انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 215/هل أسلوب الحكم وحده كافي في تطور الشعب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 215/هل أسلوب الحكم وحده كافي في تطور الشعب

مجلة الرسالة - العدد 215
هل أسلوب الحكم وحده كافي في تطور الشعب
ملاحظات: بتاريخ: 16 - 08 - 1937


ورقيه؟

للدكتور محمد البهي قرقر

بتطور العلم الطبيعي ومراعاة الحقائق الراهنة والدنو من الواقع تغير مقياس الحكم على النظريات العلمية الفلسفية. فبعد أن كان أساس الحكم عليها تعمق صاحب النظرية في الفكر وتشعب تفكيره في فروض متعددة وخيالات مظنونة، أصبح إمكان استخدامها أو عدم إمكانه في حياة الإنسان العملية ميزان الصحة أو الخطأ في الحكم على نظرية من النظريات الفلسفية. ففلسفة العصر الحديث توجه عنايتها إلى الواقع وإلى الناحية العملية والسلوك النفسي للفرد والجماعة أكثر من النظر فيما وراء الطبيعة والبحث عن معنى النفس وهل هي جوهر أو عرض، أو غير ذلك من الأسئلة التي تحوم حول ماهية النفس وكيفية تركيب الوجود على العموم.

وأسلوب الحكم ونوع النظام الذي تسير عليه أمة من الأمم خاضع لهذه القاعدة، لأنه لا يخرج عن أن يكون عملاً عقلياً له صدى نفسي عملي أيضاً في تلك الأمة. فهو من أهم موضوعات الفلسفة الواقعية الحديثة؛ يلقى استحساناً في كل مكان إذا برهن على يد قائد سياسي إمكان استخدامه والانتفاع به في الحياة العملية للشعب، ولكن ربما يكون طالع نحسه في سوء استخدامه لا في ذاته نفسه.

فالحياة العملية هي في الواقع محك أية نظرية فلسفية؛ فان لم تتفق النظرية معها أو لم تجد نفعاً لها فهي إما خيال مفروض أو لم يئن الأوان لها بعد ولم يدن وقت استخدامها، لا لأنها لم تنضج - فقد تكون في ذاتها ناضجة - ولكن لأن الحياة العملية للشعب ربما لم تتطور نسبياً بما يدانيها.

صلاحية نظام أي حكم أو عدم صلاحيته مرتبط بحال الأمة التي ينفذ فيها. وكونه عاملاً من عوامل رقي الشعب يتوقف إلى حد كبير على موقف الشعب العملي نفسه منه ومن مبادئه، وعلى تأثره به.

وكل أنظمة الحكم في العصر الحديث تدعي أنها تقصد إلى تحقيق فضيلة خلقية، يكون من ورائها رفاهية الشعب ورقيه، وشعور كل فرد بمعنى السعادة.

فالنظام الشيوعي يزعم أنه يريد تحقيق العدالة ومعنى المساواة في كل ناحية من نواحي الحياة وبالأخص في الناحية الاقتصادية التي لم يمسها بالتعديل نظام حكم قبله. وحينما كان نظرياً لقي أتباعاً كثيرين ولاسيما بين الطبقات الفقيرة والعاملة. فلما نزل به زعماؤه في الحياة العملية وحاولوا تطبيقه أثبت أنه خيال مفروض ووهم لا يمكن أن يساير الحقيقة. ولم ينل الشعب الذي رغب في الأخذ به من ورائه إلا الفوضى والشقاء. ومع ذلك لم يحكم الشعب نفسه، وإنما تحكمت فيه فئة قليلة منه ضمنت لها السيطرة بالقوة والعنف، فهو حكم استبدادي لا شعبي.

والنظام الديمقراطي (الهادئ الرزين)، الذي لا يتشدد في معنى الوطنية - أو على الأصح الذي لا يعرف وطناً -، والذي هو مفعم بحب (الإنسانية)، يبغي أيضاً الوصول إلى العدل، يبغي إعطاء الشعب حقه بتسليمه مقاليد أمره. ولخلابته - لأنه يحض على محبة الإنسانية والعمل على (السلام)، وفي الوقت نفسه يتملق الشعب ويدعي أنه في خدمته، مع المحافظة على نشاط الفرد المالي - لقي أنصاراً عديدين وأضحى أمنية لكثير من الأمم الضعيفة التي لم تزل في سن الطفولة بعد خلقها ونشأتها، لأنها تحب العمل للإنسانية المزعومة وتميل للسلام العالمي - بمقتضى ضعفها - وتود أن تخرج عن حكم الفرد أو الهيئة الأرستقراطية.

والحياة العملية لمثل هذه الشعوب أصح مقياس للوقوف على حقيقة هذا النظام وعلى مبلغ حصته في رقيها، لأنها تفهم (الديمقراطية) فهماً ساذجاً فطرياً، فهماً لغوياً لا سياسياً، فالمعنى السياسي وملكة التلاعب بالسياسة لم تتكون عندها بعد، ولأنه ليس من إنتاجها العقلي بل اقتبسته وآمنت به، فأثره حينئذ، إيجابا أو سلباً، أظهر، والحكم له أو عليه أصح وأقرب للواقع.

ومصر دولة من الدول العربية التي تغرم بالديمقراطية، ونظام حكمها ينص على أنها (دولة ذات سيادة، وهي حرة مستقلة وحكومتها ملكية وراثية، وشكلها نيابي - المادة الأولى من دستور سنة 1923)، وهو مظهر لا اعتراض عليه من ناحيته الشكلية والقانونية، ولا من ناحية ما إذا كانت هناك رقابة أجنبية فعلية، أو سياسة مجاملة، تقيد في الواقع بعض الشيء من هذه السيادة، فالدول الصغيرة تتمتع دائماً من الوجهة الدولية باسم السيادة التامة وإن كانت تسير في سياستها العملية طبقاً لخطة دولة أخرى ذات نفوذ أكبر تحت ستار (الصداقة) أو (المحالفة) لغرض مزدوج: لوقاية الدولة الصغيرة من اعتداء أجنبي - وما هو في الواقع إلا اعتداء على نفوذ الدولة الكبرى في سياسة الدولة الصغرى - ولمنفعة الدولة الحليفة الكبرى اقتصادياً وأدبياً في السياسة العالمية. ولكن الشيء الذي يرغب الآن في بحثه هو: هل من الممكن بواسطة هذا النظام نقل مصر من حالتها الراهنة إلى حالة أرقى، وما مبلغ أثره في تطور الشعب؟

وبحث هذا يتطلب الوقوف على السلوك العملي للشعب إزاء هذا النظام، ثم على مقدار استفادته منه. ولبيان السلوك العملي له وموقفه تجاه هذا النوع من الحكم أود أن أقتبس من دستوره بعض المواد التي لها صور عكسية بارزة في حياة الأمة العملية والتي يقابلها بعض الظواهر النفسية التي لها صفة الأغلبية في الشعب، وبعبارة أخرى المواد التي لها مساس كبير بهذا السلوك النفسي.

(1) في الفصل الثالث من الدستور يقضي أسلوب الحكم بتأليف هيئة شعبية نيابية، لها صفة الرقابة على القوة التنفيذية بطريق الاقتراع العام. وصاحب الأغلبية في هذه الهيئة يتولى رياسة تلك القوة.

ومن خصائص الشعب المصري وألزم صفاته للآن السير وراء العاطفة والرغبة في التصديق، والتمسك بالعقيدة، فهو سريع التأثر بالوعود الخلابة، وخصوصاً بالتي على وفق رغباته المتخيلة، لا يضعف تأثره بذلك إرهاب أو اصطدام بالواقع، وهكذا شأن العاطفة إذا هي احتلت من النفس مكاناً واسعاً، يكاد يكون لها كل سلطان على السلوك النفسي.

لهذا لم تتحلل نتيجة الانتخاب بعد من أثر الدعاية المنظمة - التي تسير طبق رغبات الشعب - ومن قوة العاطفة الحساسة الخارجة عن الاعتدال التي هي أميل بكثير إما إلى الانفعال والقابلية (في حالة التصديق) وإما إلى الرفض والمعارضة (في حالة الجحد والإنكار).

وزيادة على ما للشعب من هذه العاطفة فهو لم تتكون عنده بعد الملكة السياسية، أو بعبارة أخرى لم تتميز عنده قوة الحكم المبنية على الروية والتفكير من قوة العاطفة الثائرة التي لم تهذب بعد. ولعل ذلك يرجع إلى جهلة وتركه مدة طويلة إلى الطبيعة التي كانت تكتنفها عوامل متناقضة.

الأكثرية النيابية إنما تعبر عن قوة العاطفة المصدِّقة التي تغلب على الشعب وتكون الجزء الأعظم من نفسيته. ولهذا يصح أن يقال إن الحكم الديمقراطي الصادر عن ملكة سياسية والمرتكز على قوة شعبية لا تغلب عليها العاطفة لم يتحقق للآن، وإن وجد أسلوبه ورسمت مبادئه النظرية.

(2) ينص الدستور أيضاً على الحرية الشخصية، على حرية الاعتقاد، وعلى حرية إبداء الرأي والنقد.

(المواد 4، 12، 14). حرية الفكر والاعتقاد، حرية إبداء الرأي والنقد يتمتع بها إذن، قانونياً، كل فرد يعيش في مصر. والمصري طبعاً يفكر ويبدي رأيه وينتقد ككل إنسان لأن هذه معان عامة، ولكن طريقته في التفكير وفي إبداء الرأي وفي النقد ربما تنم عن فهم آخر لمعنى الحرية فيها: تنم إما عن سوء في الفهم أو قصر في إدراك ما هي الحرية في شيء من الأشياء، وربما لم يفهم بعد أن الحرية معنى محدود غير مطلق، حرية في شيء مقيدة بجواز استعمال شيء آخر ربما يكون مضاداً للأول ونقيضاً له.

حرية التفكير ما زالت تستخدم في مهاجمة الدين وجرح العاطفة الدينية للشعب، بل أظهر صورها التهكم بمعتقدات الأمة والسخرية بعاداتها، حرية إبداء الرأي تستعمل في الخروج عن المألوف للأمة والاستخفاف بما هو مقدس عندها، حرية النقد سبيله العملي جرح الكرامة الشخصية أو الجدال للجدل في غير طائل.

حرية التفكير، حرية إبداء الرأي وحرية النقد حق سام من حقوق الشعوب المتمدينة، ولكنه لا يصح أن يتخذ أداة للهدم، فوظيفته يجب أن تكون إيجابية لا سلبية. جعلته بعض الدول الراقية حقاً شرعياً لأفرادها بعد ما شعر الشعب من نفسه بقدرته على كظم شهوته العقلية وحاجته إلى تقرير ذلك ضد حاكم مستبد أو ابتغاء المساواة بالفئة الأرستقراطية التي كفلت لنفسها هذا الحق منذ زمن بعيد.

فتقرير حرية الفكر وإبداء الرأي والنقد لكل فرد من أفراد الشعب حق إنساني فطري جميل، وأجمل منه استعداد الشعب وإعداده لاستخدام ذلك في طريقه الطبيعي وتشريعه له من نفسه، لا إعطاؤه له منحة أو فرضه عليه فرضاً، فالطفل إذا ما أفسح له الطريق ربما يلقى حتفه في هاوية.

(3) كذلك المساواة أمام القانون. المساواة في وظائف الدولة مبدأ شريف نصت عليه المادة الثالثة من الدستور المصري، (المصريون لدى القانون سواء، وهم متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية. . . .)

المساواة في الحقوق العامة مزية من مزايا الحكم وظاهرة من ظواهر عدله، ولكن أساس التفضيل وقاعدة الاختيار لوظائف الدولة في الأمم الراقية الجدارة الشخصية وإمكان القيام بالواجب نحو الأمة؛ ومقياس تلك الجدارة الإنتاج العملي لا الهوى الحزبي؛ وما شرعت المساواة وجعلت حقاً من حقوق الشعب إلا لإفساح المكان للجدارة والكفاية لا للنسب والعائلة. وكلما كان الشعب إلى الفطرة أقرب كانت لعلاقة النسب والقرابة في التمييز بين فرد وآخر وتخصيصه بمنصب من مناصب الدولة الكبرى الأثر الأول، لأن قوة الحكم في الشعب حينئذ ما زالت تعتمد على العصبية، فإذا ما تطور الشعب بعوامل التهذيب جُعلت القاعدة في الاختيار والتفضيل الكفاية الشخصية وتُنوسيت عصبية القرابة الضيقة، لأن مجموع الشعب أصبح حينئذ يعتبر كمجموع أفراد لعائلة واحدة.

ومن هنا تغلب الظاهرة النفسية التي تسمى (المحسوبية) - والتي تعد مرضاً اجتماعياً خلقياً في الشعب - في الشعوب الفطرية أو فيما هي أقرب إليها وإن اتخذت أحدث الأساليب في نظام الحكم، فإذا كانت هذه الظاهرة متفشية الآن في مصر - وستبقى متفشية فيها مهما شرع ضدها من قوانين، لأن علاج ذلك ليس بسن قانون وتشريع وإنما بتهذيب الشعب نفسه - فذلك لأن الشعب المصري مازال يعتبر قاعدة الجدارة في الاختيار في المنزلة الثانية.

فالمبادئ الأساسية التي هي مظهر الحكم الديمقراطي، من تمثيل نيابي وإعلان حرية الفكر وإبداء الرأي والمساواة أمام القانون والتمتع بالحقوق السياسية والمدنية لكل فرد مصري أو متمصر، موجودة في أسلوب الحكم المصري الحديث، ولكن مظاهر الحياة الواقعية للشعب تدل على أن سلوكه العملي منحرف عنها وموقفه تجاهها سلبي. وبالرغم من ذلك فهل يترقب لهذا النظام أثر إيجابي حتى يكون كفيلاً بتغيير هذا الموقف وبترقية الشعب؟.

لا يجحد أن تمشى الحكم مع هذه الأسس من العوامل التي تُشعر الفرد باستقلاله وحريته وتؤمّنه على حياته الفردية وتفسح المجال لجده وذكائه. واستقلال الفرد وإفساح المجال لجده ومواهبه من أسباب رقي الأمة كمجموعة متكونة من أفراد تربطهم روابط عدة، طبيعية وثقافية، ولكن هذه النتيجة الإيجابية مقيدة بتنفيذ هذه الأسس وبفهم الشعب لها فهماً صحيحاً، والتنفيذ والفهم كلاهما ليس حاصلاً لأي أسلوب من أساليب الحكم، وإنما هما مقدمة من مقدمات نجاح الحكم نفسه وعادة تتكون بالمران في نفسية الشعب.

فأسلوب الحكم نفسه لا ينتج عادة وإنما يرعى العادات. في ظله تتكون عادات ذات أثر إيجابي أو سلبي في رقي الشعب أو انحطاطه. وتكوُّن العادات الحسنة سبيله الوحيد التربية والتهذيب. فإذا استقر في نفس الشعب حب الحرية وفهمها فهماً صحيحاً، إذا عرف معنى المساواة، كان عمله طبق ذلك الفهم وهذه المعرفة، وكانت خطواته دائماً إلى الأمام؛ وما أسلوب الحكم الديمقراطي حينئذ إلا مظهر خارجي فقط لمعنى نفسي مستقر، طبيعي أو مكتسب.

فالشك إذن محوط بنظام الحكم وبنتائجه الإيجابية في رقي الشعب كعامل أول في تطور الأمم، ولكن الأمر الذي لا مرية فيه هو عامل التربية التي تنفذ إلى نفس الفرد والجماعة وتكيفها حسبما تختط الأمة لنفسها.

فإذا لم يرب الشعب الضعيف المستعبد على حب الحرية والمطالبة بالاستقلال، لم يشعر بمعنى الحرية وبمزايا الاستقلال إذا ما تركته القوة المستعمرة وخلته ونفسه، بل بالعكس لا ينال من هذا الاستقلال إلا الفوضى وعدم استقرار النظام حتى يتحكم فيه نفر من الشعب نفسه ويسوسه بالقوة والعنف ويومئذ يشعر بحكومة وبنظام.

فإذا قدر للنظام الديمقراطي في أمه لم تتكون عندها بعد الملكات الاستعدادية له أن يكون ذا نتيجة إيجابية في تطور الشعب فلن تلمس إلا بعد زمن طويل وجهد شاق يقوم به زعيم مترسم لبرنامج معين مقصود. ومع ذلك يصح أن ينسب هذا التطور إلى الزعيم كمرب اجتماعي لا إلى الحكم الديمقراطي من حيث هو.

فالنظام الديمقراطي في إنكلترا مثلا ليس نظاما موضوعا ولا مواد دستورية مفرغة في الصيغ القانونية، وإنما هو نظام يحس به الشعب وقد خلقه من نفسه خلقاً، وتكون كنتيجة لازمة لأسلوب مخصوص في التربية، ولعادات مخصوصة لها بطول الزمن قوة الملكات الفطرية.

والشعوب الأخرى التي تحاول تقليد الدستور الإنكليزي ولم يكن لها بعد ما للشعب الإنكليزي من الاستعدادات والملكات السياسية لا تستفيد من هذا التقليد غلا التخبط وعدم الاستقرار. وما أشد عنايتها حينئذ بالصيغ الدستورية، وما اكبر ولعها بالترنم بأغاني الدستور والتشدق بمواده، أما الشعب نفسه، أما مصالحه، فأمر ثانوي يأتي بعد تنفيذ نصوص الدستور، كأنما الشعب خلق للدستور لا أن الدستور وجد لخدمة الشعب ورفاهية الأمة. ما ذلك إلا لأن التقليد فيما يسمى (دستوراً) لا فيما يقصد من الدستور، في مظهر من مظاهر المدنية لا في: كيف تتكون المدنية. بينما الشعب الإنكليزي نفسه أو أي شعب آخر كون له دستوراً من نفسه لا يلقى الأهمية إلا على: ماذا يقصد من الدستور. وهكذا الضعف يخلق صفة الأمانة والإخلاص في المظاهر فقط، فما أشد الأمم الضعيفة تمسكاً بنصوص ما يسمى قوانين دولية، وما أخلص الفقهاء للنصوص الفقهية - لا للروح الفقهية - في وقت الضعف وانحطاط مستوى الإنتاج العقلي.

فحرية الفكر وحرية إبداء الرأي والمساواة أمام القانون - أو بعبارة أخرى الدستور نفسه - معان تغرس في النفوس ويروض عليها الشعب الفطري أو ما هو قريب منه حتى يقيد حريته الهوجاء التي لا تعرف حرمة للغير ولا للجماعة، وحتى يحد كل فرد من جشعه وأنانيته، ويومئذ توجد الحرية الصحيحة وتستعمل في موضعها وتتحقق المساواة أمام القانون فعلاً.

فالدستور قبل كل شيء معنى خلقي أو هو يرتكز على الأخلاق التي تأخذ صبغتها الوطنية، وما أحوجه لذلك في ثباته واستقراره إلى الدين والتدين. فكلما اشتد ميل الشعب الديني ازداد تمسكه بالدستور، وكلما تحللت حكومة من الحكومات من دينها كان حكمها إلى الديكتاتورية أقرب. وهل هناك في التاريخ الحديث من هو أشد تدينا وأعرق في الدستور من الشعب الإنكليزي والحكومة الإنكليزية؟

وإذن أولى بمصر أن تعنى بدينها وخلقها وبتنشئة شبابها على التربية الوطنية من أن تجري وتتعلق بمظاهر نفعها - أن كان فيها نفع - محدود، أولى بها أن تنظر فيما يخلق الشعوب ويبنيها لا فيما يظهر عليها من أثواب ويكون لها من ألوان! محمد البهي قرقر

دكتور في الفلسفة وعلم النفس وعضو بعثة الإمام الشيخ محمد

عبده