انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 136/قصة المكروب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 136/قصة المكروب

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 02 - 1936



كيف كشفه رجاله

ترجمة الدكتور احمد زكي

وكيل كلية العلوم

بستور المسعور

وصل الفائت

نصب أعداء بستور له فخاً فدعوه إلى أن يجري تجربته عن اللقاح الذي اكتشفه في جمع عام. فأجابهم إلى ذلك، وحقن البهائم على رؤوس الأشهاد بالمكروب الأضعف، وبعد أيام حقنها بالضعيف ثم بعد أيام بالأقل ضعفا. واصطبر إلى اليوم الذي يحقنها فيه بالمكروب الحي القتال.

- 4 -

وجاء اليوم الكبير الموعود، اليوم الحادي والثلاثين من مايو، فحقنت المواشي جميعها - ما حُصّن منها باللقاح وما لم يحصن - بحقنة قاتلة لاشك فيها من مكروب الجمرة، وقام بحقنها رو، فنزل في الوحل إلى ركبتيه، ومن حوله مصابيح الكحول وقوارير المكروب، فأدهش النظارة بحسن ضربه الإبرة في جلود الحيوانات، وبهدوئه ورزانته وبروده وهو يضربها.

أودع بستور كل سمعته العلمية هذه التجربةَ الدقيقة التي لا تؤتمن، وما فرغ منها حتى أدرك حقيقة الموقف، وأيقن أنه أجاب داعي الرجولة والشجاعة برضائه إجراءها، ولكنه أيقن إلى جانب ذلك أنه أذن للجمهور، وهو المتلوّن المتذبذب، في تقدير علمه والحكم عليه. فلم يطب له نوم تلك الليلة، وقصاها يتلوى ويتقلب على فراشه، وكلما عزه النوم قام عن سريره يطلب الراحة في القيام، ثم هو لا يجده فيعود إلى النوم، وهكذا دواليك، وأوصته زوجته بالصبر ومنّته خيراً فصمت عنها، ودخل معمله وخرج منه مُقطِّب الجبين عابساً، ولا شك عندي أنه هرع إلى الله فصلى ورجا وابتهل، ولو أني لم أقرأ شيئاً من ذلك في الأوراق.

كره بستور الصعود في البالونات، وخشي دائماً عواقب الخصومات في المبارزات، ولكنه لم يجبن ولم يتردد لما دعاه هؤلاء البيطريون إلى هذه التجربة وساقوه عامدين إلى هذا المأزق الخطير.

وجاء اليوم الأكبر الموعد، يوم الثاني من يونيو عام 1881، فجاء الناس من كل حدب وصوب لحضور اليوم المشهود، يوم يحكمون في أمر بستور، فإن خيراً فله، وإن شراً فعليه، وكثر عددهم حتى ضاق بهم المكان الرحيب، وتضاءل إلى جانب هذا الاجتماع كل اجتماع سبقه، وكان في الحاضرين نواب الأمة وشيوخ من شيوخها، وكان فيهم عظماء، وكان فيهم كبراء، ومن كل حسب ونسب لا يظهر في الناس إلا في أعراس الأمراء وجنائز الملوك، وكان فيهم الصحافي الشهير دي بلوفتس حوله جمهرة من رجال الصحافة ومكاتبيها.

ودقِّت الساعة الثانية، فخرج بستور إلى الميدان يصحبه رجاله، وفي هذه المرة لم يكن له ولهم من الجمهور إلا الترحيب الصارخ والهتاف المتعالي. فأما الشياه الأربعة والعشرون التي كانت لُقّحت ثم حُقنت فيها الملايين من المكروبات القاتلة فقد وجدوها قائمة تأكل وتجري فرحة مرحة هانئة بالحياة، ولم يجدوا بواحدة منها أثراً من الحُمىِّ، فكاْن مكروب الجمرة لم يخالط دمها، وكأنما كان بينه وبينها ما بين الأرض والسماء.

أما الشياه الأربعة والعشرون الأخرى التي لم تُلقِّح، تلك الأربعة والعشرون التي حقن المكروب القتال تحت جلدها من غير أن تُحمى منه وتُحصّن، فقد وجدوا اثنين وعشرين منها راقدة على جنوبها في خط واحد رقدةً تبعث الأسى والحزَن. أما الاثنتان الأخريان فكانتا لا تزالان قائمتين على أرجلهما ولكن في غير اتزان، تجاهدان في سبيل العيش هذا العدوَّ الأخفى الذي ما غالب الحياة إلا غلبها، وكان دم أسود ينضح من أنفيهما ومن شفتيهما ينذر بقرب لحاقهما بالشياه المنبطحة الصريعة من أخواتها.

صاح بَيْطار لأخيه البيطار: (انظر، انظر، فهذه أخرى من التي لم يلقِّحها بستور قد سقطت إلى الأرض!).

- 5 - حضر عيسى المسيح عرس (كانا) الشهير، فلما نَفِد الخمر وكاد يتعرض أهل العرس للفضيحة شاء يسوع أن يستحيل الماء خمراً فاستحال، ولم يذكر لنا الإنجيل تفصيل ما ظن الناس بصاحب هذه المعجزة، ولا ما فعلوا به عندها. وهذا بستور في الثاني من يونيو عام 1881 يأتي في هذا العصر الحديث بمعجزة لا تقل إعجازا عن تلك التي وقعت في ذلك العصر المقدَّس العتيق فيقوم هذا الجمع الحاشد، على الرغم مما كان من اختلاف أهوائه يحنون رؤوسهم لهذا الرجل القليل، المشلولِِ بعضُه، الذي حمى مواشيهم تلك الحماية التامة الرائعة من قرصات هذه الخلائق الصغيرة التي تقرص فتقتل في الظلام قتلاً مُؤكّدا. إن هذه التجربة الجميلة التي أجراها بستور على الملأ في بُحبوحة هذا الحقل تقع في نفسي موقعاً شاذاً غريباً، لأنها قصة شاذة غريبة في تاريخ الإنسان وجهاده هذه الطبيعة القاسية. أما شذوذها ففي هذا التهليل والتكبير الذي صحبها، وهذا الترحيب الصاخب الذي ناله بستور من أجلها. فعهدنا بكشوف العلم ألا تقدِّر في حينها، وعهدنا بها أن ينال صاحبها الأذى من أجلها. ألم يودع جاليليو السجن من أجل أبحاثه التي تسببت أكثر من غيرها في الانقلاب الهائل الذي أدى بالدنيا إلى حالها الحاضرة؟ وكم لجاليليو من أشباه وأمثال. كذلك عهدنا بصاحب الفكرة أن تبقى فكرته ويزول فلا يَنْعم حتى بالذكر طيباً كان أو خبيثاً. وإلاّ فما العباقرة الأولون الذين اخترعوا النار واصطنعوا العجلات وابتدعوا الشراع وأنّسوا الخيل؟.

- 6 -

أما بستور فحظه غير حظ هؤلاء جميعاً. فهذا هو قائم في هذا الحقل ومن حوله الأغنام الأربعة والعشرون تشطح وتمرح بين جُثثٍ أربعِ وعشرين لأخوات لها ماتت شر ميتة. رجلٌ قدير في تمثيله، ومسرحٌ فخم في بشاعته، ورواية خالدة على الدهور، وقد اجتمعت الدنيا إليه تسمع وتنصت، وتُثبت ما تسمع، ثم تدخل في دينه أفواجاً تحارب معه الموت لَّما بان لها أن النصر قريب أكيد.

وأحدثت هذه التجربة في الناس تحوّلاً كبيراً. مثال ذلك رجل يدعى الدكتور بَيُوت كانت صناعته علاج الخيل والسخرية ببستور سخريةّ مُرَّة. فلما رأى أخيرة الشياه تموت جرى مندفعاً إلى بستور يصيح به: (بالله عليك يا سيدي إلاّ ما حصنتني بهذا اللقاح كما حصَّنت هذه الشياه، ثم حقنتني بذلك المكروب القاتل كما حقنتها فنجَّيتها، فالعالم لابد أن يقتنع بصدق هذا الكشف العجيب!).

وجاءه خصيم آخر مخفوض الجناح يقول: (حقاً إني قصفت بالنُّكات الكثير عن هذه المكروبات، أما اليوم فأنا مخطئ توَّاب!). فأجابه بستور مقتبساً من الإنجيل: (سيكون الفرح في السماء لخاطئ واحد يتوب أكثر منه لتسعة وتسعين من العُدوُل الذي لا يحتاجون إلى التوبة).

أما الصَّحفيِّ الكبير دي بلوفتس فهتف لبستور وهرع يرسل تلغرافه إلى جريدة التيمس والى جرائد الدنيا. قال فيه: (إن تجربة قرية بولي - نجاحاً كاملاً لم يسبق له مثيل.

وتلقت الدنيا هذا الخبر، وأخذت تنتظر ما بعده، فكأنما حسبت في شيء من التخليط أن بستور بعض الأنبياء أرسله الله رحمة بالناس، يحمل عنهم الأثقال ويدفع عنهم الآلام. وخرجت فرنسا عن وعيها فيه فسادت به أعظم أبنائها ومنحته وسام الكردون لأكبر لليجيون دونير وبعثت إليه الجمعيات الزراعية والبياطرة وفقراء الفلاحين ممن حلّ بحقولهم داء الجمرة اللعين، بعثوا أجمعين إلى بستور برقيات عديدة يسألونهُ ألوف الحُقَن من لقاحه الشافي، وأجاب بستور وأعوانه الثلاثة رجاء هؤلاء في نخوة مجيدة أنستهم صحتهم - والعلم كذلك. وكان بستور شاعراً، فأثارت شاعريته في قلبه ايماناً بتجربته، التي كانت، زاد حتى أربى على إيمان من دخلوا في دينه حديثاً.

نعم أجاب بستور السائلين، فقلب معمله الصغير بشارع مصنع للقاح، فكنت ترى الأوعية الكبيرة بأحسيتها على النار تغلي وتتفقَّع ليزُرع فيها مكروب الجمرة بعد إضعافه وتأنيسه. وكنت ترى رو وشمبرلاند يقومان على إضعاف البشلة القوية والتخفيف من عنفها لتعطى شياه فرنسا بعض المرض دون أن تقتلها، وتوخيا الدقة فيما يعملان، ولكن أين الدقة من المسرع الهلع؛ وتهيأ اللقاح، فقام الأعوان جميعاً والعرق يتصبب منهم بتعبئة الجالونات الكثيرة منه في زجاجات تسع الأوقيات القليلة. وكان لا بد أن تكون الزجاجات طاهرة من المكروب كل الطهارة فطهروها؛ كل هذا دون أن يكون لديهم كل الأجهزة اللازمة لضمان العاقبة، يا عجبا لبستور! كيف قام بذلك كله؟ بل هي تجربة واحدة واضحة ابتدعها - أم هو القدر أعثره بها؟ - ملأنه ثقة عمياء ليس عهدي بالتجارب الفُرادى الواحدة أن تملأ رجلا بمثلها.

وفي أثناء تحضير هذه الألقحة كان الأعوان الثلاثة يتحينون الفرص فيفلتون منها ليلقحوا البهائم في شمال فرنسا وفي جنوبها، وأدى بهم المطاف يوما إلى هنغاريا. لقحوا مائتي شاة هنا، ولقحوا خمسمائة وستا وسبعين شاة هنالك، حتى بلغ ما لقحوه في دون العام مئات الألوف منها؛ ثم يعود هؤلاء اللقّاحون الأفّاقون يجرون أرجلهم من التعب إلى باريس، وفي حلوقهم عطشةُ إلى شراب يسوغ، وفي قلوبهم عطفةٌ إلى حُبّ يطيب، أو لعلهم كانوا يتوقون إلى ساعة هادئة يقتلونها على دخان الطُبّاق: ولكن أين لهم ذلك وبستور كان يكره رائحة الطباق، أما الحب والشراب فكيف يجوز أن عنده وشياه فرنسا تثغو ثغاء عالياً تطلب الخلاص ممن عنده الخلاص، فلا يكون لهؤلاء الثلاثة الأرقاء رغم شبابهم مندوحة من إطاعة هذا المجاهد المجنون الذي تعبِّدوا له اختياراً، هذا المأمون الذي تجمع فكره وتركّز كيانه وانحشد عزمه على إيجاد هذا المكروب الذي يقتل بعضه بعضاً. فيقومون بالتخففّ من ملابسهم والتشمير عن سواعدهم ثم يقضون الساعات الطويلة إلى جانب مجاهرهم يُحملقون فيها حتى تحمرَّ جفونهم وتتساقط رموشهم. وفي أثناء ذلك يزداد الفلاَّحون صياحا طلباً للقاح، ويزداد أصحابنا انهماكا في تجهيزه فيقعون أثناء ذَلك ومن جرائه في متاعب غربية لم تكن في الحسبان: دخلت بعض الجراثيم الغريبة إلى الأحسية مع مكروب الجمرة، وإذا باللقاح الضعيف الذي يكفي لقتل الفأر صار يقتل الأرنب الكبير. فقام هؤلاء الأبالسة يتعرفون أصل الخطأ حتى عرفوه، ويتعقبون مدخل هذا المكروب الضال فسدوه، فيأتيهم بستور بعد هذا كله ساخطا صاخبا. ولم ذا؟ لأنهم أضاعوا في هذه التجارب وقتا طويلا ثمينا!.

وأراد بستور أن يكشف عن جرثومة داء الكَلَب.

كان ليل المعمل هادئاً إلا من صوت الخنازير وعراك الأرانب، أما الآن فقد غطى على هذا نباح الكلاب المسعورة، وهي تعوي عواءاً يملأ الآذان وقرا والقلوب رعباً، ويطير بالنوم عن أعين الأعوان الثلاثة رو وشمبرلاند وتويبيه. . . لهم الله من ثلاثة! ليت شعري ما كان يصنع بستور في حربه رسلَ الموت لولا هؤلاء الثلاثة.

ومضى عام أو دون عام على المعجزة التي جرت على يدي بستور في قرية - حتى أخذ يتضح للناس أن بستور، هذا الصياد الماهر في صيد الميكروب، ليس إلّها معصوماً بل بشراً مخلوقا يخطئ ويصيب. وجاءته كتب عدة تراكمت على مكتبه من مونت بتييه وعشر مدنٍ أخرى في فرنسا، وكذلك من هنغاريا، وكلها تشكو أن الشياه تموت من الجمرة، لا الجمرة الطبيعية المألوفة، ولكن جمرة جاءتها من هذا اللقاح الذي قصد إلى خلاصها، وأنت الأنباء بالسوء من أصقاع أخرى تقص حكايات أخرى عن خيبة هذا اللقاح. ففي بقعة من تلك البقاع اشترى الفلاحون هذا اللقاح، ودفعوا ثمنه نقدا، ولقحوا به قطعانا كاملة من الأغنام، ولما جاء المساء عادوا إلى منازلهم وأراحوا جنوبهم في مضاجعهم وهم يقولون حمدا لله الذي منَّ علينا برجلنا العظيم بستور، ثم طلع الصباح عليهم، فما انفتحت عيونهم حتى وجدوا الحقول قد غطَّتها جثث الشياه النافقة - تلك الشياه التي زعموها حصينة قد ماتت من بزور الجمرة التي تخبَّأت في ثرى هذه الحقول.

وأخذ بستور يكره كل صباح أن يفضّ الكتب التي تأتيه إشفاقاً على نفسه مما كتب كاتبوها، وودَّ لو سدَّ أذنيه فلم يسمع بسخرية الساخر وضحكة الهازئ يأتيه صداها من وراء الأركان. وأخيراً حدث شر ما يحدث له: تقريرٌ خرج من معمل كوخ، تقريرٌ محكمُ في بروده، دقيقٌ في فظاعته، كتبه ذلك الرجل الألماني القصير الخسيس، وفيه نَفى أن يكون للقاح الجمرة لدى التطبيق نفع أبداً. وزاد همَّ بستور علمُهُ أن كوخ أدق صَيادٍ للمكروب في الدنيا.

قطف بستور القطفة الأولى من ثمار تجربته فكانت حلوة طيبة، ثم أتى يقطف القطفة الثانية فأجزعته مرارتها يقيناً. ولكنه، طيَّب الله ثراه، كان شهماً لا يثنيه الحَدَث الجليل. فلم يكن في جِبلَّته أن يعترف للناس أو لنفسه بأن دعاواه العريضة الطويلة ليس لها هذا العرض ولا هذا الطول الذي ادعاه. وكأني بك تسمعه يتمتم لنفسه: (ألم أقل إن هذه الألقحة تُمرض الشياه قليلاً ولا تقتلها، ثم هي بعد ذلك تحصَّنها من الداء تحصيناً تاماً كاملاً. فهو ذاك، فلألزمْ ما قلت فليس عنه من مَحَيد)

ياله من باحث عظيم! ومع هذا فما أقل حظه من تلك الصراحة النبيلة التي نسى فيها سقراط نفسه ذاته، فلم تخدعهما عن الحق المظاهر، ولم تستهوِهِما عنه المنافع. على أن بستور لا يلام هذا اللوم كله، ففرْقُ ما بينهما واسع واضح، فهذان إنما طلبا الحق على الأسلوب الذي ارتأياه ولم يتطلبا شيئاً سواه، أما بستور فقد ساقه بحثه رويداً رويدا إلى حيث يفقد المرء لبَّه ويُضيَّع رشدَه، إلى صناعة تخليص الأرواح من براثن الموت، وهي صناعة ليس الحق بأهمَّ ما فيها.

وفي عام، 1882 بينما التقارير مكدسة على مكتبه تحمل أنباء المصائب الكثيرة من هنا وهنا، قام بستور وسافر إلى جنيف وألقى على الزبدة المختارة من مجاهدي الأدواء في العالم خطبة رنَّانة موضوعها: (كيف نخلص الأحياء من خبيث الأدواء بحقنها بالمكروبات بعد إضعافها).

وفيها أكَّد لهم بستور: (أن المبادئ العامة قد وجدناها فلا يستطيع المرء أن ينكر أن المستقبل ملئ بآمال عظام. وصاح فيهم: (إننا جميعاً مدفوعون بعاطفة قوية نبيلة، هي حب الحق وحب التقدم بالإنسانية إلى خير مما هي فيه). ولكنه وا أسفاه لم يذكر في هذا الخطاب البديع شيئاً عن الشياه الكثيرة التي ذهب لقاحه بها وقد كان لحفظها وتحصينها.

وكان كوخ حاضراً في الاجتماع، وظل يَطرِف إلى بستور بعينه من وراء نظارته الذهبية ويبتسم في لحيته الكثَّة كلما سمع بستور يقصف بالجمل الرنَّانة، قد عَمِرت باللفظ البديع وأقفرت من العلم الصحيح. وكان بستور يخطب وهو يحس كأن سيفاً خفياً مُصلَتا فوق رأسه. ولما فرغ من خطابه تحدّى كوخَ أن يجادله على رؤوس الأشهاد علماً منه أن كوخ في صيد المكروب خير منه في الحِجاج. فقام كوخ فقال: (سأقنع نفسي بالرد كتابةً على السيد بستور، وسيكون هذا قريباً). وكحَّ، ثم جلس.

(يتبع)

أحمد زكي