انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 144/عند بحر مويس شتاء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 144/عند بحر مويس شتاء

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 04 - 1936



للأستاذ عبد الرحمن شكري

كم خشع العابر من قبلنا ... على ضفاف النهر وقت الأصيل

أو في مساء إذ ترى ظلمة ... قد عشَّشت في الدوح دوحا كغيل

وربما كنا الأولى قد مضوا ... وإن نأى الظن وعز الدليل

وما الذي ينأى بنا عنهمُ ... من منظر أو خاطر أو ميول

كم منظر تحسب إمَّا بدا ... من أخذة الفكر ووهم الذهول

انك - والقلب خبير به - ... أجَلْتَ قِدْما فيه لحظ المجيل

الدوح كالمفْكِر في هدأة ... إذ سكن الجو سكون الكهول

أو ثاكلات طال ثكل بها ... فَسَكَّنَتْ من شجوها والعويل

أو صمتت من طول ما عُمّرَت ... كصمتة الشيخ الوقور الجليل

والنهر كالزئبق في لمعة ... وركدة ما إنْ بها من مسيل

عهدته في صيفه لؤلؤا ... لو أن للؤلؤ سيلا يسيل

والسحب كالأشجار قد عرشت ... في الأفق تبدو مثل ظل ظليل

أو قطع من حلم غامض ... أو كمثار النقع أو كالطلول

والجو قد روَّع من قره ... كأنه قر ممات يصول

أنفاس ثغر الموت في قره ... تخرج من ثغر لجسم مَخِيل

والأرض غبراء سوى ما بدا ... من عشبها منتثرا كالفلول

كأنما الدجن غدا تربها ... وتربها الجهم كدجن سديل

تشابهت في اللون عهدي بها ... في صيفها واللون غير القليل

عهدي بها كالحود في عرسها ... زاهية الأصباغ شتى الذيول

خِيلَ حدادا إذ دجا لونها ... وهو كعقب العرس حتم البديل

خلاعة للصيف خلابة ... وفي الشتاء الحسن جم الفصول

تباين الحسنان في روقة ... لكنه زاد جلال الجميل

كم متعة جاءت بها رهبة ... كرهبة البرق وعادي السيول