انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 15/لغو الصيف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 15/لغو الصيف

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 08 - 1933



للدكتور طه حسين

أيهما خير ياآنسة؛ أن نفترق الآن لنلتقي غدا، أم أن نظل كما نحن رفيقين في السفر والإقامة؟ قالت: بل أن نفترق لنلتقي بعد شهرين في القاهرة أو بعد شهر في باريس. وحسبنا أن قد أقمنا معاً أسبوعاً كاملا في هذه المدينة من مدن البحر نلتقي إذا أصبحنا، ونلتقي إذا أمسينا ولا يفرق بيننا إلا الليل، قال: فإنك إذا قد سئمت هذا اللقاء وطال عليك أمده، وأخذت تودين لو فرقت بيننا النوى دهرا طويلا أو قصيرا! وما رأيك في أني بعيد كل البعد عن هذا السأم، كاره كل الكره لهذا الفراق الذي تحبينه وتطمحين إليه؟ قالت: لك أن تفهم رأيي كما أحببت وأن تقدره كما شئت، وأن ترضى عنه أو تسخط عليه، فمن المحقق أني لم أره لك وإنما رأيته لنفسي، ومن المحقق أني لم أعلنه إليك إلا وأنا محتملة لنتائجه عالمة بموقعه من نفسك وتأثيره فيها، ولن يغير من رأيي ما تبدى وما تعيد، فقل لي: إلى اللقاء ودعني أهيئ أمري فقد دنت ساعة السفر، قال: ما شككت في أن ساعة السفر قد دنت، ولكن الذي أشك فيه هو أن دنو هذه الساعة يضطرنا إلى أن نفترق، فقد نستطيع أن نسافر معا كما أقمنا معا. قالت: فإني لا أريد. قال: ما رأيت كاليوم ظرفا ولا رفقا ولا حسن مودة للأصدقاء، سنفترق يا آنسة ما دمت حريصة على هذا الفراق فهل تأذنين في أن أصحبك إلى القطار. قالت: ولا هذا فإني لا أحب هذا الوداع السريع البطيء في وقت واحد. ولا أحب أن يفترق الناس لأن قوة غريبة عنهم تكرههم على أن يفترقوا فلنفترق منذ الآن واكتب إلي، ولعلنا نستطيع أن نلتقي في باريس. فان أعيانا ذلك ففي القاهرة متسع للقاء المتصل والحديث الطويل. ثم صافحته في قوة وعلى وجهها ابتسام يشبه العبوس، وفي وجهه عبوس يشبه الابتسام.

ولم يكد يقبل المساء حتى كانت ماضية في قراءتها لا يصرفها عنها شيء، كما كان قطارها السريع ماضيا في سيره لا يقفه عنه شيء وكانت حركة الناس من حولها لا تسكن، وحديث الناس من حولها لا ينقطع، وأصوات الناس من حولها لا تهدأ. ولكن شيئا من ذلك لم يكن ليلهيها عن هذا الكتاب الذي غرقت فيه. حتى إذا انتهت بها القراءة إلى شيء من الجهد والإعياء، ووضعت كتابها لتستريح ورفعت رأسها تجيل الطرف فيما حولها لم يرعها إ صديقها الأديب جالسا أمامها جلسة المتأدب الخاضع الذي ينتظر أن يفرغ سيده له ويلتفت إليه. فلما رأته لم تدهش ولم تنكر، ولكنها أظهرت ضيقا به وغضبا عليه، وقالت في لهجة حازمة: أتعلم أني أكره هذا النوع من اللعب، وأنك توشك أن تغيظني وتحفظني وتصرفني عنك إن مضيت فيه؟ قال في صوت خافت غير مطمئن: أعلم ذلك حق العلم وآلم له أشد الألم، ولو استطعت أن أكون عندما تحبين ما أثقلت عليك، ولا ترددت في طاعتك، ولا تحولت عما يرضيك. ولكن ما رأيك في أني لا أحب أن أموت، قالت ولم تملك نفسها من ضحك غالبته فغلبها: لا تحب أن تموت؟ قال نعم لا أحب أن أموت، ألم تفهمي بعد؟ قالت: ومتى رأيتني أحل الألغاز؟ قال: والغريب أنك قد عاشرت الفرنسيين فأطلت عشرتهم وأتقنت لغتهم وآدابهم الرفيعة والشعبية حتى كأنك واحدة منهم. فكيف يغيب عنك ما يتحدثون به كلما هموا برحيل أو فراق، وهل تعلمين شعراً وجد عددا ضخما من الرواة، تختلف طبقاتهم وتتفاوت منازلهم كهذا الشعر الذي ينشده الفرنسيون كلما هموا أن يفترقوا إنما السفر ضرب من الموت بالقياس إلى المحبين، قالت: وقد نسيت غضبها واطمأنت إلى طبعها، وخرجت من التكلف ولاءمت بين حديثها ومظهرها، وبين ما وجدت من الغبطة بلقائه الذي كانت ترجوه، والذي كانت تغضب وتحزن لو لم تظفر به، فأنت إذا تريد إلى هذا اللغو من الحديث، قال أنت تزعمين أنه لغو أما أنا فأراه الجد كل الجد، والحق كل الحق. ولولا أن السفر ضرب من الموت لما كرهه المحبون، ولا سخط عليه الشعراء، ولا تغنوا آلامه وأحزانه. ولولا أن السفر ضرب من الموت حين يفرق بين الناس لما رأيتني الآن في هذا المكان بعد أن افترقنا على أن لا نلتقي حتى يمضي شهر أو أكثر من شهر.

ولكني فكرت بعد أن افترقنا، فرأيت أني ميت بالقياس إلى كل الأصدقاء الذين تركتهم في مصر، مهمل بالقياس إلى كل هؤلاء الناس الذين كانوا حولي في نيس، والذين سألقاهم في باريس، وأني لاحتفظ من الحياة إلا بشعاع ضئيل، هو هذا الذي أحسه حين أصحبك وأسمع لك وأتحدث اليك، فشق علي أن أجود بهذا الشعاع، وأن أسلم نفسي للموت المطبق والإهمال المطلق شهراً وبعض شهر، ولولا خوف الموت والضيق بالإهمال ما خرجت عن طاعتك ولا خالفت عن أمرك، ولا عرضت نفسي لهذا الغضب اللاذع وهذه الثورة المهينة. قالت: فقد عدت إلى ذكر الغضب والثورة كأنك تريد أن أنكرهما أو أعتذر منهما أو أنبئك بأني تكلفتهما تكلفا، واصطنعتهما اصطناعا. قال: لا تنكري شيئا ولا تعذري من شيء، فأنا معترف بأني ملح، وأنا معترف بأني مثقل في الإلحاح، ولكنك تعودت احتمالا لهذا الثقل، وتجاوزا عن هذا الإلحاح، فدعي حديثهما وحديث الغضب والثورة، وحدثيني عن هذا الكتاب الذي لم تكادي تقبلين عليه حتى ألهاك عن كل شيء، وصرفك حتى عن هذه المناظر البديعة الخلابة التي تعرضها عليك الطبيعة عرضا سريعا أثناء سير القطار. قالت: هذا كتاب تعجب إن عرفت أني أقرأه للمرة الخامسة، فأنا لا أعرف كتابا أهون ولا أيسر ولا أمتع ولا ألذ من هذا الكتاب أثناء السفر الطويل، أو حين يلح على الحزن الثقيل. هذا كتاب من كتب كورتلين، قال: هو كتاب (قطار الساعة الثامنة والدقيقة السابعة والأربعين) قالت: هو ذاك، قال: فإني لم أقرأه خمس مرات، لكني قرأته ثلاثا، ولولا أني علمت أني سأصحبك في القطار لقرأته للمرة الرابعة! فأنا مثلك معجب بهذا الكتاب إعجابا لا حد له، والغريب أني لا أدري بماذا أعجب من هذا الكتاب! بمعانيه أم بألفاظه أم بأسلوبه، أم بهذه الصور الرائعة التي يعرضها علينا في غير انقطاع؟ أم بهذا كله مما أعرفه، وما أحسه دون أن أعرفه، فهذا الكتاب عندي آية من آيات الأدب الفرنسي. قالت: وعند كثير من الفرنسيين أيضا، وإذا لم تكذبني الذاكرة فقد كان أناتول فرانس مشغوفاً به شغفاً عظيما، لست أدري أكان يعده بين آيات الأدب أم لا. وأني لأرجو أنه لم يضعه بين هذه الآيات فقد كان أناتول فرانس يضيق بآيات البيان ويرى أنها ثقيلة مملة، وليس في هذا الكتاب شيء من الثقل ولا الإملال. قال: ومع ذلك فان في هذا الكتاب ألفاظا لا تكاد تحصى وجملا لا يكاد يبلغها العد، وكلها خارج على النحو الفرنسي، مخالف لأساليب البيان المألوف. قالت: فهذا مظهر من مظاهر الجمال في هذا الكتاب، ومصدر من مصادر الإعجاب به، وسبب من هذه الأسباب التي تضطرنا إلى مراجعة النظر فيه. وما رأيك لو أن كورتلين أنطق أبطاله بهذه اللغة الفرنسية الفصحى، وأجرى على ألسنتهم هذه الجمل الأدبية الرائعة التي تجدها في كتب كورتلين نفسه وفي كتب غيره من الأدباء؟. إذا لما وجدت في الكتاب لذة كهذه اللذة التي أجدها الآن، ولعلي أن أعجز عن المضي في قراءته إلى آخره فضلا عن أن أقرأه مرات. إن للغة الفصحى خطرها وقيمتها، وهي مقياس البيان وظرف الأدب، ولكنها قد تسخف وتسمج إذا جرى بها لسان هذا الجندي الذي اتخذه كورتلين بطلا لقصته.

قال: هذا حق ومهما أنس فلا أستطيع أن أنسى هذه الجملة الطريفة التي يرددها جندي كورتلين كلما وقف موقف الحرج أمام الكابتن: ` فلولا هذه اللحنة الظريفة الشائعة، التي تجري بها ألسنة العامة من الفرنسيين والتي أذاعها كورتلين، حتى تفكهت بها الخاصة لما كان لهذه الجملة موقع في النفس حسن، ولا منزل من القلب عجيب. قالت: وكل كلام الجندي وكلام رفاقه ظريف محبب إلى النفوس لأن ما فيه من اللحن والتواء الأسلوب يصور روح الشعب كما هي صريحة مستقيمة لا غموض فيها ولا التواء. قال فأنت إذا من أصدقاء اللغة العامية وأنصارها، وماذا لو عرف أعلام البيان في مصر عنك هذا الرأي؟. قالت: لا أصنع شيئا فليس يعنيني أن يعرفني أو ينكرني أعلام البيان في مصر أو في غير مصر. وما تعودت قط أن أرى الرأي فاسأل نفسي عن حظه من رضى الناس أو غضبهم. قال: قد علمت ذلك حق العلم وجربته حق التجربة، ولم تمض ساعات على هذه التجربة اللذيذة الأليمة معا. ألست قد زعمت لي؟ قالت: لم أزعم لك شيئا! فلا تعبث ولا تفسد علينا بهذا الاستطراد ما نحن فيه من الحديث، لست من أصدقاء اللغة العامية، ولكني لست من أعدائها. وما أذكر أني كتبت شيئا باللغة العامية، وما أظن أني سأكتب بها شيئا؛ لأني لا أحب ذلك، ولو أحببته ما قدرت عليه. ولست أرضى أن تصبح اللغة العامية لغة البيان الأدبي، ولا أعطف على كاتب يتعمد الكتابة بها ويتخذها ترجمانا لما يريد أن يعرضه من الخواطر والآراء، ولكني على هذا كله لا أستطيع أن أمحو هذه اللغة، ولا أستطيع أن أنكر أن لها جمالا تنفرد به أحيانا وتعجز عنه اللغة الفصحى. ولا أستطيع أن أمحوها من قلوب الأشخاص الشعبيين وأضع مكانها اللغة الفصحى، وأوفق مع ذلك إلى تصوير هؤلاء الأشخاص الشعبيين تصويرا صادقا كل الصدق، جيداً كل الجودة، متقنا كل الإتقان. قال وهو يبتسم ابتسامة ملؤها المكر والخداع: ألا تعجبين أن ينتهي بنا الحديث عن كورتلين إلى الحديث عن توفيق الحيكم؟ قالت: ومن توفيق الحكيم؟ ما سمعت به قبل اليوم!. قال: فأنت إذا من أهل الكهف. قالت: وأي عجب في أن أكون من أهل الكهف، ومتى زعمت لك أني أعرف الناس جميعا أو أقرأ للناس جميعا؟!. قال فان أهل الكهف عنوان قصة لتوفيق الحكيم هذا الذي لم تعرفيه ولم تسمعي به، وأؤكد لك أني اكره لك هذا الجهل. فتوفيق الحكيم شاب خليق أن يعرف، ومن العيب كل العيب أن يجهله أديب شرقي. ولكنك قد أقررت على نفسك بأنك من أهل الكهف فلا لوم ولا تثريب. قالت: قد أقررت وأنا خليقة أن ألام فأنبئني عن توفيق الحكيم، وكيف انتهينا من حديث كورتلين إليه، وأي سبب بين هذا الشاب المصري وهذا النابغة الفرنسي؟ قال: بينهما سبب لا أدري الآن ما هو، ولعله أن صدقت الظنون وتحققت الآمال أن يكون التفوق والنبوغ، ولعل الله قد أذن لمصر أن يكون فيها كورتلين كما كان في فرنسا. قالت: فإني لا أحب الإطالة، ولا أحب الالتواء، فأوضح وأبن عما تريد. قال توفيق الحكيم يا آنسة شاب مصري، ظهر فجأة بقصة تمثيلية أنت أحد أشخاصها. قالت: أنا أحد أشخاصها! ماذا تقول؟ قال: نعم! لأن أشخاصها أهل الكهف، ولست أريد أن أطيل في تقريظ هذه القصة. وإنما أقول أني قرأت في هذا العام قصصا تمثيلية كثيرة ظهر بعضها بالفرنسية، وبعضها بالإنجليزية، وبعضها بغير هاتين اللغتين. وترجم أليهما أو إلى إحداهما، فكانت قصة أهل الكهف هذه خير ما قرأت من هذه القصص كلها وأحسنها موقعا من نفسي، وأشدها إثارة لإعجابي. ولست أدري أمعجب أنا بموضوعها أم بأسلوبها السهل، أم بألفاظها الساذجة أم بتحليلها الدقيق أم بهذا كله، ولست أشك في أن إعجابي بها سيضاعف منذ اليوم لأنك أحد أشخاصها. ومن يدري لعلك برسكا التي صورها توفيق الحكيم! قالت: وقد ضاقت بهذا المزاح: لو كنت برسكا لما جهلت مبدعي! قال: كم بين الناس يعرفون مبدعهم؟ قالت: وقد كتب صاحبك هذه القصة باللغة العامية؟ قال: لا، بل بلغة لا تبعد كثيرا عن العامية. وليست هذه القصة هي التي ذكرت حين تحدثنا عن كورتلين، فان لتوفيق الحكيم قصة أخرى غير تمثيلية سماها عودة الروح. والغريب أن أهل الكهف ظفرت أول الأمر بإعجاب الشباب والشيوخ جميعا. فلما ظهرت عودة الروح تنكر لها بعض أعلام البيان في مصر، ودعا هذا التنكر بعضهم إلى أن يراجعوا إعجابهم بأهل الكهف فيخففوا منه ويقتصدوا فيه. أما الشباب فأضافوا إعجابا إلى إعجاب، ورضى إلى رضى وبدءوا يتخذون هذا الكاتب الشاب قدوة لهم ومثالا. قالت: وماذا ينكر أعلام البيان من عودة الروح؟ قال لغتها، فهي ككتاب كورتلين أبطالها شعبيون فينطقهم المؤلف بلغة الشعب. ولعله يغرق في ذلك بعض الشيء، وأعلام البيان يكرهون ذلك ويحرصون على إلا تظهر آيات البيان إلا في اللغة الفصحى، وهم يضنون بهذا الشاب على أن ينفق جهده الخصب ويضيع وقته العزيز في هذه اللغة المبتذلة، قالت: ولكن القصة نفسها ما رأيهم فيها؟ فليست القصة ألفاظا خالصة ولا معاني خالصة، وإنما هي قوام من الألفاظ والمعاني، ولا بد من أن يستقيم لها جمال اللفظ وجمال المعنى، فهب ألفاظها رديئة عند أعلام البيان فما حكمهم في معانيها؟ قال: قرأها بعضهم لم يظهر رضى ولا سخطا، ولم يستطع بعضهم الآخر أن يقرأها فعابها لأن لغتها العامية صرفته عن قراءتها. قالت: فهذا بخل بالإنصاف وتجاوز للقصد، وقد شوقتني إلى أن أقرأ هذين الكتابين، ولكن هلا حدثتني عنهما حين كنا في القاهرة. قال ومتى حدثتك في القاهرة عما كنت أريد أن أحدثك عنه، إنما نلتقي فتمضي الأحاديث بيننا كما تريد هي لا كما نريد نحن، ولولا أني سألتك عن هذا الكتاب الذي تقرئين لما جرى بينك وبيني ذكر لتوفيق الحكيم، وهل فرغنا من الحديث عن أنفسنا لنتحدث عن هذا الأديب الجديد. قالت: كم كنت أحب أن اظفر بكتابيه لأفِرَّ إليهما منك ومن نفسي فقد يخيل إلي أنا نسرف في الحديث عن أنفسنا ونغلوا في الإعراض عن غيرنا. وقد يخيل إلي أن بين هؤلاء الكتاب الناشئين من هم أحق بعنايتك وعنايتي من هذا اللغو الذي نخوض فيه كلما التقينا. قال: وعلى ذكر كورتلين وتوفيق الحكيم، ما رأيك في هذا الكتاب الفرنسي الجديد الذي كثر الكلام فيه، واختلف فيه أدباء فرنسا كما اختلف أدباء مصر في كتاب توفيق الحكيم؟ قالت: وما ذاك أيضا؟ قال ماذا، ألم تقرئي كتاب سيلين الذي سماه سياحة في آخر الليل؟ ألم تقرئي ما كتب النقاد حول اللغة التي ألف فيها هذا الكتاب؟ قالت لا، قال وهو يضحك: معذرة فقد أنسيت أنك نائمة، وأنك من أهل الكهف. قالت: وقد رمته بكتابها مغيظة منه محنقة عليه: هبني نائمة فما لك لا توقظني وما اختلافك إلي في القاهرة، وما لزومك لي في نيس، وما مرافقتك لي في هذا القطار على كره مني. قال وقد أغرق في الضحك: إنما رافقتك في القطار يا آنسة لاوقظك، ولأخرجك من الكهف، ولأنبئك بأن في مصر شابا يقال له توفيق الحكيم كتب قصة يقال لها أهل الكهف، وأخرى يقال لها عودة الروح. وبأن في فرنسا أديبا جديدا يسمي نفسه سيلين، وقد أظهر كتابا أسماه (سياحة في آخر الليل) اختلف الناس فيه اختلافا كثيراً. قالت: فيم اختلفوا قال: في لغته فهو أيضا مسرف في حب العامية، وأنا معجب بكتابه إعجابا شديداً، مبغض للغته بغضا شديداً لأنه يتعمدها تعمداً ولا تدفعه اليها الحاجة ولا الضرورة ولا الرغبة في التصوير الصادق والتعبير الصحيح. وكل هذه الكتب عندي أستطيع أن أعيرك إياها لتقرئي وتحكمي ثم لنتحدث بعد ذلك. قالت: فابدأ بقصة أهل الكهف فأعرني إياها منذ الآن فسأنفق ليلتي بينها وبين كورتلين. قال: ولكن أليس خيرا منها ومن كورتلين ان ننفق ساعة أو بعض ساعة؛ لا أقول في الحديث فقد يظهر انك سئمته وضقت به؛ وانما أقول في العشاء فإني اسمع جرس الخادم يدعو اليه؟!