مجلة الرسالة/العدد 206/رسالة الشباب
مجلة الرسالة/العدد 206/رسالة الشباب
هلموا يا شباب!
كأن كلمة الشباب مقصورة الدلالة على الطلاب. كأن الذين هم في ربيع العمر من الموظفين والمحامين والأطباء والملاك لا يعنيهم الأمر إذا وجهت دعوة إلى الشباب. فقد دعت الرسالة الشباب إلى أن يديروا بينهم الرأي فيما يهيئ الأمة إلى العهد الجديد من توفير سلامة الجسم وتقريب وسائل الثقافة وترقية أساليب الإنتاج وتكوين رأي عام صحيح وصريح يتشاور في بناء الهيكل القومي على أساس الخلق والدين والعلم والتعاون، ويتجاوب في كل حادث بالصوت المتحد الذي ينبه الغافل ويحذر المغتر ويكون سياجاً للأمة من جمحات الأهواء وطغيان النفوس. تحرك هذه الدعوة الطيبة كرام الطلاب ثم شغلهم الاستعداد للامتحانات عن توسيع المناقشة فيها ودراسة الوسائل إليها، وانتظرنا من غيرهم أن يلجوا هذا الميدان الإصلاحي، أو يعملوا على تزويد الداخلين فيه، فلم نسمع صوتاً ولم نشعر بحركة، كأن أصحاب الوظائف وأرباب الأعمال يظنون أن واجبهم ينتهي عند عتبة الديوان، وأماهم يقف على باب المكتب؛ أما العمل التعاوني القومي فأمره بين شيوخ الحكومة وشباب الجامعة.
أنا أحد الذين حددت آمالهم وأعمالهم الوظيفة، ولكني أشعر أن الإنسان المثقف والوطني الصادق لا يسمح لنفسه أن يمثل في يقظة أمته فتور النعسان أو جمود الكسلان فيكتفي بقراءة الصحف في القهوة ومناقشة الأخبار في الطريق. المسألة مسألة تجنيد عام لمحاربة عوامل الضعف التي فشت فينا من تغير الزمان وفساد الحكم، فيجب أن يؤدي كل منا واجبه الوطني في الميدان الذي يستطيعه. والموظفون وهم ألصق الناس بالجمهور يستطيعون أن يؤدوا واجبهم على الوجه الأكمل فيرشدون الجاهل، ويعاونون المتعلم، ويضربون للناس الأمثال في إخلاص العمل وتقدير المسئولية وسلامة الضمير ومراعاة المصلحة. والذين يتصلون منهم بالفلاحين من أطباء ومهندسين ومعلمين يتسع أمامهم مجال الإصلاح فيكونون رسل سلام ودعاة خير وناشري ثقافة، فإلى إخواني الشباب والموظفين أوجه هذه الكلمة وأرجو أن يكون لها صدى في نقاباتنا وأنديتنا ومكتباتنا، يبلغ كل أذن ويهز كل قلب فنجيب دعوة الداعين ونعمل مع العاملين.
علي إسماعيل بالمالية
حول توجيه الشباب
إن أول واجب أشعر به هو تقديم وافر الشكر لصاحب الرسالة ومحرر رسالة الشباب فيها، وكل من ساهم ويساهم في تأدية هاته الرسالة السامية التي اضطلعت بأعبائها الثقال المجلة المحبوبة إلى جانب رسالة الأدب والعلم والفن التي قامت بتأديتها خير قيام. ونحن شديدو الإيمان بأن نصيبها من التوفيق في تأدية رسالة الشباب لن يكون أقل منه في غيرها إن شاء الله.
ولقد استرعى انتباهي - بصفة خاصة - هاته الكلمة التي ختم بها محرر رسالة الشباب صفحته في عدد سابق وكان عنوانها: (عبرة الشباب من حفلة التتويج). وإني وإن كنت من كارهي الحديث المعاد أشعر بدافع قوي يحملني على أن أعيد مغزاها على إخواني الشباب لا ليمتعوا أنفسهم بسلاسة أسلوبها أو جمال شاعريتها أو غير ذلك من ضروب الاستمتاع. بل ليجعلوها منهاجهم في كل عمل من أعمال الحياة.
ذلك المغزى أو العبرة، كما أرادها المحرر - والتي أريدها نبراساً للشباب هي: إن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لم يمنعها احتفاظها بالتقاليد من أن تكون أمة التجديد، واحترامها للدين من أن تكون أمة المدنية، وإخلاصها للملك من أن تكون أمة البرلمان والديموقراطية والدستور.
فأي عبرة هذه؟ بل أي عبر يمكن لشبابنا المثقف أن يتلقنها من حفلة تتويج ملك الإنجليز؟ وأي توجيه هذا الذي ينادي به أستاذنا عميد كلية الآداب لشباب مصر بعدما سمع بأخبار حفلة التتويج، وفهم منها ما فهم من محافظة الإنجليز على تقاليدهم واحترامهم لدينهم الذي هو مصدر الروحانية عندهم كما أن ديننا يجب أن يكون مصدر روحانيتنا؟
وحتى هذا المقال الأخير الذي قرأته لعميدنا الكبير في إحدى مجلاتنا تحت عنوان: (توجيه الشباب أيضاً) كنت أحس في مطالعته بارتياح عميق بل باغتباط لا شائبة فيه. ولكني لم أكد أتصفح هذا المقال وأكرر ذلك - عادتي في كل ما يكتبه كبار أدبائنا - حتى وجدت لساني يتطاول - على الرغم مني - باتهام عميد الأدب بعدم توفيقه المرة في معالجة شئون الشباب. فليسمح لي سيدي الدكتور بهذه اللهجة الجافة التي لم أجد خيراً منها لمناقشة رسالته. فهي الصراحة لا تعرف المجاملة والحق لا يقوم على المداهنة.
ينادي عميد الأدب بأن يتجرد شباب مصر من روحانية الشرق التي هي لباب دينه، ليتجه بفكره صوب مادية الغرب ليغترف من تعاليمها الخير على ما يقول، فأي خير هذا الذي وجدته يا سيدي في مادية الغرب التي تحبها، وتؤمن بها وتنتظر منها الخير الكثير وقد فقدته في روحانية الشرق؟
أهذه المبادئ والمذاهب الخاطئة التي ينادي بها زعماء الغرب والتي تسير بأوربا نحو الهلاك السريع والتي بنيت على حب المادة والعمل للمادة وحدها؟ أم هذه النزعات والميول المتطرفة التي قلبت رسالة الإنسانية السامية إلى رسالة بهيمية وضيعة والتي سوف يجني الغرب ثمارها المرة الشائكة إن عاجلاً وإن آجلاً؟ أم هذا وذاك من مساخر الغرب ومساوئ ماديته؟
إن أحداً لا ينكر سير الغرب بخطى واسعة نحو الرقي والحضارة المزعومة في هذا العصر. ولكني كبير الشك في أن هذه الحضارة - التي سخرت للمادة وقامت على دعائم خالصة من المادية - تعمر أو تطول. وليست هذه الأحداث والمهازل - التي يعج بها المجتمع الغربي، ويستصرخ المصلحين لإنقاذه منها - إلا إحدى نتائج هذا الاتجاه المادي الصرف.
أما الحضارة الحق التي يؤمل من ورائها الخير، وينتظر لها البقاء، ويجب علينا أن ننير سبيل شبابنا إليها فهي تلك التي تأخذ ضرورتها من المادة إلى جانب حاجتها من الروح. وما تذوق الحياة جسد من غير روح. وهذه سنة الله في خلقه أنطق بها رسوله الأمين حيث قال: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا).
وعندي أن هذا الحديث الشريف هو جماع دستور الفرد الذي ينشد الكمال من المجتمع الذي يرجو الصلاح. وتلك الإمبراطورية الإسلامية - التي بلغت حدود الهند والسند شرقاً والاطلنطيقي غرباً - قامت على أسس من الروحانية الشرقية التي ينكرها الدكتور ولا يرى فيها أي خير. . .
كامل بركات من رسالة
. . . أما إن الشباب سيظل زيت النهضة المضيء المحترق فهذا مما لا شك فيه.
سلخنا من العمر ثمانية عشر عاماً هي ربيعه في نهضة شريفة سامية طامحة جامحة جريئة رزينة - نقنع بالحجة ونغرى بالعاطفة ونلهم الشعور ونحرك القلوب - فعزيز علينا ثم عزيز أن نسلم علم الجهاد وقد دافعنا عنه بالمهج والأرواح، فإلى الأمام نسير في كل فن وعلم بتجاريب السنين الماضية، أما الميدان السياسي فلن يضيق عن الجهود الوثابة التي اكتسبت من المحن خبرة ومن الشدائد عظة، وقد كان لنا فضل السبق في الإصلاح وهاهو ذا بنك مصر لا يزال شاهداً بما كان للشباب من قوة أثر في تعميره. بل إن طربوش القرش هو غرس الشباب.
فمن يوم أن قام الشباب قومته إلى الآن لا نجد أثراً عمرانياً أو أدبياً أو سياسياً إلا لمست فيه يد الشباب حادة قوية.
ومازال كل في طريقه شجاعاً في غير عنف، فخوراً في غير زهو، جريئاً يقول الحق ولا يهاب فيه الموت. وتلك كلها صفات اكتسبت من تعاليم سعد، وتغلغل أثر النهضة في نفوس تعطشت إلى الحرية فنالتها من يوم أن طلبتها.
حرية بعنا لأجلها نفوساً عزيزة علينا، ودستوراً قاومنا في سبيله كل من حدثته نفسه أن يكون عليه ظهيراً. وسنعرف بإذن الله كيف نحيطه بسياج من الأخلاق متين، غير منتظرين الوحي من الغرب؛ فالديموقراطية الشرقية مستمدة من وحيي الله ومن تعليم الأنبياء، فالمشورة كانت من صفات النبي ﷺ؛ وما كان مستبداً حتى في إبان الحروب التي تتخذها الأمم الغربية كلها ذريعة لإعلان الأحكام العرفية. وإن كان بعض مشرعي الغرب يحذرون شعوبهم من اندفاع جارف يؤدي بهم إلى الفاشستية أو الشيوعية، فانا لا نزال بحمد الله بعيدين عن كل ذلك، فإن التأني البصير خير من الاندفاع الأعمى، وإن دستوراً راسخاً متين البنيان لذو أثر عظيم في تشييد صرح النهضة. فليطمئن الشيوخ، فلن يجدوا إلا شباباً مجرباً وثاباً دمه الحار بمثابة وقود لعقله المتزن.
م. س سليمان