انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 166/القصص

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 166/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 09 - 1936



قصة مصرية

حب اللحم. . .

للأستاذ دريني خشبه

(الحوار في الأصل باللهجة المصرية. . .)

- (لا، بل يخيل إلي أنه مجرد من كل عواطف الحنان والمحبة، وهو بالفعل عاطل من كل ما يسمو بالإنسانية عن حضيض البهيمية الخرساء التي يرسف فيها ويجعل بها حياتي معه ضرباً من الشقاء والتعاسة لا مثيل له).

- (لا أفهم! بل الذي سمعته هو أنه يحبك حباً لا حد له، إنه يكاد يعبدك!).

- (يعبدني! هه. . . إنه يعبد جسمي فقط يا أختاه! إنه وثني شرير!).

- (يعبد جسمك فقط؟ ماذا تقولين يا روحية؟).

- (آه يا أمينة! كم يخجلني هذا الحديث الذي يدور أكثره عن اللحم والجنس، ولا يدور شيء منه عن القلب والروح؟. . . يا لتعاستي!).

- (يبدو لي أنك وجدانية أكثر مما يجب يا صديقتي!).

- (وجدانية؟ إن النبع الوحيد الذي تصدر عنه الفضائل هو الوجدان يا أمينة؛ إن الأنبياء والشعراء والفنانين لا يفهمون الحياة إلا عن طريق الوجدان؛ بل الله جل وعلا حين خاطب الناس في كتبه المنزّلة لم يخاطبهم إلا عن طريق بصائرهم، والمؤمن الحق هو كل صاحب بصيرة نيرة ووجدان سليم وقلب نابض رقيق. . . والحب، الذي ينبغي أن يكون أساس كل حياة زوجية، أليس هو أصدق صورة لل. . .).

- (صار حديثنا فلسفة! يا روحية احمدي الله على أن رزقك زوجاً لا يقصر في شيء من طلباتك. . . زوجاً غنياً ذا سمعة طيبة. . . له مركزه في الحياة).

- (هذا حق. . . ولكن الحياة ليست قصراً منيفاً وأكلة سمينة وخزاً وديباجا. . . إن هذه الأشياء أحقر ما تصبوا إليه نفس عالية يا صديقتي، ألا تفهمينني؟).

- (بل أفهمك جيداً؟ أنت شاعرة، وكنت تحلمين بزوج شاعر! أفيقي يا أختاه إلى حقيقة هذه الحياة الدنيا! الدنيا جد فلا تجعليها حلماً طارئاً وخيالاً مغرقاً في خيال. ماذا كنت تريدين بيومي أفندي أن يكون؟).

- (يا أمينة أنت تقسين علي قسوة شديدة. يا أمينة أنت فتاة متعلمة مثلي، وقد طالما حلمنا بزواج هنيء يتصل بالروح أكثر مما يتصل بالجسم. . . أنت على حق، لا ريب في ذلك، فيما يتعلق ببيومي من الوجهة المادية. هو رجل غني، ولكنه فقير جداً في ثقافته، فقير جداً في حساسيته، فقير جداً في فهما الدنيا الجديدة والحياة الجديدة. . إنه يأكل جيداً ويلبس بأناقة ويشتري لي الجواهر والحلي بسخاء. . . ولكنه يمزق كتبي ويخرق رواياتي ويعنفني كلما رآني أقرأ مجلة، وإذا أحببت أن ألعب على بياني برم وتسخط وتكلم بصوت عال ليفسد موسيقاي، والويل لي كل الويل إذا استأذنته في رياضة إلى الريف أو في متنزه عام. . . إنه يحنق، وسرعان ما يتهم، وهو إذا اتهم كان كالبركان يقذف بما فيه دون وعي. . . إنه لا يطاق. . . إنه بهيم يا أمينة. . . إنه بهيم، وأستحي أن أزيد!!).

- (وما هذا الذي تستحين من ذكره؟ أيستعمل ال. . .).

- (يستعملها؟. . . إنه يحب أن تكون لياليه كليالي ألف ليلة. . . وهو يتقنن في ذلك، وهو بذلك يرهقني ويضاعف بلواي، وهو يجعل لياليّ جحيماً مستمراً وشقاء مستديما. . . تشممي بخيالك فمه القذر الملوث الكريه، الذي تتصاعد منه مع رائحة الخمر ألف رائحة، يعبث بفمي وخدي ووجهي عبثاً وحشياً لا حنان فيه ولا تلطف، عبث الذئب الجائع الحمل البريء. . . أمينة. . . ارحميني. . . بحسبنا هذا الحديث الطويل. . . وإلى الملتقى. . .!).

ولم تدر هذه الزوجة التعسة أنها كانت تشكو بثها إلى غريمتها الشقية التي كانت تحاول جهدها أن تصيد هذا الزوج الغنيّ الشهوانيّ! المتلاف وأن تقسر خيره كله: مالاً ودماً على نفسها! لم تدر الزوجة التعسة أنها كانت تفعل ذلك، وأنها كانت تعد السم لنفسها وتضعه بيدها الساذجة البريئة في كأسها!

لقد حاولت روحية بكل الوسائل أن تصلح من حال بيومي أفندي؛ كانت تعظه مترفقة به، وكانت لا تغلط عليه إما خوفاً من بطشه بها، وإما إبعاداً في محاولة التأثير عليه بالأسلوب الرقيق والبيان الرشيق والروح الطيبة والقلب البار، وكانت تنيله منها للذة الوحش، ثم تنتزع منه الوعد بعد الوعد بالتوبة عن الخمر وهجر المخدرات، وكان يخبث ويمكر فيصغي إليها حين تنهض إلى بيانها فتوقع لحناً أو نصف لحن، ولكن البهيم الثاوي بين أضلاعه كان يهيج به فينهض فجأة ويحتملها بينذراعيه الجبارتين ويمضي إلى المخدع.

لقد كان يعبد جسمها عبادة! ولكنه لم يكن بؤمن بجسم واحد! بل كانت له آلهة كثيرة وأرباب متعددة، يخلو إلى أي منها كلما أمره شيطانه أو هاجه هواه. . . وكانت أمينة الفاجرة إحدى هذه الآلهة، وقد عبدها أول ما عبدها في منزله. . . حينما كانت تزور زوجته اليائسة التعسة، فسمع صوته المخنث وضحكها الفاسق يرن أرجاء المنزل، فزلزل قلبه، ومادت نفسه، وسال لعاب شيطانه المجرم إلى قطف الثمرة المحرمة. . . التفاحة المشئومة التي ما زالت تينع وتتأرج، وتملأ الدنيا باللذات الوضيعة والفسوق والخباثات.

ولم يكن من العسير على بيومي أن يصيد هذا الصيد، فلقد غافل زوجه وشك قلب أمينة بغمزة قوية قاتلة من عينه الصنَاع فحمست إليه أولى رسائل الغي، وأول وحي الضلال؛ وسهل عليهما بعد ذلك التلاقي في أقاصي لمدينة، هذا في غفلة من زوجه، وهذه في غفلة من أعين الرقباء.

لكن أمينة كانت فتاة تعمل على أن تصيد لا أن تصاد، لذلك كانت تمني بيومي ولا تقع في شراكه، وكانت تشتري منه ولا تبيع له، وكانت موقنة أنه لها يوماً من الأيام، وكان لا يهمها أن يشتغل قلبه بالعصبة القوية من الساقطات اللائى يتجرن بأعرضهن، فهي تعرف، إذا خلص لها أمره، كيف تعالج هؤلاء بالنعْل، لا بالأسلوب الرشيق والبيان الرقيق كما تعودت روحية أن تصنع! وكان لأمينة من جسمها الممتلئ وقوتها الخرافية كنز مدخر ليوم الفصل بينها وبين غريماتها.

وضاقت روحية ببيومي وبأمينة، ولاحظت ما رابها من سلوكها الأخير، وأفلحت في ضبطهما يتناجيان، فراحت غير مبقية على شيء. . . راحت تفرج عن جمالها الحزين، وانطلقت في المتنزهات ودور السينما تمثل فصولاً من درامة الشباب وتستعيد ذكريات سعيدة وأحلاماً أثيرية محببة. . . ذكريات الحب الذي كانت تعذب به قلوباً غضة وأنفساً رطبة، وأحلام الماضي القريب الذي أفلت بالهناءة كلها من يديها. . . راحت ترسل من عينيها الساجيتين سهاماً تعرف كيف تحيي بها آمالاً قضى عليها هذا الزواج التعس النكد، ومطامح هدمها السيد بيومي بذهبه الكثير الجم، وجاهه الطويل العتيد.

- (روحية!. . . أَوْه! عفواً!).

ولم تكلم صاحب الصوت المتلجلج، وهو شاب طِوَالٌ تبدو عليه مظاهر الفتوة ومخايل القوة، ولكنها لم ترفض أن تبتسم ابتسامة خمرية ساحرة، ومضت نحو شباك التذاكر تبتاع واحدة؛ وارتبك الفتى قليلاً، ثم أصلح من هندامه (ربطة الرقبة فقط) وابتلع ريقه، وانطلق يزاحم الجمهور حتى أخذ مكانه خلفها، وانتظر حتى كانت عند الشباك، ومدت يدها بالنقود، فصاح هو من خلفها:

- (من فضلك يا آنسة! التذكرتان متجاورتان. لا تأخذي نقوداً! هاتي بقية جنيه!. . .).

والتفتت روحية فوجدته الشاب نفسه! صلاح! صلاح الذي كان يوماً من الأيام أجمل ابتسامة في حياتها، والنور الإلهي الذي يضيء ظلمات نفسها. . . لقد أوشكت أول الأمر أن ترده وتقسو عليه كزوجة أبية وفية، ولكنها لم تستطع، بل التفتت إليه. . . وشكرته باسمة. . . ودخلا إلى الصالة وجلسا على كرسيين متجاورين، ولم يسعهما ن يتكلما كلمة واحدة!. . . وكان بيد كل منهما منهاج للحفلة، فظلاً يقلبانهما ألف مرة، وأكبر الظن أنهما لم يقرآ حرفاً واحداً مما فيها. . . وكان صلاح، كل دقيقتين أو ثلاث دقائق، يخالس روحية نظرة فائضة بالحزن، مبللة بالدمع، صادرة من أبعد غور في روحه المعذبة الشقية. . . ثم يقول لها (سلامات يا روحية!!) وتجيبه روحية، بلسان خجول متلعثم، عارف بما يعنيه صلاح: (أهلاً. . . و. . . سهلاً!) ثم قال لها صلاح فجأة: (روحية، أليس خيراً لنا أن نؤجل هذه الحفلة إلى غد، ونمضي من هنا فنستنشق الهواء الطلق في سفح الأهرام. . . الليلة مقمرة. . . أليست هذه فكرة؟!).

ووافقت روحية، ثم حملتهما السيارة في طريق الأهرام. . . ومع ذلك لم يتكلما أيضاً!! أليسا هما الآن في طريق خوفو؟ وهل تكلم خوفو من يوم أن دفن في حصنه المشيد!!).

وانتحيا من الناس ناحية، وصعدا فوق الصف الرابع أو الخامس من حجارة الهرم الأكبر مما يواجه الضوء الفضي المنبعث من القمر. . .

يا للياليك الساحرة المقمرة يا مصر! الصحراء الأبدية تتواثب في اللانهاية، تتسمع شكوى الفتاة المعذبة التي فقدت حبها وشقيت بزوجها؛ وأبو الهول الرهيب الصامت يرهف سمعيه هو الآخر؛ ومائة فرعون عظيم سيسمعون قضية الحب والشباب والزواج، والنسيم الشمالي سيمهد للعتاب البريء. . . والقبل! وحب اللحم سيغدو شبحاً بعيداً قاصياً، ويحل محله حب مأواه الروح ومصدره القلب ومطهره العين وموسيقاه الكلمة الطيبة، والتمتمة الحلوة، والعبارة التي تخنقها العبرة، والآهة العميقة الحارة يرسلها الفؤاد الملتاع الحزين! وستكون القبلة ترجمان هذا الحب القديم الذي أتاحت له المصادفة أن يحيا حياة ثانية موفورة، وسيغار القمر المطل من لازورد السماء المصرية من كل قبلة يطبعها صلاح على جبين روحية. . . ذلك لأن القمر يحب؛ ألست تراه ممتقعاً مسهداً ولهاناً؟!

- (روحية!. . .).

- (. . .؟. . .).

- (لعلك سعدت بهذا الزواج الغني الموفق؟).

- (سعادة لا نهائية يا صلاح. . . مثل هذه الصحراء. . . هه. . .)

- (والسعادة اللانهائية التي تكون كالصحراء، تكون كيف!).

- (تكون غامضة مشحونة بالأسرار. . . ألغاز! ألغاز يا صلاح! أتعرف الألغاز؟).

- (إذن، أنت سعيدة، لأن السعادة الغامضة أروع ألوان السعادات!).

- (هه! متى صرت فيلسوفاً يا صلاح أفندي؟).

- (منذ افترقنا هذا الفراق الذي حطم. . .).

- (حطم. . . حطم ماذا؟).

- (حطم أماني، وهدم قلبي. . .).

- (خير لي ولك ألا نفتح كتاب الماضي!).

- (بل سنقرأه صفحة فصفحة!).

- (صلاح!).

- (ماذا؟).

- أتحب أن نزور معبد أبي الهول الساعة؟).

- (لماذا؟ ماذا نصنع هناك؟).

- (نتحنَّث! نتعلم الصمت فلا نتكلم في هذه المسألة!).

- (إذن لن نذهب، بل سنبقى هنا! وسأكلمك في زوجك؟ هل أنت سعيدة به حقاً؟).

- (قلت لك سعيدة! سعيدة جداً، إنه يحبني. . بل يعبدني! لقد كان يأكلني منذ أسبوعين!!).

- (يأكلك؟).

- (أي والله! ألست حلوة جداً؟).

- (الوحش!).

- (لا، لا تسب زوجي!).

- (بل أنت شقية به. . . قلبي يحدثني! أنت تكرهينه؟).

- (صلاح!).

- (أنت تكرهينه جداً!).

- (إذن من عسى أن أحب؟).

- (تحبين. . .! تحبين فتى غيره! الحب لا يشترى بذهب الأغنياء! الحب لا يشترى بذهب الأغنياء! الحب تصنعه الأعين وتزرعه في القلوب، بذرة من الطهارة يرويها نبع من الإخلاص!).

- (ومن يا ترى يكون هذا الفتى إذا كان؟).

- (من يكون! يكون الفتى الذي عرفك وتغلغل في كل جوانحك).

- (الفتى الذي عرفني وتغلغل في كل جوانحي لم يخلق بعد!. . .).

- (روحية!).

- (أؤكد لك!).

- (روحية؟ أنت تقتلينني!).

- (آه! أهو أنت هذا الفتى إذن؟).

- (روحية! أنا هو. . . أنا صلاح. . . هل نسيت؟).

- (. . .؟. . .).

- (إلى متى تفترق أجسامنا وقلوبنا متحدة متآلفة يا روحية؟).

- (. . .؟. . .).

- (تكلمي! غير معقول أن تكوني نسيتِ! يجب أن نلتمس مخرجاً. . .).

- (كفى!. . . صلاح! أسكت!).

- (لا! بل أتكلم! لن يخدعني لسانك! إني مطمئن إلى قلبك، إنه ينبض لي كما كان ينبض قبل زواجك. . . بل هو الآن يخفق خفقاناً شديداً، إنه يدعوني ويعطف علي. . . إنه يُفضّلني. . . ولكنك تعاندين. . . ارحميني يا روحية. . . لن أدعك تفلتين هذه المرة ولو ربطتك السماء نفسها بسلاسل ذهبية! أنت لي، أنت لي دون هذا الحيوان الذي انتزعك مني، أنا أعرف هذا أنا أعرف ما بينكما من بغضاء! أعرفه كله! ثقي أنه لن ينتهي عما نهيته عنه! البهيم! الوحش الذي يعذبك ويضنيك! سيصير فقيراً معوزاً عما قريب! لقد بدأ يبيع (أطيانه) ويرهن ما لم يبع! وجسمه سيتهدم، وقد يجرفك سيل خرابه؟ روحية! كبرياؤك تذيب قلبي وتصهره! صديقتك أمينة! لقد ذكرت لي كل شيء. . . أ. . .

- (أمينة!

- (أجل. . . أمينة أعز صديقاتك. . . الأفعى! اتركيه لها! سيقصم ظهرها أو تقصم ظهره قريبا. . . لقد سقطا يا روحية فاطمئني.

- (حسبك يا صلاح. . . كفى. . كفى. .

- (لا. . . ليس حسبي. . . ينبغي أن ننتهي!

- (ننتهي كيف!

- بأن تكوني لي. . .

- (أكون لك. . . وهل تقبل! أنا؟

- (أقبل؟ أنا أرجوك وأضرع إليك. . . لا حياة لي بدونك يا روحية!

وصمتا ساعةً، وكانت دموع نحيلة تسقي حبهما الذي انتعش بكل ما كان له من قوة وحياة، وكان الليل المصري الجميل يرثى لهما فيهب نسيمه عليلاً رخياً كأنفاس العذارى، وكان صلاح قد حمل رأس حبيبته على صدره الرحيب وراح يقبله ويربت عليه بأصابعه المرتجفة. . . وكانت أصابعه المرتجفة تنسى فتمر بكل ما فيها من حب وبراءة على الذقن وفوق الخدين. . . ثم. . . ثم انحنى صلاح يتشمم بفمه المرتعش فم ملاكه الغارّ في أحلامه فوق صدره. فاضطربت روحية، وانتفضت انتفاضة هائلة، وهبت من آلامها مذعورة، وتمتمت: (صلاح! لا يصح! أنا زوجة. . . لا أخونه حتى أرى!).

وكانت الساعة الواحدة! وقد سافرت آخر قاطرة من قاطرات الترام إلى القاهرة منذ بعيد! ولم يبق في الجهة سيارة تحملهما إلى هناك! فهل يقطعان الطريق على الأقدام؟ هذا أمر شاق. . .

- (لا تنزعجا! سأوصلكما في سيارتي!!

من هذا؟ من صاحب هذا الصوت! يا للهول؟ إنه بيومي، خرج الساعة فقط من فندق ميناهاوس!! إنه يترنح من السكر وهو لا يكاد يعي! وأمينة! أمينة معه أيضاً في تلك الساعة المتأخرة من الليل! ماذا كنا يصنعان هنالك؟

(أوه؟ أنت روحية؟ ومن هذا؟ آه! أحد عشاقك! ترى! أين كان يتمتع بك الليلة؟ هه؟ هناك! في حرم الفراعنة ولكن، اركبا، اركب، ليس الآن!. . .).

وصعد الدم يغلي في رأس صلاح، وأوشك أن ينقض على غريمه الوقح فيضغط على عنقه ليذيقه وبال أمره لولا أن نحته روحية وأشارت عليه بركوب السيارة. . . وحينئذ، فكر قليلاً وتقدم إلى مكان السائق. وجلست روحية إلى جانبه، وجلس بيومي وأمينة في الخلف، وانطلق صلاح ينهب الطريق الهادئ، وبرزت الأجيال القديمة كلها من تحت الرمال تنظر إلى أبطال القمة المؤلمة. . . الزوج الخائن. . . ولصديقة الخائنة. . . والمحب الهائج. . . والزوجة الثائرة. . .

وجعل صلاح يفكر. . . وأيقن أن الخمر قد سيطرت على دماغ خصمه. . . فهل يستطيع أن يجعلها من جنوده ضده؟! سيرى. . .

واقتربت السيارة من الجيزة. . . وبدا النيل يصطخب من بعد. . . وأزبد عبابه وجرجرت أواذيه. . . وأوقف صلاح السيارة على بعد مائة متر نحوها من النهر العظيم، ثم نزل منها وأشار إلى روحية فأطاعته ونزلت هي الأخرى. . . وهي لا تدري لماذا نزلا، وحملق صلاح في غريمه فوجده يخاصر أمينة وقد غلبهما النعاس والسكر فناما نوماً عميقاً. . .

- (بيومي أفندي! بيومي أفندي! استيقظ! هلم أنت فسق سيارتك، أنا ماض إلى بعض شؤوني في الجيزة!).

وشخر بيومي شخيراً مفزعاً بأنفه الغليظ، ونهض من مكانه متثائباً ليجلس مكان السائق وهو لا يعي من أمره ولا من أمر سيارته شيئاً. . . ثم أدار العجلة دورة آلية فانطلقت السيارة تطوي الطريق في خط مستقيم إلى. . . النيل. . . النيل الزاخر الأبدي!).

- (حرام عليك يا صلاح. . .).

- (أسكتي! لقد أنقذتك!).

- وَيْ! اسمع! لقد انقذفت السيارة في الماء).

- (بمن فيها طبعاً. . .).

- (يا للقوة!).

- (روحية، هلمي من هنا. . . من هذا الطريق).

دريني خشبة

(الرسالة) إن الحل في هذه الأقصوصة الجميلة لا يرضي

الخلق الجميل