انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 190/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 190/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 02 - 1937



شعراء مصر وبيئاتهم

في الجيل الماضي

تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد

أحوج ما يحتاج إليه أدبنا سواء في ذلك قديمه وحديثه، معرفة مكانة الأدباء والشعراء، لا من حيث البلاغة والفحولة والمعاني الشعرية في ذاتها فحسب، بل من حيث الخاصية النفسية لكل منهم ونوع مزاجه ووشائجه الإنسانية ونظرته إلى الطبيعة وفلسفته في الحياة إن كانت له نظرة وفلسفة

وقد تناول الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد في كتابه الأخير شعراء الجيل الماضي يتخللهم بلحظه الناقد وطبعه القويم، فإذا الرعيل المحشود في صعيد واحد تتبين له ألوان وشيات مهما خفتت وتقاربت، وتتميز له ملامح وسمات مهما خفيت وتشابهت، وإذا بكل شاعر من شعراء ذلك الجيل مبيت في حيزه، وكل أمر من أموره مقرر في نصابه. وقد انتظم الكتاب بين دفتيه الساعاتي وعبد الله فكري وعبد الله نديم وعلي الليثي ومحمد عثمان جلال ومحمود سامي البارودي وعائشة التيمورية وحفني ناصف وإسماعيل صبري والسيد توفيق البكري ومحمد عبد المطلب وحافظ إبراهيم وشوقي ثم كلمة ختام عن مدارس الشعر بعد شوقي

والأستاذ العقاد في كلامه عن هؤلاء لا يرسل القول إرسالاً، بل يدعمه كعادته بما أحاط به تحصيله الواسع وأدركه تفكيره العميق من بحوث عالية في رسالة الأدب للحياة وموازينه الصحيحة والفروق الفاصلة بين شعر الصنعة وشعر الطبع وبين الذوق الخاص والذوق العام

(فالذوق ذوقان: فأما الشائع منهما فهو الذوق الذي يتملى الجمال ويستحسنه حين يراه معروضا عليه. وأما النادر منها فهو الذوق الذي يبدع الجمال ويضفيه على الأشياء ولا يكون قصاراه أن يتملاه حيث يلقاه أو يساق إليه.

فالذين يحبون محاسن الطبيعة كثيرون يحسبون بعشرات الألوف وكل من يخرجون إلى الرياض ويجلسون على الجداول ويسهرون في القمراء ويستمعون إلى شدو العصافير ويبتغون منازه الأرض في المواسم وأيام البطالة - هم محبون للطبيعة يشغفون بها كما يشغفون بالفرجة والاسترواح. وقد يشبههم في هذا بعض الأحياء التي تغرد على الشجر كلما آن الأوان أو تأوي إلى الظلال والأمواه كلما حنت إلى الراحة وبرد الهواء.

ولكن هذا هو الذوق الشائع كما قلنا، وليس هذا هو الذوق الخالق المحيي الذي يضيف من عنده شيئاً إلى شعور الناس بما يراه ويصفه ويحكيه

إنما صاحب الذوق الخالق المحيي هو الذي ينقل إليك إحساسه بالشيء القديم الموجود بين جميع الناس، فإذا بك كأنك تحسه أول مرة لما أودعه فيه من شعور وما أضفاه عليه من طرافة. فإذا وصف البحر أو السماء أو الصحراء أو الروضة فكأنما هو يجعلها بحره وسماءه وصحراءه وروضته لفرط ما مزج بينها وبين مزاجه وشعوره. وتسري إلى القارئ هذه الجدة فيرى هذه المناظر بعين غير التي كان يرى بها مألوفاته

ومن ذاك المعين الفياض نبع وصف الأقدمين للطبيعة ومحاسنها ومخاوفها فتمثلوها - لفرط شعورهم بها - عرائس وحوراً وأطيافاً وأرواحاً وبعثوها جنة وشياطين وأغوالا. لأنهم عاشوا فيها وعاشت فيهم فمزجوها بدمائهم ولم ينظروا إلى الطبيعة كأنهم ينظرون إلى (سجادة) منسقة الخيوط مزبرقة الألوان مريحة لمن يمشي فوقها أو ينام عليها كما يستريح العديد الأكبر من رواد الرياضة في منازه الخلاء

فالرياض - عند الشاعر من هؤلاء - والخمائل والجداول والأنهار والسماوات هي بعينها رياض زوار (المواسم والآحاد) وخمائلهم وجداولهم وأنهارهم وسماواتهم لا تزيد ولا تنقص. . . . وأن بيتاً واحداً كبيت البحتري الذي قاله في الربيع:

أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً ... من الحسن حتى كاد أن يتكلما

ليساوي كل ما نظم شاعرهم في ربيعياته وريحانياته: لأن الطلاقة والاختيال والبشاشة والحسن الذي يهم بالكلام هي علامات الربيع المبثوث في النفوس. وكل كلمة من هذه الكلمات تدل على النفس الحية التي تشاهد الربيع أكثر من دلالتها على الربيع الظاهر فيما يبدو للعيان أو على (السجادة) المزخرفة بالأصباغ والنقوش والدوائر والخطوط. . . ولو لم يكن البحتري قد أحس بشاشة الطلاقة وزهو الاختيال وفرح الحياة النامية ونجوى الحسن المتكلم حين شهد ربيعه لما كان لزاما أن يذكر هذه الكلمات ويجمع بين هذه الصفات. ولكانت له مندوحة عنها بوصف الأحمر أو الأخضر يبحث له عن أحمر أو أخضر مثله في محفوظات المشبهين، وبوصف العطر يطلق حوله الند والبخور، وكلمة من هنا وكلمة من هناك عن الخدود والعيون والوجد والهيام على نحو ما يفعل شعراء الصنعة

وشعر الصنعة ليس على نهج واحد كله، فمنه ما هو زيف فارغ لا يمت إلى الطبيعة بواشجة ولا صلة. وليس فيه إلا لفظ ملفق وتقليد براء من الحس والذوق والبراعة. ومنه ما هو قريب إلى الطبيعة ولكنه - كما قدمنا - منقول من القسط الشائع بين الناس. فليس فيه دليل على شخصية القائل ولا على طبعه ولا تتبين فيه لمحة من الملامح ولا قسمة من القسمات التي يتميز بها إنسان بين سائر الناس

وليس هذا بشعر النفس الممتازة ولا بشعر النفس (الخاصة) إن أردنا أن نضيق معنى الامتياز. وليس هو من أجل ذلك بالشعر الذي هو رسالة حياة ونموذج من نماذج الطبيعة. وإنما ذلك ضرب من المصنوعات غلا أو رخص على هذا التسويم

والفرق بينه وبين شعر (الشخصية) إن الشخصية تعطيك الطبيعة كما تحسها هي، لا كما تنقلها بالمجاورة والسماع من أفواه الآخرين. فهذه هي الطبيعة وعليها زيادة جديد مطلوبة أبداً، لأن الحياة والفن على حد سواء موكلان بطلب (الفرد) الجديد أو النموذج الحادث، أو موكلان بطلب (الخصوص) والامتياز لتعميمه وتثبيته والوصول منه إلى خصوص بعد خصوص وامتياز بعد امتياز

واقرب ما يمثل به لذلك زارع يستنبت صنوف الثمار لينقي منها (المميز) في صفة من الصفات المطلوبة. فإذا عثر بالثمرة الواحدة التي وصل فيها إلى غرضه قومها وحدها بعشرات الأفدنة من الثمرات الشائعة عند غيره، لأنه بهذه الثمرة الواحدة ليستأثر بالطلب والإقبال ويعفي على ثمرات الشيوع والعموم

وهكذا الشخصية الممتازة في عالم الشعر أو في عالم الحياة عامة: (هي عندنا وعند الحياة التي أنشأتها أقوم من جميع المتشابهات الشائعات وإن كن جميعاً مطبوعات غير مقلدات ولا زائفات

وإنما يستحق الشعر أن يسمع ويحفظ حين يكون كهذا الشعر - وقد أورد الأستاذ أروع الأمثال عليه - الذي يرينا ما في الدنيا وما في نفس إنسان، ونعرف فيه الطبيعة على لون صادق ولكنه أيضاً لون بديع فريد لأنه لون القائل دون سواه، فتجتمع لنا غبطة المعرفة من طرفيها، ويتسع أمامنا أفق الفهم وأفق الشعور، إذ يتكرر الشعور الواحد باختلاف الشعراء كأنه مائة شعور، ويتكرر فهم الحقيقة الواحدة كأنها مائة حقيقة، وتلك هي الوفرة التي تتضاعف بها ثروة الحياة، ونصيب الأحياء منها)

وفي هذه الصفحات التي أدمجناها ما يجعل الإضافة والتعقيب فضولاً منا. وإن القارئ بعد هذا الذي قدمناه لاشك مؤثر أن يخلو بالكتاب ونفسه

(ص)

أحلام الصبا

للأديب إدوار حنا سعد

130 صفحة من القطع المتوسط

طبع بمطبعة مصر بالإسكندرية

قليل من أدباء الشباب في مصر من يجمع فن القصة إلى جانب الشعر، فالأديب الناشئ في طور التثقيف عادة أما أن يقتصر على قرض الشعر ويتجه إليه بكليته حتى يجعله يطغى على غيره من فنون الأدب، وإما أن يقتصر على القصة فتملك عليه زمامه وتشغله عما عداها من أغراض الأدب الأخرى، وأما أن يجمع بين الاثنين فيغلب أحدهما على الأخر ويطغى عليه

وبين يدي الآن مجموعة من الشعر والقصص أهداها إلي صديق أديب جمعها في كتاب أسماه (أحلام الصبا). وقد قدم الأستاذ فخري أبو السعود للكتاب بمقدمة قصيرة، تناول فيها شخصية المؤلف ببعض التحليل ثم تكلم عن القصص وتحدث عن استقلال الكاتب في موضوعاته ومتانة صياغته للقصة، وربط أجزائها وحسن نسجها. وختم الأستاذ مقدمته بالكلام عن الشعر مستدلاً ببعض بيوت المؤلف في معرض حديثه

ننتقل بعد ذلك إلى قسم القصص في الكتاب. . . فنرى إن قصص المؤلف وإن كانت تدور حول موضوعات مطروقة من قبل إلا إنها حسنة السبك متينة الصياغة، تسيغ عليها البساطة روعة الحقيقة. وأذكر منها هنا قصة (أحلام الصبا) وقصة (رقصة شيطان)

وأما الشعر فهو يشغل النصف الثاني من الكتاب، وللمؤلف نزعة شعرية وطابع خاص فهو يميل إلى الشعر الغنائي، ولذا كثيراً ما نراه يختار لذلك البحور القصيرة، وهو لا يهتم بجانب المعنى قدر اهتمامه بموسيقية الألفاظ، فكثيراً ما يخرج القارئ من بعض قصائده دون أن يلفت نظره معنى جديد. أما شعره في جملته فسهل الألفاظ، رقيق الديباجة، موسيقي التوقيع. . ومن جيد شعره قصيدة (أنت وأنا) وقصيدة (لقاء الحبيبين)

والمؤلف من أدباء الشباب الذين جمعوا بين القصة والشعر، وغلب أحدهما على الآخر، فنرى القصة غالبة عليه، وأغلب الظن إنه لو والها وصرف فيها بعض عنايته لكان له فيها مستقبل زاهر

أحمد فتحي مرسي

طلعت حرب

للأدباء: حافظ محمود. مصطفى الفلكي، محمود فتحي عمر

180 صفحة من القطع الكبير طبع بمطبعة مصر.

كثيراً ما يطالعنا كتاب الغرب وأدباؤه بدراسات تحليلية طويلة، وبحوث فائضة في حياة زعمائهم، اعترافاً بفضلهم وإشادة بذكرهم وحثاً لغيرهم على الاقتداء بهم والنسج على منوالهم

وهذه الناحية التحليلية التي نراها بين أدباء الغرب قلما نجد لها أثراً ظاهراً في الأدب الشرقي. . . . فأدباء الشرق لا يعنون بدراسة زعيم ما، مادام بين ظهرانيهم، ومادامت تجري فيه دماء الحياة، حتى إذا ضمه القبر وواره التراب، بدءوا يجمعون شتات أخباره، ونثير آراءه وأفكاره، فيما يسمونه ببحث في حياة الراحل، أو تحليل لشخصية الفقيد

وبين يدي الآن كتاب أعده منوالاً يجب النسج عليه، وثمرة فكرة طيبة يجب اقتفاء أثرها، وضعه ثلاثة جمعتهم بزعيم مصر الاقتصادي (طلعت حرب باشا) صلة وثيقة، فألموا بدقائق حياته عن قرب، ودرسوا شخصيته عن كثب، ثم كشفوا لنا في كتابهم عن صفحات ناصعة من حياة ذلك الرجل العظيم، ودرسوا ماضيه وحاضره، وبينوا لنا آراءه وأفكاره لا في الناحية الاقتصادية فحسب، بل في غيرها من نواحي المجتمع، مستدلين بصفحات من مؤلفاته ونبذ من خطبه

وقد وفق الأساتذة المؤلفون إلى متانة نسج الكتاب وحبك خيوطه، مما لا يجعل الملل يتسرب إلى نفس القارئ أو يدركه الضيق من طول الكتاب

(ف)

ثورة العرب الكبرى

تأليف السيد عبد الحميد راضي

120 صفحة. ورق صقيل. مطبعة الجزيرة ببغداد

من بواعث الغبطة والسرور، أن نرى تلك النهضة الأدبية التي يحمل لواءها شباب العراق، والتي تنتظم ربوع دجلة والفرات تنشط يوماً بعد يوم، فتعيد إلى الأذهان سيرة السلف الصالح وذكريات الماضي المجيد. . .

وأمامي الآن قصة شعرية طريفة وضعها أديب عراقي، وتناول بها موضوع الثورة العربية الكبرى، فبسط لنا دقائقها وصور حوادثها. وقد بدأت القصة بتمرد العرب على الأتراك، وانتهت بوفاة الملك حسين بعد أن تنازل عن العرش لولده الملك علي

وقد راقني موضوع القصة بقدر ما راقني أسلوبها، فالمؤلف في كتابه قوي الصياغة، متين النسج، غير متكلف النظم يرسل الشعر إرسالاً على سجية الشاعر المطبوع دون تصنع أو تكلف

ولا يسعني هنا إلا أن أهنئ المؤلف بكتابه الفريد كما أهنئ العراق بأدبائه النابهين وشبابه الناهض

أ. ف

كتاب الشهر

تتقدم دار الثقافة العامة، وقوامها جماعة من شباب الجامعة وخيرة رجالها، وكبار أصدقائها إلى قراء العربية في أقطارها بمشروعها الجديد (كتاب الشهر) وهو سلسلة من المؤلفات. يخرج كل مؤلف منها في موضوع مستقل يكتبه عالم أو مؤرخ أو أديب أو بحاثة متخصص، وتكون غاية هذه الكتب تلخيص وتيسير مباحث العلم والتاريخ والأدب والسياسة وتقريبها في أسلس أسلوب إلى أذهان قرائها، مراعية إلى جانب الدقة في اختيار المواضيع حسن العرض، ورخص الثمن حتى تكون في متناول الجميع. وقد اختيرت طائفة من فروع المعرفة العامة لتصدر بها السلاسل الأولى من كتب الشهر، وهي السياسة الدولية في أشخاص قادتها العالميين المحدثين. والتاريخ الإسلامي يمثله ستة من عظمائه لكل كتاب على حدة، وتاريخ مصر الحديث في كتب ستة، وتاريخ العقائد الشرقية القديمة يبحث تاريخ آلهتها وأنصاف آلهتها في أبديتها

وبين يدي القراء الآن، كتاب الشهر الأول عن هتلر وسيتبعه في الشهر التالي كتاب ثان عن موسوليني ثم ديفاليرا ثم مصطفى كمال ثم ستالين

فاقتناء هذه السلاسل، والحرص عليها، يكون لدى أصدقائها بعد مدة وجيزة، مكتبة نفسية لن تقل قيمة عن مكتبات كتب الجيب والست بنسات وغيرها التي عرفت في اللغات الأوربية. ولتيسير اقتناء السلاسل، وضعنا نظاماً للاشتراك فيها، وهو عشرة قروش لكل سلسلة، أي أنها تكون ثمناً لستة كتب (وتتضاعف القيمة للخارج)

ويسر دار الثقافة العامة، أن تجد لغيرتها على مستوى الفكر المصري العربي صدى يكون المكافأة الحقة لجهودها بعد أن اتضح من رخص أثمان الكتب، وقيمة الاشتراك في سلاسلها إلى جانب جودة الطبع، ما ينفي كل فكرة عن غايتنا هي مجرد الاتجار أو الكسب

محمد صبيح