انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 145/قرب الموتى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 145/قرب الموتى

ملاحظات: بتاريخ: 13 - 04 - 1936



للأستاذ عبد الرحمن شكري

يا روح إِلف أليف الموت والحُفَرِ ... قومي اسألي عن أليف الهم والسهرِ

أو فابعثي هاتفاً بالليل يؤنسني ... لو كان لِلْمَيْتِ من شوق ومن ذِكَرِ

وحَلِّقي فوق قوم كنتِ زينتهم ... كالطير تهبط فوق الوكر في الشجر

فإن نورك نور النجم يرشدنا ... ورحلة العيش تحكي رحلة السفر

أو كالملاك تهدي وهي خافية ... وتُشْعِرُ النفس طُهْراً ليس في السِّيَرِ

عجز عن الشر لم أبصره في نفر ... يا شر ما خَلّفَ الأحباب من نفر

غرارة ربما لو عشتِ ما بقيت ... إذاً عداك الردى عن مهبط البشر

هل تلك طبع الصبا تودي الحياة به ... لا بل غرار فؤادٍ غير ذي نُكُر

فصانك الله في أمن وفي كَنَفٍ ... وقُدْسِ طُهْر كصون المرء للذخُر

كأنما أنتِ ذُخْرٌ لا يجود به ... على الدُّنَى وهي من ضَيْر ومن أشر

ما أقرب الميت من حي وإن بعدت ... مكانة بين هذا الوِرْدِ والصَّدَرِ

إن الأولَى خلفونا بعدهم ومضوا ... ما خلَّفونَا وإن غابوا عن النظر

هم في الأمانيِّ والأرواح والذِكَرِ ... منا وفي القلب والأشجان والفِكَر

فكيف نجزع من فَقْدٍ وما انتقلوا ... إلا إلى النفس حرزا ريْم مِن غَيِر

يا قرب دارهمُ من واصل لهمُ ... بالنفس إن لم يكن بالعين والأثر

ووحشة النفس من حيٍّ يغايرها ... أشد من وحشة في السمع والبصر

من حاضرين وإن ماتوا وإن بعدوا ... وإن غدوا كحديث الركب والسمر

ورب ذكرى تعيد المَيْتَ في شبح ... يكاد يُلمَسُ لولا رادع الحذر

ماض من الدهر والأقوام يخبرنا ... أن لا مسافة بين المهد والحُفَر

عبد الرحمن شكري