انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 15/أوراق مالية في القرن السابع الهجري

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 15/أوراق مالية في القرن السابع الهجري

مجلة الرسالة - أوراق مالية في القرن السابع الهجري​ المؤلف عبد الوهاب عزام
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 08 - 1933



للدكتور عبد الوهاب عزام

كيخاتو بن أبا قا خان بن هلاكو خامس ملوك المغول المسمين ايلخانية كان كما يقول مؤلف (حبيب السيرَ) أسخى بني هلاكو: كان يفيض جودا في موائده، ولا يقف به حد في الإسراف واللهو.

وقد اختار لوزاراته صدر الدين الزنجاني المعروف بصدرجهان. ولم يكن الوزير مخالفا مولاه في التبذير. فخلت الخزائن واشتدت الحاجة إلى المال، وضاق بالملك الأمر، فبدا للوزير أن يأخذ عن أهل الصين سُنَّة كانت معروفة عندهم في ذلك العصر: هي التعامل بأوراق تغني غناء الحجرين الكريمين أو المعدنين النفيسين: الذهب والفضة. وليس الفرق بين الورَق والورِق ذا خطر.

أمر الوزير بطبع أوراق للتعامل سميت (جاو) وأنشأ في كل ناحية دارا لطبع الأوراق سميت (جاو خانة) وشرع قانونا يحتم على الناس الإقلال من تداول الذهب والفضة جهد الطاقة

وكانت الأوراق كما وصفها رشيد الدين الشيرازي في تاريخه المعروف بتاريخ (وصّاف) والمؤرخون المعاصرون على هذا الشكل:

ورقة مستطيلة عليها كلمات صينية، وفوقها باللغة العربية كلمة الإسلام: (لا إله الا الله محمد رسول الله) اتباعا للمألوف في المسكوكات الإسلامية. وتحت هذا اسم الكاتب ودائرة كتب فيها قيمة الورقة. وكانت القيمة تختلف من نصف درهم إلى عشرة دنانير. ومما كتب على هذه الأوراق هذه الكلمات الهائلة: (أصدر ملك العالم هذه الجاو المباركة سنة 693هـ، فمن غيرها أو محاها يقتل هو وزوجه وأولاده ويصادر ماله)

وأرسلت إلى المدن منشورات تبين فوائد التعامل بهذه الأوراق، وتبشر الناس أن الفقر والبؤس سيزولان لا محالة ان دام التعامل بها. ومما جاء في هذه المنشورات هذا البيت:

جاو أكردر جهان روان كردد ... رونق ملك جاودان كردد

وترجمته: (إذا راجت في العالم الجاو دام رونق الملك أبدا)

ومما جاء في قانون هذه الأوراق أن الورقة التي تمزق أو تبلى ترد إلى الجاوخانه ويعطى صاحبها ورقة أخرى تنقص عنها عشر القيمة.

ثار الناس على هذه الأوراق، فيروى أنه جُعل موعد تداولها في مدينة تبريز شهر ذي القعدة 693هـ، فلما جاء الموعد أقفلت الحوانيت ثلاثة أيام ووقفت الأعمال وأبى الناس أن يقبلوا الجاو المباركة.

وكان أعظم رجال الدولة نصيبا من سخط الناس وبغضهم عز الدين المظفر الذي وكل إليه إخراج الأوراق والقيام عليها. ومما قيل فيه:

تو عز ديني وظل جهاني ... جهانر اهستئ تو نيست درخور

أزان كبر ومسلمان ويهودي ... بس أز توحيد حق واللهه أكبر

همى خوانندأز روى تضرع ... بنزد حضرت داراي داور

خدايا بر مراد خويش هركَز ... مبادا درجهان يكدم مظفر

وترجمتها:

(أنت عز الدين وظل العالم،=ولكن بقاءك شر على العالم، ومن أجل ذلك ترى المسلمين واليهود والمجوس بعد توحيد الله وتكبيره يتضرعون إلى الحكم العدل: ربنا لا تجعله ساعة واحدة مظفرا بمراده)

انتشرت الثورة في مدن كثيرة حتى ذهب كبراء المغول إلى السلطان كيخانو فكلموه في أمر هذه الأوراق البغيضة حتى رضى بإلغائها.

رسائل حزينة