انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 215/رسالة الفن

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 215/رسالة الفن

ملاحظات: بتاريخ: 16 - 08 - 1937



رفائيل

الفنان أبداً

للدكتور أحمد موسى

وله صورة أخرى للمادونا مؤرخة سنة 1506 وهي مسماة (مادونا ديجلي أنسيدى) محفوظة بجاليري لندن، وغير ذلك صورة للعائلة المقدسة محفوظة ببينا كوتيك ميونيخ وهي صورة منظمة تنظيماً سيمتريكياً جميلاً، غير أن روعة تصويره لعلاقة الأم بالابن لم تكن على درجة من الجودة، كتلك التي عهدناها في صوره الأخرى، وغير ذلك من صور المادونا ما هو محفوظ ببرلين وميونيخ، وبانجلترا لدى اللورد كومبر وبمنزل بردج واتر بلندن، كما أن له صورة مشهورة بإنشائها المجيد وهي المادونا (الديلويم) وقد توسطت الصورة، وعن يمينها يسوع الطفل قد أخذه النوم بينما هي ترفع عن وجهه القناع بيمناها لتمكن يوحنا الطفل من مشاهدة يسوع، وقد ركع يوحنا أمامه وكمال الخشوع بادٍ على وجهه وجمال النقاوة يغمر محياه وهي تسنده بيسارها.

والمادونا إلبا بمتحف بطرسبرج ومادونا الدوبرانديني بلندن تسجلان تطور رفائيل واتجاهه اتجاهاً لا يعد جديداً من الناحية الفنية؛ ولكنه يعد عظيماً من الوجهة الدراسية.

هذا ولا تنس أن تذكر أن من بين صور المادونا ما أثار إعجاب مؤرخي الفن بالإجماع، من ذلك مادونا دي فوليجنو (1511) بجاليري الفاتيكان، ومادونا ديلبيسكا (بمتحف برادو في مدريد) ومادونا ديلتندا بميونيخ ومادونا كولديفينو أمورا بنابولي ومادونا ديلليمباناتا بقصر بيتي بفلورنس.

ولقد وضع تصميم صور للعائلة المقدسة وترك إكمالها لتلامذته وأشهر هذه الصور بمتحف برادو بمدريد (؟) وهي المسماة لا بيرله وفيها ظهر بدع تعبير للأمومة في أسمى معانيها والحب في أبلغ مظاهره.

أما للفن الخالص فله أروع صورة للمادونا وهي المسم (مادونا دي سان سيستو) أو المادونا السكستينية. وعلى

هذه اللوحة الرائعة التي بلغ طولها 652 متر وعرضها 961

متر والتي يغلب الضن أنه صورها سنة 1515 يتجلى أعظم

ما وصل إليه رفائيل من الإنتاج الفني الخالد الذي سجله

التاريخ بمداد من نور؛ فترى العذراء (ش1) قد اعتلت الغيوم

كملكة للسماء حاملة يسوع الطفل بين ذراعيها وقد تأبطته

يمناها، وبكل حنان أسندت ساقيه بيسراها. أما الوجه فهو أنبل

ما استطاع فنان إخراجه. وفي الجهة اليسرى للصورة القديس

سكستس الثاني وهو ينظر إلى يسوع نظرة التقديس المملوءة

بكل ما أوتي رفائيل من قوة العبادة التي ملأت قلبه، وفي

الجهة اليمنى منها القديسة بربارة. وعند قدمي العذراء ترى

ملاكين يفيضان ببراءة الطفولة ووداعتها اللتين تمتلكان جميع

الحواس لكثرة ما فيهما من الصفاء والنقاء.

وقد عملت هذه الصورة خصيصاً لكنيسة دير بيارسوا، واشتراها القصر السكسوني سنة 1753 بحوالي عشرة آلاف جنيه إنجليزي في وقت كانت قيمة الجنيه فيه تعادل عشرة جنيهات في الوقت الحاضر.

وتنفرد جاليري درسدن وحدها بامتلاك أعظم قطعة لرفائيل ولذلك تسميها (درة الجاليري) بعد حصولها عليها من القصر السكسوني.

وبهذا تكون معظم صوره لمادونا قد انتهت، وله غير ذلك صورة تمثل زواج ماريا بيوسف (ش2) سنة 1504 وأسماها سبوساليتزيو محفوظة بميلانو وصورة القديس جورج يقتل التنين (باللوفر) وهي مصورة سنة 1506.

والقطعة التي يتجلى فيها حبه وهيامه بالموسيقى، وقد أظهرت أستاذيته في الفن وعظمته في الإنشاء التكويني فضلاً عن التوفيق الكامل في اختيار الألوان ومزجها وإيجاد الانسجام المثلي بينها. هذه هي صورة القديسة سيسيليا (ش3) وحولها ثلاثة تلاميذ (بولس ومجدلين ويوحنا) والقديس جيمينيانوس صورها سنة 1513 تلبية لطلب الكردينال لورنسوبوتشي لأجل سان جيوفاتي في مونتابولونا (محفوظة ببيتا كوتيك بولونا) وقد اهتم بتصوير تفاصيلها اهتماماً خاصاً حتى أنك لترى أنه على صغر مساحتها نسبياً إلى ما شملته في دقة رائعة وبراعة فائقة. فالملائكة في السماء وآلات الموسيقى على الأرض وتفاصيل الملابس والوجوه وما ارتسم على كل منها يبين لنا إلى حد بعيد مدى المقدرة العظيمة التي أظهرها في هذه القطعة.

وله صورة هامة صورها لكنيسة ماريا ديللوسباسيمو في سنة 1517 والتي حازها فيليب الرابع ملك أسبانيا من نفس السنة تبين (حملة الصليب) وهي محفوظة بمتحف برادو بمدريد (؟) وتشمل ستة عشر وجهاً كبيراً بين نساء ورجال عدا رؤوس الخيول وبعض الناس في مؤخر الصورة وهي رائعة الإنشاء التكويني والموضوعي، ترى فيها الوجوه التي طغى عليها اليأس والقنوط إلى وجوه قد انعكس عليها ما في قلوب أصحابها من حقد كمين على المسيح. وهناك في برادو صورة أخرى لماريا (البحث عن المأوى) وغير ذلك صورة العائلة المقدسة تحت شجرة البلوط. وله في سنة 1518 صورة رسمها للملك فرانس يوسف الأول ملك فرنسا وأسماها (القديس ميخائيل يحارب الشيطان بالسفود) باللوفر. وهناك بعض صور أخرى عملها في بدئ حياته الفنية، كما أن هناك عدد غير يسير من اللوحات صورها بعد الذي ذكر، وكلها يضيق المقام عن ذكره، وبذلك ينتهي إنتاج هذا الفنان الخالد من الناحية الدينية وصور غير هذا كله صوراً شخصية لنفسه ولغيره، ومن أهم ما يجب ذكره هنا ما صوره أثناء إقامته بفلورنسا، وهو صورته لصديقه انجيولو دوني وزوجته مادلينة ستروزي دوني (1505بفلورنسا) وصورته لنفسه بفلورنسا أيضاً. أما صوره أثناء أقامته في روما فاهمها صورة البابا يوليوس الثاني جالساً على كرسي ذي مسند مرتفع محفوظة بفلورنسا ومنها نسخة جيدة منقولة عنها ومحفوظة بلندن، وصورة الكردينال توماس انجرامي (محفوظة بفلورنسا) والصورة النصفية لشاب هو بيدو التوفيتي وقد كان يظن أنها صورته الشخصية إلى وقت ليس ببعيد (محفوظة بميونيخ) وصورتاه دونَّا بيلاتا ودونَّا جرافيدا (بفلورنس). وصورته المزدوجة لشخصين هما بيازّانو ونافاجيرو (بروما).

وبعدئذ وأخيراً صورته المجموعية للبابا ليو العاشر مع الكردينال جيليودي موتيشي ودي روسي (قصر بيتي بفلورنسا).

ولقد حاول العمل أيضاً كمعماري ووصل إلى حد لا بأس به وأنتج إنتاجاً جديراً بالذكر هنا، حيث وضع تصميماً لكنيسة بطرس روما، وقد كلف بعض المختصين بعمل أنموذج مصغر منه أثار إعجاب معاصريه.

هذا مجمل قصة رفائيل سيانتي الذي مات في سن السابعة والثلاثين، ونحن إن ذكرنا هنا إنتاجه القيم دون تعمق في نقد مصوراته ولوحاته فإن هذا راجع لسببين أولهما ضيق المجال وثانيهما إننا لا نرغب في أن تكون دراساتنا جامعية، بل نكتفي بأن نذهب بذوق القارئ إلى السمو ونضع نصب عينيه أن الفن في مصر ضعيف وأن الذين يقومون بالهيمنة عليه ليسوا ممن تخصصوا في الفن علمياً وأن واجب الحكومة وواجب الشعب هو الالتفات إلى ما في هذا الاتجاه الخاطئ من خطورة على تهذيب النشء والسمو بذوقهم ونحن نعتبرهم رجالاً للمستقبل.

وإنه لمما يثير عندنا الدهشة والاستغراب أن وزارة المعارف في الوقت الذي لا تبيح فيه اشتغال تمورجي بالطب ولا تسمح لكاتب محام بالاشتغال بمهنة المحاماة تسمح بملء إرادتها أن يهيمن على الفن وعلى دراسته العلمية والثقافية غير من تخصص في دراسته التاريخية والفلسفية.

أحمد موسى