انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 196/في ظلال الهجرة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 196/في ظلال الهجرة

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 04 - 1937



غزوة بدر

للأستاذ إبراهيم مأمون

ذكْرى، كما شاء الزمانُ أجالَها ... وخطى نكرت العالمين حيالَها

ما المرسَلات وما العواصفُ؟ ويحُها ... هل جزْن بيداً، أو طويْنَ تلالَها؟

وإلاَمَ يحتثّ الهجان حُداتها ... في مهمَهٍ سبقتْ عليه ظلالَها؟

قل للطوائر في الجواءِ حوائما: ... ربُّ السماءِ لغيركنّ أحالَها

للريح. تنتظم الغمام ظعائناً ... وتُمدّ من لُمَعِ الشعاع كلالها

حرم السماء مجالُها، وكأنها ... سفنٌ تخذْن من الغباب مجالها

يَمشْين في حرس السماء، تُديرها ... أيدي الهواء. وما وَعَيْنَ عِقالها

هي آذنت (بدراً) بنصر (محمد) ... وعلى يديه اسْتنزلَتْ آمالها

جاءت (بجبريل السماء ووحيها)، ... وحَدَتْ بآمال العلا (ميكالها)

تلك السماء تَشَقّقتْ بغمامِها ... تولي الرّسالة في (العريش) صِيالَها

أزْجَتْ إلى جيش الحنيف مَلائكا ... لَمس القليبُ طِعانها ونزالها!

مَثلَ الحمام برَفْعها وبخَفْضها، ... وجرى الهوانُ يمنَها وشمالَها!

سائِلْ جلود الشرِك عن تبْريحها ... والشركُ يبكيها، ويندبُ آلها

واستَواحِ أشلاء القليب. فإنها ... تبْيانُ (بدرٍ) إن أردْت مَقَالهاَ

يا يومَ بدرٍ: والمواقفُ جمةٌ ... فيكَ الحنيفةُ زايلَتْ أسمالهَا

لبست دروعَكَ سابغات في الوغى ... ومضتْ بساحِكَ تستثير رجالها

تلقى (محمداً النبيّ) يقودُها ... ويُعزُّ رايتها، ويُنْهض قالها

ويذودُ عنها العادياتِ بحلمِهِ ... حيناً، وحيناً يستجيبُ قتالَها

ما اللاتُ؟ ما العزُىّ؟ وأينَ مناتهمْ؟ ... غال الحنيف عبادها، وأزالهَا

والشركُ نكسه الجهادُ، فلم يقمُ ... أرأيتَ (هنْداً) مَثّلَتْ أمثالَها؟

تدْعو النساَء إلى العويل، وتنتضي ... سيفَ المَهانِة لم يغث أبطالها

تُغري الوغَى بملاحمٍ دَمويَّةٍ ... شعواَء تُنهض بالرماح سَ بعثتْ من البيض الخفافٍ رسالةً ... حَلَقَتْ لها يا فوخَها وقَذالها

وجَفتْ غدائرها وألقت قُرطَها ... وتناهبت حسراتُها خَلخالها

تحدو الرجال إلى المواقعِ تارةً ... وتسير أخرى تستفِزَّ خبالها

كوَساوس الشيطان أغرتْ مؤمناً ... فجفا مودَّتها، وعافَ وصالها!

ما غاظها جيشُ السماءِ. وإنما ... جيشُ (المهاجر) يوم بدْر غالها!

بَرز الَحنيفُ على الحياض إلى الردى ... يرمي الجهالةَ أو يَدُعَّ مِطالها!

وكأنَّ أرضَ اللهِ تقذفُ ما بها ... وسماَءهُ تولى النبيَّ نِضالها!

والكفر في بؤر الخنا متطلعٌ ... للعدوة الدنيا يرى رئبالها!

ويحسّ في كفيه أنفاسَ الوغَى ... تُبْدِي من الصمتِ الرزين مَلالها

ألوى بجيْش الشّرك مَرهُوبَ القنا ... ونَضا قراهُ، وما نضَتِ سِربالها

يا باسطَ الكفين في كنفِ العُلا ... تَدْعو السماَء. وما تركْتَ سُؤالهَا

النصر وافى، واصطفتْك مغانمٌ ... والله قسمَ بينَكم أنفالَها

فلذات مكة في رباك سوَائل ... ترجو نَدَاك وما رجوتَ نوالها!

كانت تريكَ ببطن مكة بغيَها ... أفلا أرتك لدى الوغى استبْساَلها؟

خيرَ البرية: تلك عقبى صابرِ ... لاحتْه مكة: ظاهرت جُماَّلَها

جنباتُ مُلكِ الله فزَّع دُعمها ... دعَواتك اللائي نثرتَ إلا لهَا

والعرشُ حوّم في رحاب المنتهى ... يُصْغي لسدرتها وأنت حِيالَها

ويمدّ أجنحةَ الجلالَ لمنكبِ ... بادي اللآلئ يجتلى لألَّها

جافته برْدتُك الشريفة مذ رأت ... ملأ العلا يُضفي عليه مثالها

لو يعلم (الصدَّيقُ) عند وقوعها ... ما تَرْتديه لهالهُ ما هالها!

وسبَاه من وادي السَّنا لمحاتُه ... ومَضى إليها يبتغي إمْهالها!

ليرَى تحيتها لوجْهك ضاحياً ... ويَراك توليكَ العُلا إجْلالها!

ويَراك والسبْع الطباقُ خواشع ... ويَراك والدنيا تَراك ثمالَها!

نور الجلالة تحت ثوبك مشرق ... يَهدي السماَء نجومها وهلالَها،

من غير هَدْيِك ما تبسم طالع ... في أمة أغْرَى الهوَى إهمالَها! تلك الخلائق ما محمَّدُ: أعرضتْ ... ورأت حرامَ الراشدين حَلالَها!

رجعتْ بها الأهواءُ عن غاياِتها ... وتنَقَّصَتْ في العاجزين كمالها

فُتنتْ بزائفة النهوض، ولو رأتْ ... مَجْدَ الأوائل أكْبرتْ أطْلاْلهاَ

كَفَرتْ على مهْدِ الندى آباَءها ... وجَفَتْ على قرْب المدى أخوالها

جادتْ على وادي السماح برُوحها ... للناهبين، وما رعَتْ إقلالها

جعلت لخاذل دينها تسليمَها ... ولناصريه المتّقين جدالها

ولو إنها التمستْ هداك لصافحتْ ... غُدُوَاتكِ البيض الخطا آصالها

ما اعتزّ من عزّوا بغيرك هاديا ... وبغيرك الدنيا رأتْ إذلالها

خطرتْ تجر القيْد تحسب أنها ... بلغتْ أمانيها أو استْقْلاِلها!

نشوى بحكم الفرْد صاغ من العصا ... قلمَ المؤدّب يجتوي إملالها

تدعو وتنهض في الحياة مُضَلِّلاً ... جعَل المتاحَ من الأمور مُحالها

تتزاحم الشورى على أبوابها ... فتشيح عنها تبْتغي أبطالها!

ويميتْ أكفاَء الرجال هداتُها، ... وَيْح المواهب لا ترى اسْتغْلالها!

وأدُوا البنين، كأنّ شرعتك انتهت ... وكأنّ عُدْوانَ الزمانِ أدالها!

وكأنّ بغي الجاهلية لم يزَل ... يُلغِي الحقوق ويَزْدري سَألها!

ولعلّ من وأد البنات أثابها ... والجاهلية ترتضي إغْفَالها!

يا آسيَ التقوى: جفاها طُّبها، ... بكَ تستجير، فهل ترى ابلالها؟

ذاق الأمَّرين الأساةُ، وأخفقوا؛ ... فمن الذي يشفي العقام عضالها؟

لَّجت بصيحتها المشارقُ لم تجد ... كفا تحلّ بحزمها إشكالها!

نُعلي المعابدَ لا قنوتَ لخاشعٍ ... فيها؛ ولا نَلقى هناك (بلالها)!

ما أكثر الداعين باسم هُداتها ... حتى إذا نُودُوا جَفوا أقوالها!

ورأوْا مبادئها مسبةْ جيلهم ... وكأنها لم تنتظم أجيالها!

هي تلك يا طه شريعة دينهم؟ ... أمْ تلك دنيا يشربون نهالها؟

إبراهيم مأمون