انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 218/الصحراء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 218/الصحراء

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 09 - 1937



للأستاذ أنور العطار

سَرَبَْ في رِحَابِهَا قِصَصُ الحُبِّ ... وَغَنَّتْ في شَاطِئَيْهَا الرِّمَالُ

مَا ثَنَتْهَا الأَحْقَابُ عَنْ مُتَعِ الشِّدْ ... وِ وَلاَ طَافَ بالنِّشِيِد مَلاَلُ

تَتَغَنَّى والكَوْنُ نَشْوَانُ باللَّحنِ ... فَتَهْتَزُّ في الأَقَاصِي الجبَالُ

وَتَضِجُّ الوِدْيَانُ بالنَّغَمِ البِكْرِ ... وَتُزْهَي أَغْوَارُها والدِّحالُ

نَغَماتٌ أََصْغَتْ إِليها اللَّيالي ... وَوَعَتْتَها العُصُورُ وَالأَجْيَالُ

فإِذا العَالَمُ أبْتِسامٌ وَصَفْوٌ ... وَرَبيعٌ مُنَضَّرٌ مْخِلاَلُ

وإِذا الكائِنَاتُ يَغْمُرُها النُّو ... رُ وَيَطْفُو عَلَى مَدَاهَا الجَلاَلُ

حَفَلَتْ سَاحُها بِخَيْرِ الرِّسَالاَ ... تِ وَسَحَّ النَّدَى وَفَاضَ النَّوَالُ

المُرُوَءاتُ لَمْحَةُ مِنْ سَنَاهَا ... والبُطُولاَتُ والجِحَا والكمَالُ

مِلْءُ أَفْيَائِهَا السَّخَاء المُنَقَّى ... مِلْءُ أَعْطافِهَا السُّرَي والنَّضَالُ

كَرُمَتْ عُنْصُراً وَطَاَبَتْ نِجَاراً ... وَصَفَتْ كالَّنمِيِر فيها الخِلاَلُ

فَهْيَ مَهْدُ النَّجْوَى وََمُنْبثَقُ النُّو ... رِ وَدُنْيا تَرُودُها الأَبْطَالُ

مَا عَلَيْها إِنْ شَحَّتِ الأََرْضُ بالخَيْرِ ... إِذا لَمْ تَشِحَّ فيها الخِصَالُ

لَيْسَ يَحْيَا فيها الضَّرَاعَةُ والذُّلُّ ... وَلاَ يَصْحَبُ العُلا إِذْلاَلُ

لاَ تَطِيبُ الحَيَاةُ تَطْفَحُ بالبُؤْ ... سِ إِذا لَمْ يَهُزَّهَا اسْتبْسَالُ

حُرَّةٌ تُنْجِبُ الغَطَارِفَةَ الصِّيدَ ... فَلاَ عَاجِزٌ وَلا سألُ

كُلُّهُمْ كادِحٌ نَمَتْه الدِّرَايَا ... تُ وَزَانَتْ أَقْوَالَهُ الأفْعَالُ

يَغْنَمُ العَيْشَ خَالِصاً لم يُهَجِّنْهُ ابْتذَالٌ وَلَمْ يَعِبْهُ اتِّكَالُ

والهَنَاَءاتُ شِرْعَةٌ لَمْ يَرِدْهَا ... خَائِرُ العَزْمِ، والهْنَاَء اهْتِبَالُ

هَا هُنَا الشِّعْرُ والرَّحيقُ المُصَفَّى ... هَاهُنَا السِّحْرُ واللَّيَالِي الخِصَالُ

هَا هُنَا السِّامِرُ المُضَمَّخُ بالعِطُرِ ... وَلِلْحُبِّ في حِمَاهُ اخْتِيَالُ

هَا هُنَا قَيْسُ يَسكُبُ الرُّوحَ أَنْغَا ... ماً وَعَيْشُ المُتَيَّمينَ ابْتهَالُ

شَجَنٌ صَارِخٌ وَيأَسٌ مُذِيبٌ ... وَحُظُوظٌ سُودٌ وَدَمْعٌ مُذَالُ ضَائِعٌ في مَجَاهِلِ الأَرْضِ تَبْكي ... لِبُكاهُ الآثار وَالأطْلاَلُ

يَسْأَلُ النَّجْمَ أَيْنَ لَيْلايَ يا نَجْمُ ... ولا يُهْدِيُّ المُحِبَّ السُّؤَالُ

تَتَنَاجَى الرِّمَالُ إِنْ هُوَ غَنَّي ... وَتَرَامَي كأَنَّهَا الأَطْفَالُ

يُرْسِلُ الشِّعْرَ حَافِلاً بالخَيَالاَ ... تِ كَمَا تُرْسِلُ الرُّؤَي الآصَالُ

تَتَنَزَّى أَضْلاَعُهُ مِنْ جَوَي الحُبِّ وَدَاءُ الهُيَامِ دَاءٌ عُضَالُ

يَا لَهُ شَارِداً تَقَاذَفُهُ ... البِيدُ وِيَطْوِيِه ضَعْفُهَ وَالكلالُ

لَمَعَتْ في القِفَارِ هَلْهَلَةُ الفَجْرِ، ... وَلِلفْجَر مِطْرَفٌ هَلْهَالُ

فَعَلَى الرَّملِ مِنْ رُؤَاهُ تَهاوِيلُ ... وفي الأُفْقِ جَدْوَلٌ سَلْسَالُ

والنَّعَامَاتُ مَاتَني مَجْفَلاتٍ ... وَلَقَدْ زَانَ حُسْنَها الإِجْفَالُ

هِيَ في بَسْمَةِ الصَّباحِ أَبَادِيدُ وفي مَوْجَةِ الضُّحى أَرْسَالُ

تَتَحَرَّى مَوَاقِع المَاءِ عَجْلَى ... لاَهِفَاتٍ وَوِرْدُهَا الأَوْشَالُ

صَغُرَتْ رُقْعَةُ الفَلاَةِ بعَيْنَيْهَا ... وَقَلَّ المَدَى وَضَاقَ المجَالُ

تَنَهْبُ العُمْرَ في مُسَابَقَةِ الظِّلِّ ... فَيُضْوِي أَرْوَاحَهَا الإِرْقَالُ

قُلْتَ مَجْنُونَةٌ أَطَافَ بها الذُّعْرُ ... فما تَستْقَرُّ فيها الحَالُ

عَيْشُهَا كُلُّهُ عَنَاءٌ وَكَدٌ ... وانْتِوَاءٌ لا يَنْقَضي وارْتِحَالُ

زَحَمَتْ في وَجِيفهَا مَنْكبَ الرِّيح ... وَضَاعَتْ كَمَا تَضِيعُ الظِّلالُ

فَهْيَ خَطٌّ في مُصْحَفِ الأُفْقِ نَاءٍ ... غَّيَبْتهُ الأَبْعَادُ وَالأَطوَالُ

عَنْ يَمينِي وَعَنْ شَمِالي رِمَالٌ ... قَلقَاتٌ مُرَوَّعَاتٌ نِهَالُ

يُوشِكُ الهُلْكُ أَن يُصَافِح عَيْنَيَّ وَبِي مِنْهُ رِعْدَةٌ وانْذِهَال

هَا هُنَا المَوْتُ كالِحُ الوَجْهِ بادٍ ... وَلَهَ جُرْأَةٌ وَفيهِ صِيَالُ

لَطَمَتْ خّدَّهَا الجَنُوبُ مِنَ الذُّعْرِ ... وَجُنَّتْ مِنَ الصُّرَاخ الشَّمالُ

وَالمَنَاجَاتُ فِي الرِّياحِ تَوَالَي ... لَمْ يَفُتْهَا الإِرْنَانَ وَالإِعْوَالُ

دَارَةٌ لِلْعَوَاصِفِ الهُوج تَلْهُو ... فِي حِمَاهَا الخُطُوبُ وَالأَهْوَالُ

تَتَلَظَّى الرَّمْضَاءُ فِي سَاحَتَيْهَا ... وَلَها فِي دَمِ الشُّمُوسِ اغْتِسَالُ

تَتَدَجَّى الدُّنْيَا وَتَصْطَخِب الأَرْ ... ضُ وَتُرْغِى فيها الشُّجُونُ الثِّقَالُ وَهْيَ غَلْفَاءُ ما يَعَاوِدُها الرُّعْبُ وَلَيْسَتْ تَرُوعُها الأَوْجَالُ

لا تَنَالُ النَّكْبَاءُ مِنْ عَزْمِهَا الثَّبْتِ ... وما إِنْ يَهيجُهَا زِلَزْالُ

جَثَمَتْ فِي فَضَاءِ رَبِّي شَمَّا ... َء وَتَاهَتْ كأَنَّها الرِّئْبَالُ

أَغْفَتْ الكُثْبُ ما تُبِينُ من البُهْرِ ... وَنَشَّتْ مِنْ الظَّمَاءِ التِّلالُ

حُمَّتِ الكائِنَاتُ واحْتَدَامَ الحَرُّ ... وَذَابَ الحَصَا وَسَالَ الضَّالُ

لَفَظَتْ رُوحَهَا الهَجِيرُ مَلاَلاً ... وَتَرَاخَتْ مِنَ اللُّهَاثِ الرِّئالُ

يأُكُلُ الحَرُّ لْحَمَهَا وَهْيَ صَرْعَى ... مَثْلَمَا تأْكُلُ الشُّمُوعَ الذُّبالُ

فَهْيَ هَلْكَي عَلَى فِرَاشٍ مِنَ الَجَمْرِ ... بَرَاهَا شحُوُبُها والهُزَالُ

أَيُهذَا السَّرَابُ يا صُورَةَ الدُّنْيا ... نَهَاوَتْ في لُجكَ الآمَالُ

لَحْتَ لَيِ تَزَدَهِيكَ بيضُ الأمَانِي ... فَارْتَوَى خَاطِرِي وَرَفَّ الخَيَالُ

عَلِقَتْ مُهْجَِي بَلأُلائِك الغَمْرِ ... وَأَغْفى بَنَاظِري الزِّيالُ

فَنيَتْ في رَؤَاكَ قَافَلةُ العُمْرِ وَأَوْدَى بها الأَذَى والمطَالُ

لَمْ تَزَلْ تَرْتِمي عَلَى الماءِ هَيْمَي ... وَهْوَ نَاءٍ لا يَدَّنيهِ مَنَالُ

شَخَصَتْ مُقْلَتِي وَضَلَّ ضَلاَلِي ... وَمِنَ الحُب فِتْنَةٌ وَضَلاَلُ

تَتَسلَّى بِنَا الأَعَاليلُ جَذْلي ... وَاْلأَعَاليلُ مْحِنةٌ وَخَبَالُ

لاَ يَرُدُّ الإِعْيَاَء عَنَّا التَّشَكِّي ... لاَ وَلاَ يَصْرِفُ العَذَابَ مَقَالُ

فَاضْحَكِي يا رِمَالُ مِنْ خُدَعِ الآ ... لِ فَقَدْ يُضْحِكُ الفَطيِنَ الآلُ

وَارْقُصي في مَجَاهِلِ البِيِدِ حَتَّى ... تَتَعَايا الجِنَّانُ وَالأغْوَالُ

وَامْرَحِي في سَوَانِحي وَخَيَالِي ... لَيْسَ يَثنَيكِ عَنْ مَرَام مُحَالُ

وَاحْطِمي هَذِهِ القُيُودَ لأَحْيَا ... رُبَّمَا أَفَنَتِ المُنَى الأََغْلاَلُ

وَدَعِيني أَعِشْ كَمَا أنْتَفَضَ الطَّلُّ ... وَرَفَّ السَّنَا وَمَاجَ الزُّلاَلُ

أوْ كمَا غَرَّدَتْ عِشَاشُ القَمِارِي ... وَتَغَنَّى فِي الوهْدَِة الشَّلاَّلُ

خفقَ القلب فاذكرت بلادي ... وبلادي الحقولُ والأَدغالُ

وَبِلاَدِي الأَنْهَارُ تَهْتِفُ سَكْرَي ... والنَّدَى السَّمْح والسُّلاَفُ الحَلاَلُ

والرِّياضُ اللِّطَافُ تَعْبَقُ بالعِطْرِ ... حَلَتْهَا الأََفْيَاءُ والأََظْلاَلُ واليَنَابِيعُ حُقَّلٌ بالأنَاشِيدِ تَرِاخَي فيها السَّنَا والبِلاَلُ

لا يُرَوِّعْكَ مَدْمَعِي وَهُيِاَمِي ... أَنا سِرُّ الهَوَى وَأَنْتَ الجَمَالُ

تَتَرَاَءى لِنَاظِري مِنْكِ أَرْوَا ... حٌ رِقَاقٌ يَلَذُّ مِنْهَا الوِصَالُ

فَأُنَاجِي وَمَا أَمَلُّ التَّنَاجِي ... وَأَغَنِّي وَلِلْهَوَى اسْتِرْسَالُ

وَبِنَفْسي لْحَنٌ جَبيِبٌ يُسَلينِي ... وَحُلْمٌ يَهْفُو إِلَيْهِ البَالُ

وَتَصَاوَيرُ مِنْ رِباعِيَ شَتَّى ... مَالَها الدَّهْرَ فِي الوُجُوِدِ مثَالُ

هِيَ سَلْوَاىَ إَنْ أَظَلَّنِيَ الهَمُّ ... ومَادَتْ بِيَ الخُطُوبُ الطِّوالُ

نَهِلَ الحُبّث مِنْ مَنَاعِمَها الزُّهْرِ ... وَضَاَءتْ بَسحْرِهَا الأَشْكالُ

فَهْيَ في العَيْنِ صُورَةٌ لَيْسَ تُمْحَي ... نَاَم عنها البِلَى وَأَغْفَى الزَّوَالُ

وَهْيَ فِي القَلْبِ فَرْحَةٌ تَمْلأُ القَلْبَ ... فَتُطْوَى بِحُلْمِهِ الآجالُ

يا رِباعَ الخَلَودِ عاَشَ لكِ العَّدْ ... ولا زَالَ خِدْنَكِ الإِقْبَالُ

أَنْتِ مِنِّي الحُلْمُ الذي أَشْتَهِيِه ... وَمِجنِّي وَمَفْرَعِي وَالمَالُ

أَيُّهَذَا القَفْرُ الذَّي أدَّرَع الهَوْ ... لَ وَغَابَتْ فِي صَمْتِهِ الآزَالُ

أَنَا فِي كَوْنِكَ الرَّحيبِ ندَاءٌ ... أَخْفَتَتْهُ الأَوْجَاعُ وَالأعْلالُ

تَتَرَامى بِيَ الهُمُومُ العَوَاتِي ... والشَّجَا المرُّ والأَذَى والنَّكالُ

أتعَبَتْنِي المُنَى وَمَا زِلْت أَشْقَى ... وَأُعَنُّي وَلِلْمُنَى بَلْبَالُ

وَبِقَلْبِي دَاءٌ عَيَاءٌ قَدِ اسْتَعْصَى ... وَجُرْحٌ لا يَعْتَريِه انْدِمَالُ

وَجَنَاحُ الَحَياةِ مِنِّي مَهِنيِضٌ ... لا تُقَوِّيهِ رِحْلَةٌ وِانْتِقَالُ

فَلَعَلِّي أُبلُّ في جَوْبِيَ البِيدَ ... وَمَا يُرْتَجَى لِيَ الإِبْلالُ

خَاطِري مِنْ أَذِيَّة الدَّهْرِ مَكْدْو ... دٌوَ جْسِمِي مِنَ الضَّنى أَسْمَالُ

أَقْطَعُ العُمْرَ فِي غَمِارِ الرَّزَايا ... وَحَيَاتِي زَهَادَةٌ وَاعَتْزَالُ

يا رمَالَ الآبِاد مَا أدكِ الَّسيْرُ وَلاَ هَدَّ عَزْمَكِ التَّرْحالُ

أَبَداً تَوغِليِنَ فِي المْجَهلِ النَّا ... ئِي وَمَا إِنْ يَرُوعُكِ الإِيغالُ

غَابَ فِي يَمِّكِ الرَّهيب أَخُو القّفْر ... وَطَاحَ المُسَافِرُ الجَوَّالُ

هَدَأَ الدَّهْرُ مِنْ نِظَالِكِ تَعْبَا ... نَ وَمَا نَالَ مِنْ قُوَاكِ النِّضَالُ أَنْتِ لَحْنٌ مِنَ الخُلْوِد نَقِيٌّ ... وَنَشَيِدٌ مِنَ البَقَاءِ حَلاَلُ

أنور العطار