مجلة الرسالة/العدد 185/إلى شباب الوادي
مجلة الرسالة/العدد 185/إلى شباب الوادي
للأستاذ محمود الخفيف
تنفّس صُبحكمو المنتظر ... فلله هذا الصباحُ الأغرْ
تهَلَّلَ في المهد سمحَ الجبين ... رفيف الحواشي بِهيَّ الغُرر
على جانبيه يفيضُ اليقينُ ... ويلمعُ في مُقلتيهِ الظّفرْ
وتضحك بين يديه المنى ... وتبدو البشائرُ ملَء البصر
ثقيفَ العزيمة في مهده ... يريك نبوغَ صِباهُ الصِّغر
جريء الوثوب إلى مبتغاه ... ذكي الفؤاد وثيق الحذَر
يفيضُ على الأرض من ذَوبه ... نُضارٌ يكلِّلُ هام الشجر
وتحنو عليه بناتُ الهديل ... وتنثر في المهرجان الزَّهَرْ
ويزُهي الوجودُ بهذا الوليد ... وينسى لديه وضئ البُكَرْ
ويستقبلُ الشرق من وَمضه ... معاني تبعث حُلو الذِّكَرْ
أناشيد جاشت بهن النفوس ... يقصِّرُ عنهن لحن الوتر
تُرنُّ بأيامه الحافلات ... وتومي إلى سرِّه المدَّخر
وتوحي إلى مصر من مجدها ... ومُعجز آياتها ما غبر
تدبُّ بواديه روحُ الرَّجاء ... ويُحصي القرونَ إليه النهر
وقد طال بالنيل عهد الهوان ... وبالأمس كان عزيز النفر
وما عرف النيل معنى الخلاص ... ولا لَمَحَ النصر حتى سفر
فيالك صبحاً جرى نورُه ... فبدَّد من ليلنا ما اعتكر
نرى حُمْرَةَ الورد في أفقه ... بشير السلام جلاه السَّحَرْ
وما كان يقطر إلا النجيع ... وما كان يلبس إلا العَفَرْ
تلقته مصرُ لقاَء الرؤوم ... ألح عليها الضنى والسهر
وطال المخاضُ وطافت بها ... صنوف الرزايا وشتَّى الغِير
عبرنا إلى شطَّه الحالكاتِ ... وخضنا الحتوف إليه زُمرْ
دعاَ الأعْزَلُ الشيخ أشْبَالَهُ ... فضج له الغاب لما زأر وراحت تُعربدُ ريح المنون ... وترمي صواعقها بالشرَر
تقدَّم يزجي صفوف الجهاد ... وليس من الموت فيه وَزر
عنيد الخصومة صعب الأباء ... شديد المراس جليل الخطر
على رأسه من جلال المشيب ... هدًى ومن الحق نورٌ بهر
وليس بيمناه غيرُ اليقين ... إذا غيره بالسنان افتخر
فتىَّ الفؤاد له عزمةٌ ... تذيب الحديد وتفري الصخَر
سل الموت كيف طغى موجه ... وكيف صبرنا له فانحسر
سل المجد كيف ارتخصنا النفوس ... وكيف ارتضينا ظلامَ الحُفر
وكيف انثنت دوننا الحادثاتُ ... وكيف انجلت جائحات الغمر
سل الحرب من خاضها قبلنا ... بغير القنا والظبا فأنتصر؟!
بني مصر وافاكمو يوُمكُمْ ... وثاب الزمان ولان القدر
جعلتم من الروح مهر الخلاص ... فسال بها من دمكم وانتشر
وَما ضنَّ حُرٌّ غداة النضال ... وَلا مَنَّ يوماً بها من مَهَرْ
فلله موقفكم في الفداء ... ولله سيرتكم في السِّير!
ومصر لكم في غدٍ أمرها ... أعدوا لها من جليل الأثر
بني مصرَ لا يُكتفَي بالصباح ... فقد يعقب الصَّفْوَ فيه الكدر
هلموا فما دون رأْدِ الضحى ... وما دون جذوته من وطر
هلموا إلى صهوات العلى ... فما ضلَّ ساع لها أو عثر
وكونوا لها في ظلال السلام ... كما كنتمو في غواشي الخطر
فليس السلام ركوناً وعجزاً ... وَلكنه همة تُعتصر
شبولَ الحمى لن يِذِلَّ الشبولُ ... وَلن يعرف الليث معنى الخور
زمانكمو للجريء النطاح الد ... ؤوب الجلادِ القويِّ الظفُر
لكل كميِّ يخوض الوغى ... إذا شب جانِبُها وَاستعر
وَلن تتناعس أظفارُه ... إذا زحمته ذئاب البشر
فروضوا على البأس أخلاقكم ... ير العَصْرُ من روحكم ما استتر وَيرهب أحلافُكُمْ وُدَّكُمْ ... ودادُ الأعزَّة لا يحتقر
ألستم طلائع هذا الوجود ... أصول الحضارة فيمن عَمَر؟
أفيضوا على مصر من روحكم ... شباباً يرد لها ما اندثر
خذوا الوحي من أمسها العبقريِّ ... وَمن يومها بالغات العبر
أشيروا إلى غدها في الكفاح ... وَغنوا بحاضرها في السَّمَرْ
شبول الحمى قد تولى الشتاء ... وَوَافى ربيع المنى وَازدهر
وَليس الربيع جمالاً فحسب ... يهز القلوب وَيَسْبي النَّظر
وَلكنه قوة لا تني ... وَبَعْثٌ تراه شتيت الصُّور
نماءٌ وَخَلْقٌ وَحُرِّيةٌ ... إلى سرها جو مصر افتقر
وَانتم لعمري رياحينُه ... وَزينته وَشذاه العَطِر
أعيذكمو أن تشينوا الربيعَ ... وَأن تذروا غرسه يهُتصر
فصونوا عن اللهو إكليلكم ... وَإلا ذوَى عِقدُه وَانتثر
غدا نبتني صرحنا عالياً ... وَنجني من الغرس أحلى الثمر
الخفيف