مجلة الرسالة/العدد 165/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 165/البريد الأدبي
إحياء الموسوعات العربية العامة
رأى صاحب المعالي الأستاذ زكي باشا العرابي وزير المعارف أن تقوم وزارته بإحياء المصادر التاريخية والأدبية للمخلفات العربية العامة، فأمر أن تؤلف لجنة من رجال الأدب لبحث هذا المشروع الخطير.
وقد اجتمعت هذه اللجنة بوزارة المعارف ظهر الاثنين الماضي (24 أغسطس) برياسة الأستاذ محمد العشماوي بك وكيل المعارف، وحضور حضرات أصحاب العزة محمد عوض إبراهيم بك، والأستاذ علي الجارم بك، ومحمد أحمد جاد المولى بك، ومراقبي التعليم ومساعديهم، واختارت لجنة فرعية من شيوخ اللغة العربية بالوزارة لتنفيذ رغبة معالي الوزير بمراجعة الأصول العربية وإخراجها بإشراف الوزارة ورعايتها، بحيث تمكن هذه المراجع الهامة من إعطاء مادة كافية من وضع كبار مؤلفي العرب لمشروع دائرة معارف عربية كاملة بشكل يتفق مع زعامة مصر للأمم العربية.
وقد شرعت الوزارة في اعتماد المبالغ اللازمة لتنفيذ المشروع. .
ومن المصادر التي رأت اللجنة مراجعتها: ابن الأثير، والطبري، وتاريخ ابن مسكويه، وتاريخ ابن خلدون، وطبقات ابن سعد، ونحو خمسين مؤلفا غيرها لها أهميتها الأدبية كالأمالي والكامل والأغاني والتراجم المختلفة في القرون الثامن والتاسع والعاشر والحادي عشر.
ولا شك في أن وزارة المعارف بهذا المشروع ستسدي خدمة جليلة للناطقين بالضاد في جميع أنحاء العالم العربي.
للحقيقة والتاريخ
ضمنا مجلس مع فخامة حقي بك العظيم، رئيس مجلس الشورى، وكانت لا تزال في خاطري ذكرى القصة الشجية التي قرأتها في مجلة (الرسالة) الغراء في عددها (161) للأستاذ علي الطنطاوي بعنوان (النهاية). . . وما تضمنته من حوادث خاصة عن والي دمشق ناظم باشا والجفاء الذي لقيه عند زيارته لها فيما بعد؛ فذكرت ذلك لحقي بك، وكان يومئذ حاكم دمشق، فاستغربه وقال: إني أربأ بالكاتب أن يصل به خياله لهذه الدرجة برغم أن كتابته عالية. ثم أخذ يسرد علينا قصة مجيء ناظم باشا إلى دمشق والحفاوة البالغة التي حظي بها قال:
(. . . ثم أتى دمشق بعد أن زار ابنتيه في بيروت، وكان ببزة عادية، فبقي فيها عدة أيام زارني خلالها في (السرايا) فاستقبلته بكل حفاوة وتعظيم تقديراً له وإكراماً لأعماله العمرانية التي أودعها في مدينتا. . . وعند خروجه اصطفت له جنود الحرس وأقامت له التحية الرسمية، وودعته أنا حتى الباب الخارجي، وقد احتفى به معظم وجوه دمشق، وتقدموا إليه بهدايا عديدة رفضها بكل إباء. وكان قد أحس نقيب الأشراف بوجوده فأتاه في اليوم التالي ورجاه أن يطيل بقاءه بضعة أيام أخر لتقوم دمشق بواجبها نحوه، فاعتذر بضرورة مغادرته المدينة إلى بيروت، حتى أن السلطة الفرنسية تقدمت إليه بمنتهى الإكرام. وإني أذكر أن الكولونيل كاترو أدّب له وليمة فاخرة كنت من المدعويين إليها. ولم يُظهر ناظم باشا مدة إقامته بدمشق عجزا أو حاجة مالية قط. وربما شعر بعض أصدقائه بشيء فتقدموا نحوه بعطايا كما ذكرنا فرفضها. ومن ذلك أن رجلاً يدعى (شيخو آغا) كان (ياورا) عند الوالي، جاءه بكل خضوع وبيده كيس صغير فيه (500) دينار، واستعطفه بلطف ورجاه أن يقبله منه كهدية، قلت أو كثرت، فهي من خيراته السالفة التي أنعمها عليه، فأبى بعفة نادرة. . . ثم مات منذ خمس سنوات. . .).
حدثت هذه المقابلة اتفاقاً، فلم أرد أن أهملها أو أخفيها على قراء (الرسالة) الغراء خدمة للحقيقة والتاريخ.
وإنا وإن كنا نستسيغ للأستاذ الطنطاوي الخيال المبدع في القصص، فإننا لا نود أن يتسمح في الحقائق التاريخية. وإن إعجابي الشديد بمتانة أسلوب أخي الأستاذ الطنطاوي، وقوة إنشائه، شجعاني لتصحيح هذه الناحية من قصته إتماماً لفنه القصصي البارع، والسلام.
(دمشق)
علاء الدين الخاني
المسألة الاستعمارية
ظهرت في العهد الأخير نزعة استعمارية جديدة في بعض الدول التي لم تتح لها فرصة امتلاك المستعمرات من قبل أو التي فقدت مستعمراتها لأسباب خاصة؛ وترجع الدول التي تضطرم بهذه النزعة الجديدة مثل إيطاليا واليابان وألمانيا وبولونيا مطالبها إلى حق المشاطرة في امتلاك المستعمرات على قدم المساواة مع الدول الأخرى التي تتمتع بالأملاك الاستعمارية الواسعة مثل فرنسا وإنكلترا وهولندا؛ وتزعم فوق ذلك أن لها حق الفتح والامتلاك بالقوة ما استطاعت سبيلا إلى ذلك، وتدعي أن العوامل الاقتصادية تدفعها إلى ذلك دفعاً؛ فزيادة السكان، والعطلة، وفقد المواد الأولية، وغيرها مما يرغمها على تلمس السبيل إلى تخفيف متاعبها الاقتصادية بامتلاك المستعمرات واستثمارها.
وقد بحث هذه المسألة كاتب سياسي واقتصادي كبير هو المستر جروفر كلارك، وأصدر عنها أخيراً كتاباً ضافيا بعنوان (مكان تحت الشمس) وألحقه برسالة أخرى عنوانها (قوائم الاستعمار) وفي الكتاب الأول يفند مستر كلارك مزاعم الدول الاستعمارية من الوجهة السياسية والتاريخية، وفي الثانية يفند مزاعمها من الوجهة الاقتصادية بإيراد الإحصاءات التي تدل على أن الغايات الثلاث التي تستتر وراءها: أعني إيجاد منذ للسكان، وافتتاح الأسواق المحلية، والحصول على المواد الأولية، إنما هي غايات مزعومة.
ويلاحظ مستر كلارك أن تحقيق هذه المزايا لا يتوقف على امتلاك المستعمرات فقط، بل يتوقف قبل كل شيء، وخصوصاً أيام الحرب، على القوة البحرية التي تملكها الدولة المستعمرة. ومن جهة أخرى فأن معظم البلاد التي تطمح إليها الدول المستعمرة قد أصبحت تغص بسكانها الأصليين، ومن الصعب أن ينافسهم في استثمار مواردها ومرافقها مهاجرون من الخارج، وينطبق هذا بنوع خاص على البلاد الواقعة في المناطق الحارة.
بيد أن العوامل الاقتصادية ليست كل شيء في الموضوع، فهناك ما يسمى بالعزة القومية، وهي مسألة أثارتها ألمانيا بنوع خاص. وهذا العامل المعنوي يراه المؤلف ضرباً من اللغو ولا يرى أن يقف به طويلاً، إذ أن المبدأ المسلم به هو (أن تحصد أينما بذرت).
وبحوث مستر كلاك وملاحظته جديرة بالاطلاع والتقدير.
من أخبار السفهاء في مصر
قرأنا في أحد أعداد جريدة الجورنال الباريزية ما يأتي:
(في مصر، على مقربة من الأقصر، يبنى الآن قصر فخم، وذلك من أجل سحر عيون ممثلة من أشهر ممثلاتنا السينمائيات. وقد قال لها محبها، وهو فتى ساحر، يملك قرى بأسرها وحقول قطن على ضفاف النيل: (سوف تعيشين هناك كملكة!) فأجابته الممثلة: ولكني إلى أن يتم ذلك سأعود إلى فرنسا وأشتغل بإخراج فلم (الملك). وقد كانت ممثلتنا العظيمة الرشيقة عند قولها. ذلك أن ج. م (جابي مورلي) سوف تأتي في مدى أيام قلائل لتقوم بإخراج شريطها).
أجل تبنى القصور في مصر وتنفق الألوف من أجل عيون الممثلات والغانيات الأجنبيات! وهذا الفتى المصري (الساحر) الذي تشير إليه الجريدة الباريزية هو أحد أولئك الفتيان الذين ورثوا أموالً مكدسة لم يعرفوا كيف حصلت أو كيف تحصل بعرق آلاف الفلاحين، وإنما يعرفون كيف تنفق على الموائد والغانيات بلا حساب في مصر وفي غير مصر: أولئك السفهاء هم في الواقع عنصر مسموم في المجتمع المصري يجب القضاء عليه بكل الوسائل.
أوراق العظماء
صدر أخيرً في فرنسا قانون جديد يقضي باعتبار المراسلات والمذكرات الصادرة من العظماء سواء في الحكومة أو خارجه من الآثار العامة التي يجب حفظه وحمايتها، وقد كانت أمثال هذه المراسلات والوثائق تعتبر حتى اليوم بطريق العرف والتقليد من الآثار العامة. ولكن الحكومة الفرنسية رأت أن تسبغ على هذا العرف صفة رسمية كي تستطيع في بعض الأحوال أن تضع يدها على الوثائق والمراسلات المخلفة عن العظماء وأن تودعها على ذمة التاريخ في دار المحفوظات العامة على رغم معارضة المعارضين.