انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 205/البريد الأدبي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 205/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 205
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 07 - 06 - 1937



مجلس التنظيم وعيد القاهرة الألفي

يظهر أن الدعوة التي وجهت منذ حين على صفحات الرسالة إلى السلطات المختصة للعمل على إحياء عيد القاهرة الألفي بما يليق بهذه المناسبة التاريخية من الاهتمام والتكريم قد لقيت صدى ضعيفاً في بعض الدوائر، فقد نشرت الصحف أخيراً أن مجلس تنظيم القاهرة قد رأى لمناسبة حلول العيد الألفي للقاهرة المعزية أن يطلق اسم القائد جوهر الصقلي منشئ العاصمة الفاطمية (القاهرة) على قسم من شارع السكة الجديدة، وأن يطلق اسم الخليفة المعز لدين الله الذي أمر قائده جوهر بإنشاء المدينة، وإليه تنسب (القاهرة المعزية) على شارع المغربلين. ومجلس التنظيم يرى بذلك أن يكرم ذكرى الرجلين العظيمين اللذين يرجع إليهما قيام هذه العاصمة الألفية الجليلة. بيد أننا نلاحظ أن اختيار هذين الشارعين لإطلاق الاسمين عليهما ليس اختياراً موفقاً، بل هو ينم عن التقتير والضن؛ إذ بينما نرى أسماء تاريخية أقل أهمية ورنيناً وأقل جدارة واستحقاقاً تطلق على شوارع عظيمة من شوارع العاصمة، نرى مجلس التنظيم يكتفي بهذين الشارعين تكريماً لمنشئ القاهرة. وإذا كان مجلس التنظيم يريد بهذا الاختيار أن يحافظ على المناسبات التاريخية، فيحسن به أن يختار شارع الأزهر الجديد ليطلق عليه اسم القائد جوهر، فجوهر هو أيضاً مؤسس الجامع الأزهر، وفي وسعه أن يطلق اسم المعز على شارع الموسكي ثم امتداده من السكة الجديدة حتى الدراسة، أو على الشارع الممتد من باب الفتوح حتى السكة الجديدة، ثم امتداده حتى باب زويلة، فهذان الشارعان هما في الواقع قطر المدينة الفاطمية القديمة. أما إذا لم يكن للخطط التاريخية دخل في هذا التكريم، وإذا كان التكريم مقصوداً لذاته فليطلق اسمي جوهر والمعز إذن على شارعين من أعظم شوارع القاهرة، لا على شارعين من أحقر شوارعها

النيل في مصر لأميل لودفيج

ظهر أخيراً الجزء الثاني من كتاب النيل لأميل لودفيج وعنوانه (النيل في مصر) أما الجزء الأول وعنوانه (النيل من المنبع إلى مصر) فقد صدر منذ بضعة أشهر حسبما ذكرنا في هذا المكان من الرسالة، وهو يتناول وصف النهر العظيم من منابعه حتى حدود مص الجنوبية، ووصف الحيوانات والجماعات التي تسكن هذه المناطق. أما الجزء الثاني فقد خصص للقسم الممتد داخل مصر، وفيه وصف ضاف لهذا القسم ولمصر التي عاشت من مائه منذ القرون الغابرة حتى الوقت الحاضر. ومن رأي الكاتب أن النيل كانت له دائماً في هذا القسم العامر من مجراه مؤثراته العميقة على الشعوب التي سكنت واديه، وكان لهذه الشعوب بلا ريب نفوذها وإرادتها في تكييف مجرى النهر والانتفاع بمائه. ويتناول لودفيج وصف هذه المرحلة التي يبلغ طولها ستمائة ميل، كما يتناول وصف مصر منذ الفراعنة، وعصر المسيح والقديسين، ثم مصر الإسلامية، ومصر أيام عصر الانحلال التركي؛ ثم يصف مغامرة نابوليون القصيرة، وحفر قناة السويس وتدخل إنكلترا، ثم يتناول حركة مصر القومية في أسلوب حماسي مشبع بالعطف. ويتبع لودفيج في الكتابة والوصف أسلوباً جديداً لم يسبق لمن طرق نفس الموضوع أن اتبعه، فالنيل ليس في نظره وحدة جغرافية فقط توصف من الناحية الطبيعية، بل هو كائن حي له خواصه الإنسانية كما أن له خواصه الجغرافية والطبيعية، ولهذا يعامله لودفيج كأنه شخصية تترجم كما يترجم الرجل العبقري. وفي مواقف كثيرة ترى لودفيج شاعراً يتبع الوصف الخيالي؛ وإذا كان يبدو محققاً في بعض الحقائق والوقائع التاريخية، فهو يبدو أحياناً سطحياً يكتب كما يكتب السائح الطارئ. ومن جهة أخرى فقد وجه النقد المر إلى الأسلوب الذي أخرج به الكتاب بالإنجليزية (لأنه كتب أصلاً بالألمانية) وقيل إن فيه كثير من النقص والتشويه

كتاب خطير عن روسيا السوفيتية

ظهر أخيراً كتاب خطير في روسيا السوفيتية بقلم زعيم كبير من زعمائها القدماء هو ليون تروتسكي أحد مؤسسي روسيا البلشفية؛ ويقدم إلينا تروتسكي كتابه الجديد بعنوان (خيانة الثورة. ما هو الاتحاد السوفيتي وأين يسير) ونحن نعرف أن تروتسكي لبث من سادة روسيا وزعمائها حتى سنة 1927، وعندئذ بدأ الخلاف بينه وبين ستالين وعصبته، وانتهى الأمر بتغلب ستالين ونفي تروتسكي وتمزيق عصبته. ومن ذلك الحين يعيش تروتسكي في منفاه متتبعاً أحوال روسيا وتطوراتها. ولكن تروتسكي يخلف وراءه عدداً كبيراً من الزعماء القدماء الذين يناصرونه ويخاصمون النظام الجديد، ولهؤلاء أنصار كثيرون في روسيا. وينعى تروتسكي على ستالين سيد روسيا الحالي أنه خان قضية العمال، وبدد تراث لينين، واتبع سياسة رأسمالية، وأنه أقام نظام إرهاب شامل. ويقول تروتسكي في كتابه المذكور: (إن الثورة قد غدر بها القائمون بالأمر، ولكن لم تسحق نهائياً). هذا هو ملخص نظريته وهو يشرح بعد ذلك مساوئ النظام القائم، ويدلل على أن ستالين يسير بوحي الدول الرأسمالية، ويرغم روسيا على الخضوع لها؛ ويشهر بسياسة الإرهاب القائمة، وذيوع الجاسوسية الشنيعة. وتدبير المؤامرات ضد الأبرياء من الزعماء المخالفين. ولا ريب أن تروتسكي هو اليوم أعظم حجة في شؤون روسيا السوفيتية. ويقال إن لديه مستندات هامة تلقي الضياء على أعمال العصبة التي تسيطر اليوم على مصاير روسيا؛ وسوف يثير كتابه اهتماماً جديداً بأحوال روسيا وشؤونها

ومما يؤثر عن تروتسكي أنه فضلاً عن الدور العظيم الذي لعبه في قيام الثورة البلشفية وسحق حكومة القياصرة، يعتبر من أعظم كتاب روسيا المعاصرين؛ وهو يكتب بعدة لغات بمقدرة مدهشة.

حديث جديد عن المسرح المصري:

قرأنا في بعض الصحف الفرنسية الواردة في البريد الأخير حديثاً جديداً لمسيو أميل فابر عن المسرح المصري. ويذكر القارئ أن مسيو فابر، وهو من أكبر الفنانين الفرنسيين، وكان مدير المسرح الكوميدي فرانسيز، قد انتدبته الحكومة المصرية في الشتاء الماضي لدراسة المسرح المصري، واقتراح ما يجب اتخاذه لإنهاضه وإصلاحه، وأنه قام بهذه المهمة، ولا يزال تقريره بين يدي ولاة الأمر في وزارة المعارف. ويقول مسيو فابر في حديثه الجديد إن المسرح المصري يرجع نحو أربعين سنة، ولكنه يعيش منزوياً على هامش الحوادث؛ بيد أن المسرح العربي جدير بأن ينهض وأن يتسع نطاق عمله، فاللغة العربية هي لغة مصر وشمال أفريقية، فضلاً عن البلاد العربية، بل هي ذائعة في أمريكا الجنوبية حيث يوجد ثمانون ألف سوري في المهجر.

والمسرح المصري ينقصه التأليف المسرحي وتعوزه الأبهاء والزخارف. وهنالك ممثلون للكوميديا ولا توجد لها ممثلات، حتى أن أدوار النساء يقوم بها الرجال. ومن الأسف أن المسرح المصري لا يملك الآن غبر دار الأوبرا؛ وهذه الدار تحتلها في معظم الفصل فرق أجنبية مختلفة؛ وفي وسع الحكومة أن تشتري مسرح الأزبكية، فهو يصلح لتمثيل القطع الكوميدية. والمسرح المصري فقير في المناظر حتى أنه يصعب فيه تمثيل القطع المنوعة. أما عن التأليف المسرحي فلا يوجد بمصر، وكل ما هنالك قطع مترجمة عن الإنكليزية والفرنسية والألمانية. وليست هنالك قطع أصيلة مكتوبة بالعربية. وأخيراً توجد مشكلة اللغة، فالحكومة ولجنة الفرقة القومية تريدان استعمال اللغة العربية الفصحى، وهذه لا يفهمها كثير من رواد المسرح.

راء (المبرد) مرة أخرى للأستاذ إبراهيم مصطفى

لقي اسم المبرد من عناية الرسالة وعناية الأدباء الباحثين حظاً حسناً. وكان مثار الخلاف أني قلت (المبرَّد) بالفتح في محاضرة ألقيتها بالجمعية الجغرافية فنقدني أديب وتصدى له أديب وامتلأ الحوار بالحجة وبقيت أقرأ مستفيداً شاكراً. وحق عليّ من بعد، أن أذكر ما من أجله فتحت هذه الراء

لقد تلقيت هذا الاسم بالكسر عن الشيخين اللغويين الشنقيطي والمرصفي. وسمعنا من الشنقيطي شعراً أو نظماً في ذم من فتحها ليس يخلو ذكره من تفكهه وهو:

والكسر في راء المبرَّد واجب ... وبغير هذا ينطق الجهلاء

وكان رحمه الله يلقي القول يفخمه ويمط البيت عند آخره. أما شيخنا المرصفي فلم يكن متشدداً في الكسر تشدد الشنقيطي، ولكن كان يفضله ومن هنا غلب على لسان الأدباء كسر الراء وتلقيناه ولقيناه كذلك. ثم تبين لنا أن الصواب هو الفتح لما رأينا أن هذا الاسم إنما وضع نبزاً للعيب لا لقياً للمدح. وكان من عادة ذاك الزمن أن يكون تكريم العلماء بالكنية؛ ويكثر أن تغلب عليهم ألقاب تحمل نبزاً وعيباً؛ وقد يبدو ذلك غريباً ولكنه أمر واقع. فأبو العباس محمد بن يزيد (المبرد) شيخ النحاة بالبصرة، وأبو العباس احمد بن يحيى (ثعلب) شيخ النحاة بالكوفة في زمنه يعاصره وينافسه؛ وثعلب والمبرد نبزان، وكذلك أمام الأدباء في ذات العصر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

والجاحظ نبز بلا ريب. ومن ألقاب العلماء في ذاك الزمن قطرب وعجرد والجعد والبغل والحامض والأخفش والأعمش والأعور والأعمى والأثرم والأشعث والفراء والزجاج والرؤاس (بائع الرؤوس) ولكل كنية لا يدعى إلا بها ولا يحب أن يتسمى بغيرها.

ولو كان في هذه الأسماء مثار للخلاف واحتملت أنبازهم الفتح والكسر كالمجحظ والمخفش والمعور لرأيت من يدعى لها ويقربها من المدح بوجه ما (كالمبرد) وينسى أصل النبز وعادة العصر ولولا سعة صدر الجاحظ لقال أيضاً جحظ الله من جحظني. وقال الأخفش خفش الله من خفشني كما قال المبرد: برد الله من بردني - على أن السعي لتجميل ألقاب العلماء عاطفة جميلة، ولكنها تباعد التاريخ وتخفي الحق؛ فقد رأيت لم خالفنا ما روينا عن الشيخين. ولعمري لو أنهما شهدا وهدي إليهما ما قدم في الرسالة من النصوص لما رأيا إلا الفتح، ولشكراً للأديب العالم الذي تسمى (أحد القراء) فطوى اسمه ونشر علمه. فما كان لهؤلاء العلماء من التشدد في الحق إلا ريثما تنكشف لهم الحجة في غير ما بأيديهم؛ فهم أتباع الحق أبداً. ولقد ذكرت بهذا قصة للمرحوم الشيخ الشنقيطي كان يقرأ عليه الأستاذ الخضري شعراً فيه كلمة (الخرامي) بالراء المهملة، فقال الشنقيطي هي الخزامي بالزاء أصلحها، فحدثنا الشيخ الخضري أن نفسه تطلعت أن ينظر القاموس ليرى الكلمة وكان قريباً منه فنظره وإذا في القاموس الخزامي والخرامي بالزاء وبالراء وكل منهما نبت بالصحراء، فقرأ على الشيخ ما وجد. قال الشيخ: أعدها بالراء وأستغفر الله. قال الخضري: كنت أظن أن القاموس أدنى علم الشيخ من اللغة. فضحك الشنقيطي وقال: (دون هذا وينفق الحمار) فتلك منزلة العلماء من الحق إذا تبين وما التوفيق إلا بالله

إبراهيم مصطفى