انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 154/العالم المسرحي والسينمائي

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 154/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة - العدد 154
العالم المسرحي والسينمائي
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 06 - 1936



بنكنوت

فيلم شركة لونس على شاشة سينما تريومف

لناقد (الرسالة) الفني

تدفع الأثرة الكثير من المصريين إلى الجمع بين صناعات متعددة، وهذا في عقيدتهم وسيلة من وسائل الشهرة وارتفاع الذكر في حين أن العالم يسير عكس هذه الفكرة، فهو يعمل على توزيع الأعمال حتى يستطيع الفرد أن يتخصص في ناحية واحدة، والتخصص سبيل الإتقان والتبريز

ولقد نقدنا في فلم شارلي شابلن (العصر الحديث) قيام صاحبه بجميع الأعمال الفنية؛ وها نحن اليوم نعود فنكرر قولنا، في رأينا أن زميلنا الأستاذ أحمد جلال يستحق اللوم الكثير لتقليده شارلي، وجمعه بين مهمة تأليف الرواية وكتابة السيناريو وإدارة الفلم وإخراجه ثم تمثيله. ونحن إذا التمسنا الأعذار لشارلي لإعداده الفلم الواحد خمس سنوات، فإن الأمر على العكس من ذلك مع جلال الذي يرهقه العمل الصحفي إلى جانب عمله السينمائي. ولو أنه وزع العمل واكتفى بمهمة واحدة أو اثنتين فربما تلافى الكثير من الأخطاء التي أفسدت الفلم ونزلت به إلى مستوى لا نحبه ولا نرضاه لفلم مصري.

إن مخرجي الأفلام المصرية يستغلون النظارة من المصريين أسوأ استغلال بعرضهم مثل هذه الأفلام التي تنقصها العوامل الفنية التي تتوفر في الأفلام الأمريكية والإنجليزية. ولو أن هذه الأفلام تشبع عواطف المصريين، وتصور ميولهم ونفسياتهم، لما وجدنا مصرياً واحدا يقبل على هذه الألاعيب الصبيانية، ولأحس يومئذ المخرجون أن القومية وحدها ليست كافية لأن تجتذب النظارة إلى دور السينما

وإذا كان الجمهور يقبل على هذه الأفلام، فهو إنما يقوم بواجبه حيال هذه الصناعة الجديدة، وتشجيعاً لأهل الفن من أبناء بلاده، وعسى أن يجد فيما تعرض ما يعبر عن عواطفه. على أن هذا الاستغلال سينكشف يوماً، وسيعرف المصريون أنهم يسيئون إلى أنفسهم وإلى الفن، إذ يقبلون على هذه الأفلام؛ ويومئذ يدرك المخرجون مبلغ الهوة الساحقة التي حفروها بينه وبين رواد السينما. ولا أظن هذا اليوم بات بعيدا.

أن أول أسباب لنجاح الفلم أن تكون القصة التي تعرض للنظارة صالحة للسينما؛ ويشترط فيها الفن، والصناعة، وعلم النفس، وغيرها من الشروط التي يجب أن تتوفر في كل عمل فني، ولهذا فأن الشركات الأجنبية تنتقي خيرة القصص العالمية وتقتبسها للسينما، وتدفع من أجل ذلك ألوف الجنيهات، أما في مصر، فأن الشركات تستغني عن المؤلف الأديب، ولا تحفل كثيراً بموضوع القصة، ولهذا فأنك لا تجد بين أكثر الأفلام التي عرضت موضوعاً سامياً ولا قصة رائعة ذات جمال وفن.

ملخص قصة الفلم

سلمى، امرأة مبتذلة، يعود زوجها فجأة فيجدها مع عشيق لها فيطردها من بيته؛ وتخرج لتعيش في الأندية الليلية، ويلتقي بها نجيب مفتش البوليس فيتزوجها وينجب منها طفلة

ويدخل شوكت يوما إلى مكتب نجيب فيراه يضع أوراقاً مالية في مكتبه، ويدعو شوكت نجيباً لقضاء السهرة في النادي، وهنالك نجد شوكت يخسر كل نقوده ويأخذ نجيب مكانه، وينتهز شوكت الفرصة ويسرع إلى بيت صديقه ليسرق الأوراق المالية. وإذ هو في محاولته يعود نجيب ويخاف شوكت أن يضبطه متلبساً بالجريمة فيسرع إلى مخدع الزوجة، ويدخل نجيب فيظن أن زوجته تخونه ويصوب مسدسه إلى شوكت ولكن هذا يفلح في إسقاط المسدس من يده!؟ وتريد سلمى أن تنتقم من شوكت فتطلق عليه الرصاص ولكنها تصيب زوجها.

ويحكم على الزوجة بالسجن ثلاث سنوات، وفي هذه المدة يتعرف شوكت إلى إحدى فتيات الشوارع فيتخذها عشيقة له، ويعدها لتكون شريكة له ووسيلته إلى السرقة والاحتيال. وتخرج سلمى من السجن وتعمل خادمة عند هذه العشيقة فتعرف سرهما وتحبط تدبيراتهما. ويوفق شوكت إلى اغتصاب آلاف الجنيهات من مكتب مدير إحدى الشركات (وكأن المدير لا يضع نقوده في المصارف!) ولكن سلمى ترشد البوليس إلى السارق. ويجئ نجيب ليقبض على شوكت، وإذ يحاول هذا الهرب مهدداً نجيباً بالمسدس تطلق سلمى النار على شوكت.

يرى القارئ أن الموضوع الذي عالجه الفلم تافه لا يحتاج إلى كل هذا الحشو والتطويل والتعقيد والالتجاء إلى الأمور غير المعقولة التي أغفلناها في تلخيصنا لقصة الفلم، وهذا مما يدل على جهل كاتب القصة بالحياة والخلق المصري. فأين الرجل الذي لا يثور لمرأى عاشق زوجته في بيته؟ وأين الأندية الليلية التي يصحب فيها الرجال زوجاتهم ويلعبون الميسر مع الساقطات أمامهن؟! وأين الرجل الذي لا تأخذه الريبة ولا الشكوك من وجود صديقه في بيته أثناء غيبته؟ ومدير الشركة الذي يولول ويكاد يتملكه الجنون لأن سيدة أغمى عليها في مكتبه، ثم هذه الطريقة المضحكة التي تتعرف بها عشيقة شوكت إلى تاجر الأقطان ومفتش البوليس الذي لا يعرف كيف يتقي شر المجرمين ولا يعرف كيف يستخدم مسدسه. . . هذه الأشياء تبين بجلاء جهل الكاتب بعلم النفس وبالحياة المصرية.

وقد تقوم الفكرة التي تقوم عليها القصة مما لا يصل إليه النقد، كما صرح بعض الزملاء، ولكن العلاج وما يحيط بالقصة من حواش وجو ملئ بالأقذار والأدران مما لا ترتاح إليه النفس، أما تصوير الشخصيات فضعيف مضطرب، وفي بعضها نزول عن المستوى الذي يليق أن يعرض على الجمهور، والذي لا يتسق مع بقية الشخصيات ولا مع موضوع القصة، مثل العشيق الأبله الذي يفتتح به أول مناظر الفلم، أو مثل شخصية الخادم (البلدي) ومسلكه مع مخدوميه، والفتاة السارقة عندما أخذها شوكت إلى بيته لأول مرة، وكذلك شخصية سلوى فيها كثير من الإبهام الذي لا يرتاح إليه النظارة.

والحوار لا بأس به؛ غير أنه في كثير من المواقف يشبه الحوار المسرحي، كما أن هناك إسفافاً في الأحاديث بين شوكت وسلوى وبين الخادم البلدي ومخدومه، وبين شوكت والفتاة السارقة. وقد يقول المؤلف أنه يحاول أن يرسم صورة واقعية، ولكن الفن أسمى من هذا الواقع، ثم أن الواقع في حد ذاته لا قيمة له إلا إذا صقلته وأعدته يد مفتن ماهر.

التمثيل والتصوير

والتمثيل ضعيف، وكثير من المواقف انقلبت إلى مواقف مسرحية، ولو أن المدير الفني كان همه الأول قيادة الممثلين لعاد ذلك بالخير على الفلم؛ وإنني من رأي صديقي الأستاذ أحمد بدرخان في أن للسيدة آسيا مواهب لو استغلت كما يجب لبرزت وعلا نجمها، وهي جديرة بأن تسمى (ماي وست) مصر، ولكنها مع الأسف لم تظهر في فلم يلائمها، ولم تعمل مع مدير فني يستطيع أن يبرز مواهبها، وإن ظهورها الدائم مع ماري كويني ومع جلال مما يجعل التشابه كثيراً في حركاتها وتمثيلها؛ ونحن ننصح لها أن تبدل الشخصيات التي تعمل معها بين قصة وأخرى، فللوجوه الجديدة أثر وأي اثر في نفوس النظارة

أما تمثيل الآنسة ماري كويني، فماذا أقول! إنها كانت تضحك في أغلب أجزاء دورها ضحكا يتردد صداه، حتى إنني لأذكر إنها كانت تضحك ضحكاً متشابهاً يبعث السأم إلى النفس، وتمثيل الرشيدي (نجيب) مسرحي أكثر منه سينمائياً، أما جلال (شوكت) فكان يقوم بمغامراته كأنه لا يحفل بأحد وإذ هو يتسور حاجز الحديقة كأنه يقوم بلعبة في وضح النهار لا يخشى رقيباً.

كان المصور ينتقل في بساطة لا أثر للفن فيها مما يدل على أن كاتب السيناريو والمدير الفني لم يحافظا على الجو السينمائي. وكان يخرقان القواعد، فهما يجهلان متى يجب أن يصور المنظر عن قرب أو عن بعد، وكيف ينتقلان من منظر إلى آخر. وعندي أن هذا أثر الحشو والتطويل. هذا وإنك لا تجد في الفلم زوايا معبرة، ولكن الضوء والصوت في هذا الفلم جعلاه يفوق ما سبق أن قدمته إلينا السيدة آسيا من أفلام.

والشيء الوحيد الذي نذكره في الفيلم هو أنه طوله الذي تستطيع وبكل بساطة أن تحذف منه أكثر من الثلث دون أن تتأثر القصة لاتشعر أثناء عرضه بالملل والسأم اللذين كنت تحسهما أثناء عرض الأفلام السابقة لشركة (لوتس)، وإن أحسست بثورة على المؤلف والمدير الفني.

يوسف