انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 177/على شواطئ البسفور

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 177/على شواطئ البسفور

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 11 - 1936



للأستاذ محمد بهجة الأثري

هنا الدنيا هنا الدنيا ... ألا ما أحسن الَمحْيا

رُواء كفم الصّبح ... إذا افترّ عن الفجر

على الأفق، على الروض ... على البرّ، على البحر

كأن الأرض قد قامت ... على الرقصة والزّمر

سرور أينما سرت ... وعرسٌ لم يزل يجري

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

صفاء الأفْق كالبحر ... ولون البحر كالأفْق

فمن يرنو إلى تحتٍ ... كمن يرنو إلى فوق

يشم الأفق مطبوعاً ... على البحر بلا فرق

كأن البحر دون الأفق ... أمسى مطلق الزرق

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

رباع كجنان الخلد ... لا حرٌّ ولا برد

حباها في ضحى آب ... كما ينفحه الورد

فروْض أرج العطر ... وجوّ غَنِجٌ سعد

أنيق الوشى كالجيد ... إِذا زيّنه العقد

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

يحار الفكر إن جال ... بما يشهد من حسن

فما يؤثر أو يهوى ... وما يبعد أو يدنى!

إذا أعجبه مرأى ... رأى أعجب في الشأن

فلا ينفك مسحوراً ... كمأخوذ ابنة الدنّ

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

شهدت الحسن مطبوعا ... كما أبصرت مصنوعا

ورمت الحب مبذولاً ... فما صادفت ممن وشِمْت الخلد مرئيا ... وكان الخلد مسموعا

وألفيت شتات الحس ... ن في (البسفور) مجموعا

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

حسان كعذارى الخل ... د يمرحن زُرافات

كأنْ آذار أبداهن ... في الآفاق باقات

فهن الزهر في الروض ... نشرن الحسن طاقات

وهن الزُّهر في الأفق ... نزلن الأرض غادات

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

كأن الدهر بالغادا ... ت كالأزهار نيسان

فهل غاب عن الخلد ... رقيب الخلد رضوان

نشاوى مثل رائيه ... ن بالإعجاب نشوان

ييمِّمن ربوع الأن ... س حيث الحب ألحان

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

أغان وأغاريد ... لها يطرب محزون

بلحن الطير في الأيكِ ... يناغيهن قانون

تثير الروح بالشدو ... كما ينشر مدفون

تغنّيها الرياحين ... كما استضحك مفتون

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

لديها متعة السمع ... وفيها شهوة العين

تعالى الله ما أقد ... ر أن يجمع حسنين

وما أحسن أن تلتذ (م) ... باثنين شهيين

بريئين بلا إثم ... جميلين بلا شين

فيا عاشق دنياه. . . ... هنا الدنيا، هنا الدنيا

حياة لم ينغصها ... سوى ذكرى لأوطاني

أرى البسفور بساماً ... فأبكي ثغر (بغدان) نبا من أفقها الحسن ... ولم تنعم بعمران

كأن لم تك في الدهر ... جمال العالم الفاني

فيا شقوة (بغداد) ... إذا لم تشبه الدنيا!

(بغداد)

محمد بهجة الأثري