذلك المنع هو أن هذه المراجع أصبحت لندرتها كالمخطوطات يجب المحافظة عليها من الضياع، وإبقاؤها أبداً داخل الدار في متناول الباحثين

ونحن مع دار الكتب بلا ريب في المحافظة على نفائسها والحرص عليها من الضياع والتبديد؛ ولكنا نلاحظ أن هذا القرار معطل لمهمة دار الكتب الأصلية. ذلك أن دار الكتب لا تحتفظ فيما عدا هذه المجموعة من المطبوعات القديمة، بكثير من الكتب والمراجع الحديثة القيمة، وجل ما اقتنته الدار في الثلاثين عاماً الأخيرة من كتب القصص والأدب السائر والمؤلفات العادية، وأما ما اقتنته من الكتب والمراجع النفيسة في هذه الفترة فقليل جداً بالنسبة إلى الآلاف المؤلفة من كتب القصص الفرنسي والإنكليزي التي ما زالت تجد في اقتنائها؛ ومعظم ما يقرأ ويعار لا يخرج عن هذه الدائرة، وهذه نتيجة يؤسف لها، ولكن هذا هو الواقع؛ وخير ما تقوم به دار الكتب هو معاونة البحث العلمي وذلك بوضع مجموعتها من المراجع القيمة تحت تصرف الباحثين؛ فإذا كانت تريد اليوم أن تحبس هذه المجموعة بحجة المحافظة عليها فإن ذلك يعطل البحث والمراجعة، لأن معظم الذين يستفيدون من هذه المجموعة لا تسمح لهم ظروفهم بالمكث ساعات طويلة في دار الكتب، ومن المستحيل عليهم أن يترددوا عليها بلا انقطاع ليقوموا بمباحثهم في حجراتها. وخير لدار الكتب أن تعود إلى نظامها القديم في إباحة استعارة هذه الكتب، مع اتخاذ التحوطات والضمانات اللازمة. هذا مع سعيها في نفس الوقت إلى تجديد هذه المجموعة، وذلك بشراء الطبعات الجديدة للكتب التي صدرت لها طبعات جديدة وهي كثيرة تعد بالآلاف. أما إذا كانت دار الكتب تريد أن تغدو متحفاً آخر، وإذا كانت تريد أن تقتصر مهمتها الثقافية على تقديم كتب القصص والأدب الخفيف للشباب، فذلك ما لا نسيغه ولا نعتقد أنه متفق مع وجودها ومهمتها الحقيقية.

تحقيق صحفي شائق

قال الرئيس جفرسون ذات مرة في تعليقه على مهمة الصحافة: (إن إلغاء الصحافة لا يجرد الأمة من مزاياها بقدر ما يجردها إغراقها في الكذب. وإن المرء لا يستطيع أن يصدق اليوم شيئاً تنشره الصحف)، وقد مضى منذ عهد الرئيس جفرسون عصر طويل تطورت فيه الصحافة وغدت قوة عالمية يخشى بأسها. بيد أنه يبقى أن نتساءل دائماً: هل تؤدي الصحافة دائماً مهمتها طبقاً لمبادئ الحق والخلاق؟ هذا ما تصدى لتحقيقه بالنسبة للصحافة الأمريكية اثنان من أكابر الصحفيين الأمريكيين هما مدام سوزان كنجسبوري وهورنل هارت؛ وقد نشرا نتيجة تحقيقهما في كتاب صدر أخيراً تحت عنوان (الصحف والأخبار) وجرى هذا التحقيق تنفيذاً لرغبة (محسن مجهول) رصد لهذا الغرض مبلغاً كبيراً من المال لدي كلية (برين مور)، وقدم إليها مجموعة كبيرة من قصاصات صحفية لبث يجمعها مدى أعوام. وقد استعرض المؤلفان في كتابهما حالة الصحافة الأمريكية اليوم، والقواعد الأخلاقية والثقافية التي تسير عليها طبقاً لدستور الصحافة الأمريكي؛ وخرجا من ذلك بأن الصحافة تجري في تغذية قرائها على أسلوب آلي محض، فتقصد قبل كل شيء إلى إثارة الشعور والحس، وإذكاء تطلع القراء؛ وإن معظم قراء الصحف الكبرى يستقون معلوماتهم ويكونون أفكارهم من قراءة العناوين ورؤوس الموضوعات. وأما من حيث الناحية الأخلاقية فان الصحف لا تسير على وتيرة واحدة، وكل منها تخرج الخبر المعين في الصيغة التي تناسب اتجاهها السياسي أو الاجتماعي؛ ويترتب على ذلك أن الخبر الواحد يحدث آثاراً شتى طبقاً للصيغ والتعليقات المختلفة التي أخرج بها؛ ومن هنا تضعف الحقيقة في رواية الأخبار. كذلك يتناول المؤلفان مسألة الإعلانات وما تحدثه من اثر في أذهان القراء. ومما يلاحظانه أن الصحف الزنجية تغرق في نشر إعلانات السحر؛ وبذلك تستمر على تغذية عقول الزنوج بهذا الضرب من التخريف. وإلى جانب ذلك تكثر الصحف البيضاء من نشر إعلانات المنجمين وقراء الطالع. وينوه المؤلفان في تحقيقهما بنتيجة خطيرة هي أن الصحافة كانت مسئولة في العصر الأخير عن زعزعة الإيمان بالديمقراطية والثقة في مزاياها، وذلك لما تغرق فيه من تشويه نتائج الحكم الديمقراطي، ومن نشر الأنباء التي تسبغ الريب على صلاحيته من النواحي الاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

نقول: وإنه ليجدر بأحد الصحفيين المصريين النابهين أن يقوم بمثل هذا التحقيق، فيحدثنا عن الآثار التي أحدثتها الصحافة في العصر الأخير في عقلية المجتمع المصري، وعن مدى التزام الصحافة المصرية في أساليبها وفي مقاصدها للقواعد الأخلاقية والثقافية الحقة.

توماس مان والجامعات الألمانية

كانت جامعة بون الألمانية ضمن الجامعات التي منحت كاتب ألمانيا الأكبر توماس مان درجاتها الفخرية، وكان ذلك قبل قيام الوطنية الاشتراكية في ألمانيا، وأيام أن كان الكاتب الكبير في إبان مجده؛ ولكن ألمانيا الهتلرية تنكرت لجميع الكتاب الأحرار، وكان توماس مان في مقدمة ضحايا النظام الحالي، فغادر ألمانيا إلى إنكلترا مع أخيه الكاتب الكبير هينريش مان؛ ثم نزعت عنه الحكومة الهتلرية جنسيته الألمانية؛ وعلى أثر ذلك سحبت جامعة بون منه درجتها الفخرية، وأعلنته بهذا التجريد في خطاب موجز جاف؛ فرد عليها توماس مان بخطاب مسهب يفيض وطنية ونبلا؛ وفيه يحمل على النظام الحالي في ألمانيا ويستعرض آثاره المخربة للحضارة الألمانية والتفكير الألماني؛ ثم يعرب عن حزنه لما أصاب الجامعات الألمانية في هذا العهد من الصغار والذل. ويقول: (إن الجامعات الألمانية تحمل قسطاً عظيماً من المسئولية في المحنة الحاضرة لأنها أساءت فهم مهمتها التاريخية، وسمحت بأن تكون مهاداً لتغذية القوى الهمجية التي خربت ألمانيا من الوجهات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية. . . وإن كاتبا ألمانيا يدرك مسئوليته وتتوق وطنيته إلى الإعراب من الوجهة المعنوية عن كل ما يحدث في ألمانيا لا يستطيع أن يغض الطرف عن ذلك البلاء الذي يعصف بوطنه، والذي يسحق الأجسام والعقول والأرواح ويسحق الحق والصدق). وقد ظهرت رسالة توماس مان هذه إلى جامعة بون أخيراً بالإنكليزية وأحدث نشرها أثراً عميقاً في إنكلترا وأمريكا. وتوماس مان هو بلا ريب أعظم كتاب ألمانيا المعاصرين، وهو يحمل جائزة نوبل للآداب

مدرسة اللغات الشرقية وخلف السير دينسون روس فيها أعلنت (الصنداي تيمس) أن مدرسة اللغات الشرقية قد ساعدها الحظ فوجدت خلفاً للسر دينسون روس من بين رجالها هو المستر رالف ترنر. وكان قد عين أستاذاً في جامعة (سانسكرت) بلندن سنة 1923 واشتغل مع السر دينسون روس في مدرسة اللغات الشرقية

ومن المحتمل أن يكون المستر ترنر أقل معرفة بالشرق الأوسط من السر دينسون، ولكنه من المستشرقين الذين لهم شهرة عالمية. وقد تخصص في فقه اللغات الهندية الآرية

كاتب فرنسي يزور مصر

وصل إلى الإسكندرية الأستاذ كلودفارير الكاتب القصصي الفرنسي المعروف. وسيزور القاهرة ويقضي يومين فيها ثم يبرحها عائداً إلى فرنسا

والمسيو كلودفارير ينتسب إلى جماعة من البارزين في المجتمع الفرنسي والمشتغلين بالثقافة؛ وتنظم هذه الجماعة الآن رحلة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط للدرس والسياحة